احدث المواضيع

الخميس، 26 نوفمبر 2009

نحو فلسفة إسلامية جديدة


دراسة في المفهوم والمنهج

الدكتور حرسي محمد هيلوله
محاضر في كلية الدعوة والإدارة الإسلامية
جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا

مقدمة:

يطلق مصطلح الفلسفة الإسلامية على تلك التراث الفكري التي تركها لنا المفكرون المسلمون وتشمل فلسفة الإسلاميين وعلم الكلام والتصوف، وقد أثير حول هذا المصطلح شكوك حين تساءل البعض ما إذا كانت هذه الفلسفة تمثل الفلسفة الإسلامية الحقة، بل يعارض كثيرون تدريس هذه الفلسفة لطلاب المسلمين [نصر1998 :18]، ولاشك أن دراسة الفلسفة الإسلامية على طريقة القدماء واتباع مناهجها القديمة أصبح أمرا غير مرغوب فيه لدى كثيرين من المسلمين، وقد حاول بعض الدراسيين للفلسفة الإسلامية إيجاد منهج جديد لدراسة الفلسفة الإسلامية، فمنهم من اقترح المنهج الوضعي ومنهم من دعا إلى منهج واقعي ومنهم من قال بالمنهج العقلاني ومنهم من يرى غير ذلك ويدعو إلى منهج إسلامي خالص جديد.

إن البحث عن منهج جديد لدراسة الفلسفة الإسلامية أصبح أمرا ضروريا للغاية، ولكن أين نبدأ محاولتنا في البحث عن المنهج الجديد؟ إن من الضروري تحديد مجالات الفلسفة الإسلامية وهذا يتطلب معرفة واسعة للتراث الفلسفي الإسلامي التي تركها لنا أولئك المفكرون الأجلاء.

لقد عرّف المسلمون الفلسفة بأنها علم الأشياء بحقائقها، أو العلم بالموجودات بما هي موجودة [عرفان1984: 28]، ومن البين بنفسه أن هذا التعريف تعريف أرسطي مستعار من الفلسفة الإغريقية كما أن المباحث التي تناولتها الفلسفة الإسلامية هي نفس المباحث التي طرقها فلاسفة اليونان كمبحث الوجود، ومبحث المعرفة، ومبحث القيم، وقد عالج مفكروا الإسلام هذه القضايا بنفس الأسلوب التي عالجها فلاسفة اليونان، فكان منهم من أخذ منهج أفلاطين كالفارابي وابن سينا ومنهم من أخذ منهج أرسطو كابن رشد، كما كان هناك مفكرون آخرون اتبعوا مناهج فلاسفة الشرق القديم كما هو حال السهراوردي المقتول وبعض المتصوفة ذوي النزعة الفلسفية، وقد أدت هذه الظاهرة لدى بعض الدارسين إلى القول بأن كل ما فعله المفكرون الإسلاميون أن أخذوا مناهج وآراء فلاسفة اليونان وفلاسفة الشرق القديم وأضافوا إليها آراءهم وألبسوها لباس الحضارة الإسلامية، فهي ليست فلسفة إسلامية خالصة عند هؤلاء، ولذلك نجدهم يفضلون تسمية هذه الفلسفة بـ"فلسفة المسلمين" [يالجن1991 :17]، وليس بالفلسفة الإسلامية، لأن من البين أن مصادرها ومناهجها ليست إسلامية وكل ما هنالك أنها لبست ثوبا إسلاميا بينما جوهرها غير إسلامي - كما يرى هذا الفريق.

ويستدل القائلون بهذا الرأي بالنتائج السلبية التي أدت إليها هذه الفلسفة، فالخطأ الذي ارتكبه فلاسفة الإسلام هو أنهم قلدوا فلاسفة اليونان وآراء فلاسفة الشرق القديم ولم يكلفوا أنفسهم البحث عن فلسفة إسلامية حقيقية معتمدين بالمصادر الإسلامية الموجودة لديهم، وقد أدى ذلك إلى نتائج وخيمة وآثار سلبية منها:

1. نفرة المسلمين من هذه الفلسفة الغريبة عن عقيدتهم مما جعلهم فيما بعد ينفرون كل ما له علاقة بالفلسفة.

2. العداء للتفلسف والتفكير الجاد بشكل عام مما قلل الإنتاج النوعي لتفكيرهم.

3. تكفير القلة المتفلسفة المقلدين بفلاسفة اليونان كما فعل ابن صلاح وابو حامد الغزالى.

4. ظهور دعوى ضعف العقل المسلم وعدم قدرته على التفلسف في العصر الجديث.

5. وهذه الأمور أصبحت فيما بعد دعامة لآراء القائلين بالنظرية العرقية التى تدعي أن الجنس السامي جنس يتميز بالميل إلى الإيمان بالخرافات وعدم القدرة على التحليل والتفكير الجاد التي قالها أرنيست رينان.

وقد حاول بعض دارسي الفلسفة الإسلامية الدفاع عن القيمة العلمية لهذه الفلسفة، ومن أدلتهم: إن معرفتنا للفكر الإسلامي اليوم قليل مبتور، وأن القول بأن الفلسفة الإسلامية ما هي إلا صورة مشوهة من فلسفة اليونان ليس بصحيح، وأن الفكر الإسلامي قادر على التفلسف كما أن الدين الإسلامي لا يمثل عائقا أمام حركة التفكير، وأخيرا إن مصطلح الفلسفة الإسلامية لا يشمل فقط علم الكلام والفلسفة والتصوف الإسلامي فقط بل يضاف إلى ذلك مباحث علم أصول الفقه [عرفان1984 :22].

ومع أن هذه الحجج تبدو قوية وصحيحة إلا أنها لم تثمر، ذلك أن أقوال المستشرقين وغيرهم ممن يقول بخلاف ذلك أصبحت ثابتة وشائعة لدى معظم المفكرين اليوم، بالإضافة إلى ذلك فإن نظرة يسيرة على هذه الفلسفة تؤيد هذا الاتجاه، فالاعتقاد بأن الفلسفة الإسلامية الحالية ليست إلا صورة مشوهة من فلسفة اليونان ما زال قائما.

المنهج الجديد للفلسفة الإسلامية: مقوماته ومجالاته وشروطه

وللتغلب على مثل هذه الصعوبات ودحض أقوال هؤلاء المغرضين لابد من البحث عن منهج جديد لدراسة الفلسفة الإسلامية، وهو أمر يبدو مجمعا عليه، وإنما الذي اختلف فيه الناس هو من أين نبدأ وإلى أين نتجه، ويمكن تلخيص آراء دارسي الفلسفة الإسلامية في هذا الصدد في نقاط ثلاثة:

1. فريق يرى أن عملية التجديد تكون امتدادا للتراث القديم، ويتزعم هذا الفريق الأستاذ مصطفى عبد الرازق، ويرون أن هناك مواضيع أصيلة في الفلسفة الإسلامية كالنبوة وأصول الفقه وبالتالي ينبغي أن تكون هذه المواضيع أساسا لحركة التجديد.

2. والفريق الثاني يرى أن الفلسفة الإسلامية الحالية ليست فلسفة إسلامية صحيحة، وبالتالي ينبغي أن لا يكون التجديد بناءا عليها، بل يجب الرجوع إلى الأصول النقية للإسلام لبناء فلسفة إسلامية سليمة.

ويقترح الدكتور مقداد يالجن مجموعة خطوات يمكن أن نتخذها كبداية للوصول إلى هذا الغرض منها [يالجن1991 :35].

أ . استخلاص النظريات والمبادئ الفلسفية من النصوص الإسلامية الأصلية، وهي القرآن والحديث النبوي الشريف.

ب. فهم المبادئ الإسلامية وتقويمها في إطار الفلسفة الإسلامية الشاملة وغايتها العامة.

ج. وجوب تحديد موقفنا من دراسات السابقين، من متفلسفة الإسلام.

د. أن يكون هدفنا الأساسي معالجة المشكلات الفلسفية في العالم الإسلامي.

هـ. استخدام النصوص الإسلامية والاعتماد عليها في تقرير الأفكار.

و. دراسة كل النصوص من الآيات والأحاديث المتعلقة بكل موضوع.

ز. تجديد علم الكلام على نحو يستطيع تحقيق وظيفته الأساسية.

ح. إبراز فلسفة الحضارة الإسلامية ومعالمها الأساسية.

ويتصور الدكتور مقداد أن من الممكن جدا إيجاد فلسفة إسلامية متميزة من الفلسفات الأخر إذا اتبعنا هذا المنهج الذي ذكر معالمه الأساسية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا ينبغي للفلسفة الإسلامية أن تكون؟ هل ينبغي أن تكون متميزة ومختلفة عن جميع الفلسفات الأخرى؟ أم إن هناك أمورا مشتركة بينها وبين غيرها من الفلسفات العالمية؟

إن القدماء من متفلسفة الإسلام لم يروا بأسا في أن يأخذوا من الفلسفات الأجنبية، واعتقدوا أن الحق ضالة المسلم، فأينما وجده التقطه ولا يهمه من أين أتى، وبهذه النظرة أخذوا الفلسفة اليونانية بما فيها من عيوب ومخالفة لعقيدتهم، فهل نحن ملزمون اليوم أن نرد كل ما جاءنا من الفلسفات الغربية الحديثة ولا نأخذ منها شيئا؟ هذا ما يجيب عنه الفريق الثالث من المشتغلين بالفلسفة في العالم الإسلامي.

3. ويري الفريق الثالث أن الفلسفة الإسلامية القديمة تبقى ترثا للأمة، ولا يجيزون الخروج على أصحابها وإنما يقولون بالتحديث عن طريق الأخذ أو الاستعانة بما عند غيرنا من الأمم كالفلسفات الغربية الحديثة، ويرون أن الفلسفة عالمية، ومفهوم الفلسفة الإسلامية لا يعني أكثر من أنها نشأت في مجتمع إسلامي عند هذا الفريق، أي أن الفلسفة الإسلامية يطلق عليها هذا الاسم لأنها نشأت في الحضارة الإسلامية، وقد صرح هذا القول الأستاذ عبد الرحمن بدوي في مقدمة كتابه الفلسفة والفلاسفة في الحضارة العربية [بدوي1993 :5].

والحق - في نظرنا - أن للفلسفة الإسلامية مميزاتها ومقوماتها الخاصة التي تتميز بها عن بقية الفلسفات الأخرى، ولكن هذا لا يعني أنها مبتورة الصلة بهذه الفلسفات، بل ينبغي أن تتفاعل معها وتساهم في تطويرها.

والأمر الآخر الذي ينبغي أن ننتبه إليه هو أهمية تراثنا الفلسفي لقضية التجديد وإذا أردنا أن نأتي بجديد فلابد أن ندرس مشكلات الفلسفة القديمة وسماتها أولاً ، ثم ننظر مناهج متفلسفة المسلمين لحل هذه المشكلات، فما كان صحيحا أخذناه وما كان سقيما تركناه، ثم نبني بحثنا على ما وجدنا لديهم من أفكار صحيحة، للوصول إلي منهج جديد لدراسة الفلسفة الإسلامية، فالمنهج الجديد يجب أن يأتي من الداخل أعني داخل الفلسفة الإسلامية الموجودة لدينا الآن، وكل محاولة للخروج عليها ما هي إلا شعور بالفشل وهروب من الواقع المر.

فالقول بالبحث عن فلسفة جديدة من مصادر جديدة يعني البحث عن نوع جديد من الفلسفة وهذا غير ممكن وغير واقعي، ولا تختلف هذه الدعوة تلك التي نادى بها بعض العلماء الطبيعيين في الإسلام، ومفادها البحث عن علم طبيعي إسلامي جديد، وذلك لأنهم عجزوا عن متابعة الركب العلمي في الغرب.

صحيح أن الفلسفة ليست كالعلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء وغيرها، ولكن هناك جوانب لا تختلف كثيرا عن العلوم الطبيعية في دقتها وثباتها كالمقولات المنطقية والرياضية وهي لا تزال مجالا للفلسفة.

أما مجال الإلهيات فلاشك في أنه مختلف تماما عن بقية الفلسفات الغربية وغيرها، وهذا الجانب هو الذي ينبغي أن نجعل له منهجا خاصا به يتميز عنه من بقية المناهج الشائعة، وبعد ذلك فلا بأس على الفلسفة الإسلامية أن تستفيد من الفلسفات العالمية الأخرى كما يمكن أن تستفيد هذه الفلسفات منها كما حصل في القرون الوسطى لفلسفة ابن رشد وابن سينا وغيرهم.

وبناء على هذه النظرة فلابد أن ننظر أولا كيف عالج القدماء مواضيع الفلسفة وعلى أي منهج اعتمدوا عليه لإصلاح ما رأوه فاسدا، فقد بذلوا جهودا جبارة لإيجاد منهج قويم في دراسة الفلسفة، فقسموا الوجود إلى مراتب ثلاثة، الطبيعيات وهي تحتل المرتبة الدنيا وتتضمن جميع الموجودات المادية، والمرتبة المتوسطة يحتلها الموجودات التي ليست بأجسام، ولكنها في أجسام كالهندسة والرياضيات، والمرتبة العليا يحتل بها الموجودات التي ليست بأجسام ولا هي في أجسام، كالله والملائكة أو العقول المفارقة للمادة، ثم سلكوا طريقة فلاسفة اليونان في دراسة هذه القضايا الفلسفية، واعتمد المسلمون في دراسة الفلسفة المنهج الذي وضعه الفارابي وابن سينا إلى أن جاء الغزالي(ت505هـ) ووجه نقده العنيف لإلهيات ابن سينا والفارابي، ووصفها بالتهافت، بعد أن قسمها إلى قسمين، قسم "قريب من مذهب أرسطوطاليس فيها من مذاهب الإسلاميين، على ما نقله الفارابي وابن سينا" [الغزالى1985 :104]، ويبدو أن هذا القسم هو الذي كفر به الفلاسفة، وقسم "قريب من مذهب المعتزلة ولا يجب تكفير المعتزلة بمثل ذلك" [الغزالى1985 :107]، وهذا القسم هو الذي بدعهم فيه.

ثم جاءت إصلاحات ابن تومرت(473هـ-524هـ)، وابن رشد(ت595هـ)، للإلهيات وهي عبارة عن محاولة لتجديد هذا العلم، وقد استندت هذه المحاولة إلى أمور أهمها:

1- نقد الكلام الأشعري وتفنيد أدلته وتوضيح ما فيه من تناقض داخلي، وكذلك نقد موقف الحشوية والصوفية من الإلهيات.

2- الاقتراب من مذهب المتكلمين القدماء ولاسيما المعتزلة، في البحث عن مسائل العقيدة، عن طريق الاعتماد على العقل وأدلة من القرآن والسنة كما يظهر من كتابي ابن رشد "فصل المقال" و "الكشف عن مناهج الأدلة" ومن كتاب "آراء ابن تومرت الفلسفية" [دويش1989 :103].

3- الابتعاد عن البحث في القضايا الفلسفية الميتافيزيقية الخالصة، كالبحث في الجوهر والهيولا والصورة وغير ذلك، والميل إلى المسائل الإلهية الخالصة، كالبحث في وحدانية الله وصفاته، وعدله، والمعاد، والنبوات، وفي النفس، والقدر والقضاء وما شابهها.

4- تأويل المسائل الإلهية التي نقدها الغزالي، وتبين أنها غير مخالفة للشرع بل الأقرب أنها موافقة له، وذلك عن طريق دعمها بأدلة من العقل والنقل، كما فعل ابن رشد في القضايا التي كفر بها الغزالي الفلاسفة.

5- إعادة النظر في مناهج البحث في الإلهيات بصفة عامة، وتقديم منهج جديد هو في حقيقة الأمر منهجين أحدهما للعامة والآخر للخاصة.

6- القول بضرورة تأويل النصوص إذا تعارضت مع العقل، وقد دافع ابن تومرت عن هذا المبدأ دفاعا مريرا، ولكن الأقدار شاءت أن يشتهر به ابن رشد وابن عربي، فابن تومرت هاجم المعارضين للتأويل ورفض موقفهم منه، وذلك أن مسلكهم هذا يؤدي إلى فصل الحكمة من الشريعة، ولأن القياس والاجماع داخلان في الشريعة، ثم إن التأويل في نظره وسيلة للفهم والمعرفة وتطبيق الدين وهو أيضا وسيلة لتحقيق العدالة عند تطبيق الشريعة، والرد على المخالفين [دويش1989 :106].

وبناء على ما ذكرناه فإن مقومات هذا المنهج الجديد في نظرنا ينبغي أن يوضع على النحو التالي:

أولاً. تحديد المجالات التي تتناولها الفلسفة الإسلامية، ونقترح أن تكون هذه المجالات: اللغة والإنسان والإلهيات.

1. فتكون دراستها للغة عن طريق تحديد ما يجوز استخدامه في اللغة من معان وما لا يجوز وذلك على غرار ما فعلته الفلسفة الوضعية في الغرب، ولكن الفلسفة الإسلامية وهي تدرس اللغة لا تأخذ كل ما جاءت به الوضعية المنطقية، فقد قسم الوضعييون اللغة إلى قسمين، قسم يدل على معان لها ما يمثلها في الواقع المادي، وقسم ليس له ما يمثله في الواقع المادي، ثم قسموا القسم الأخير أيضا إلى قسمين، ما كان يمثل صورا منطقية أو رياضية وما لم يكن كذلك، فأخرجوا النوع الأخير من حظيرة العلم، وجوزوا استخدام اللغة فقط في المجالين الآخرَين، أي أن الكلمة يمكن أن تمثل شيئا ماديا قائما في الواقع، ويمكن أيضا أن تمثل صورة من صور الذهن، كأن تكون صورة رياضية أو منطقية، وما عدا ذلك فزيف وضلال.

أما الفلسفة الإسلامية فلا تذهب مذهب الوضعيين في دراسة اللغة، بل يمكن أن نقسم القضايا إلى ثلاثة، قضايا تركيبية، وقضايا صورية أو تحليلية وقضايا تسليمية، والفلسفة الإسلامية تتفق مع الوضعية فيما يتعلق بالقضيتين التركيبية والتحليلية، فصدق الأولى يرجع إلى مطابقتها للواقع وقد قاله المسلمون هذا قديما، أما القضية التحليلية فصدقها يرجع إلى تناسق أجزائها وقد قالها المسلمون أيضا قديما، أما القضية الثالثة وهي موضع الخلاف بين الفلسفة الإسلامية والفلسفات الغربية فمحل صدقها ينبغي أن يكون في النصوص لا في الواقع ولا في نسقها المنطقي.

2. أما دراستها للإنسان فتكون عن طريق دراسة حرية الإنسان وكافة حقوقه الأخرى على ضوء ما جاء به الإسلام، ومن هنا يمكن أن ننتج فلسفة إنسانية إسلامية متميزة عن غيرها من الفلسفات الإنسانية كالوجودية وغيرها.

وينبغي أن تستند دراسة الإنسان في الفلسفة الإسلامية إلى الواقع والمنطق لا إلى النصوص مباشرة، وذلك أن اللجوء إلى دراسة النصوص بعيدا عن واقع الإنسان يؤدي غالبا إلى وصول نتائج إما غير صحيحة أو صحيحة ولكنها غير عملية.

3. وأخيرا دراسة مجال الإلهيات وهو من أهم المجالات، وينبغي أن يتناول هذا الجانب من الفلسفة الإسلامية، دراسة العقيدة، لا على ما كانت عليه في المجتمعات الإسلامية قديما، بل على ما هي عليه الآن في مجتمعنا، فندرس مثلا تصورنا لله وللملائكة واليوم الآخر والجزاء والعقاب وغير ذلك من القضايا الإلهية التي يظن أن معانيها لا تتغير من جيل إلى جيل آخر ولكنها في الحقيقة تتجدد مع مر العصور والدهور، فتصورنا لله اليوم قد لا يكون نفس التصور الذي كان موجودا في المجتمع الإسلامي قبل قرن أو قرنين أو أكثر.

تحديد المصادر

وهي الوحي والعقل والكون، ويعطى الأولوية للوحي ويليه العقل ثم الواقع عند بحثنا في القضايا الإلهية، ونعطي العقل الأولوية ويليه الواقع ثم الوحي عند بحثنا في القضايا الإنسانية، ثم نعطي الأولوية للواقع ويليه العقل ثم الوحي عند بحثنا في الكون.

فمصادر الفلسفة الإسلامية ليست محصورة في الوحي فقط ولا في العلوم العقلية بل تتجاوز هذه الحدود التي تبدو في كثير من الأحيان قاصرة من متطلبات الفلسفة الإسلامية، فالفلسفة الإسلامية لا تلزم نفسها مصدرا واحدا، كالعقل أو الواقع أو الوحي، وإنما تستفيد من جميع هذه المصادر، ومن هنا كان من أهم سمات الفلسفة الإسلامية الجديدة الشمولية، إنها فلسفة شاملة تنبع من مصادر متعددة، وهي أيضا شاملة لأنها تدرس مجالات متعددة للوجود، وجود الله، والكون والإنسان.

إذا الفلسفة الإسلامية ليست عملا عقليا صرفا فقط كما قالها الدكتور عبد الرحمن بدوي، وليست معرفة الله والإتصال به كما يراها الدكتور الشيخ عبد الحليم محمود، كما أنها ليست منهجا لدراسة ما يجوز في الاستعمالات اللغوية كما يقولها أصحاب الفلسفة التحليلية الوضعية.

إن إطار الفلسفة الإسلامية أوسع من ذلك، فهي فلسفة دينية من جهة أنها تستفيد من المصادر الدينية، ولأنها تجعل دراسة الدين أحد مجالاتها، وهي كذلك فلسفة عقلية لأنها تعتمد على العقل ولأنها تعتبر العلوم العقلية كالمنطق والرياضيات داخلة ضمن مواضيعها، وهي كذلك فلسفة إنسانية وواقعية لأن الإنسان والواقع هما من أهم مجالاتها.

والمصادر هنا لا تعني الوسائل التي نتوصل بها هذه العلوم وإنما نعني هنا المصادر الأصلية التي نعتبرها مصادر قائمة مستقلة عن الفلسفة نفسها، فالحقائق الدينية والكونية والعقلية حقائق ينبغي أن نعتبرها ثابتة ومستقلة عن إدراكنا ووسائل معرفتنا المحدودة، فالقوانين الكونية والحقائق المنطقية أو الرياضية والنصوص الدينية الثابتة كلها أمور ينبغي لدارس الفلسفة الإسلامية أن يثبتها.

ولعل يقول قائل، إن إثبات أمور لم تثبت بعد بالدليل العقلي أمر مخالف للفلسفة، ولكن ينبغي أن لا ننسى أن عدم إثباد هذه المبادئ يؤدي إلى إبطال العلم كله، لأننا نعلم مسبقا أن إنكار وجود الله مثلا يترتب عليه محالات لا سبيل الى التجاوز عنها.

منهج الفلسفة الإسلامية الجديدة

وبناءا على ما سبق يمكن أن نقترح منهجا قوامه مبادئ ثلاثة تكون قاعدة لدراسة الفلسفة الإسلامية:

1. مبدأ التسليم

ومصدر هذا المبدأ الوحي وهو القرآن دون بقية النصوص، وذلك يعني أن النصوص التي تستحق أن يسلم ما جاء فيها هي نصوص القرآن، وذلك إذا تعذر فهمها أو كانت مفهومة ولكنها غير محكمة الدلالة. أما مجال هذا المبدإ الذي يدور فيه ولا يخرج عنه هو مجال الإلهيات. ويشترط لهذا المبدأ الإيمان، أي أن الذي يسلم به لابد أن يعتقد بصحته ويؤمن به.

2. والمبدأ الثاني من مبادئ المنهج الجديد التحليل ومصدره العقل، لأن العقل يصل إلى الحقائق عن طريق تحليلها وربط بعضها ببعض، ومجاله اللغة وشرطه العلمية. فمبدأ التحليل يمكن الفلسفة الإسلامية دراسة اللغة دراسة تحليلية لمعرفة استخداماتها في مختلف المجالات الفلسفية، وكذلك دراسة القضايا الرياضية والمنطقية، وشرط هذا المبدإ العلمية، أي أن تكون نتائجة علمية ولا يشترط أن تكون واقعية لأنها قد تكون علمية ولكنها غير واقعية كأن تكون حقيائق رياضية أو منطقية.

3. المبدأ الثالث من مبادئ المنهج الجديد ينبغي أن يكون التعقيل، ومصدره الكون، كما أن مجاله الإنسان، وشرطه الشمولية. فالتعقيل مبدأ يمكن من الفلسفة الإسلامية معالجة القضايا غير العلمية أو القضايا التي لا يمكن إثباتها بطريقة علمية، بطريقة تكون مقبولة لدي العقل الإنساني، ذلك أننا ندرك الوجود إذا كانت معقولة وأما إذا كانت غير معقولة فقد يتعذر فهمها وإن كانت حقاً. فشروط هذا المنهج، كما بينا، هي:

أولاً: أن يكون منهجا إيمانيا يعترف بوجود الله سبحانه وتعالى وكذلك الوحي الإلهي والنبوة وذلك تبعا لمنهج التسليم الذي اخترنا لمجال الإلهيات، وهذا معلم من معالم الفلسفة الإسلامية، فإذا كانت الفلسفة اليونانية والفلسفة الغربية الحديثة قد تميزت من غيرها بإنكارها لله ولا يسلم الفيلسوف عندهم بوجود حقيقة من الحقائق، فإن من ميزات الفلسفة الإسلامية أنها خلاف ذلك فهي تسلم بوجود خالق للكون، وكذلك تسلم وجود هذا الكون كحقيقة من الحقائق التي لا يمكن إنكارها وذلك أن التسليم مبدأ مهم جدا لتفسير وجود الكون والحياة وذلك أننا نسلم بوجود إله قادر على كل شيء وعالم بكل شيء وكذلك نثبت جميع الصفات التي جاء بها القرآن التي ينبغي أن يتصف بها خالق كهذا.

وهذا الأمر مهم جدا لأننا والحالة هذه لا نسلم فقط بما جاء في ديننا الحنيف من الحقائق بل نستطيع أن نتغلب على المشكلات التي واجهها الفلاسفة المسلمون، ومن هذه المشكلات مشكلة صدور الخلق عن الله، وذلك أنهم اعتقدوا أنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد، فكيف تصدر المادة عن الجوهر الذي ليس بمادة، وكيف تصدر هذه الكثرة عن الواحد الذي لا يوجد فيه أي نوع من أنواع الكثرة، وللجواب على هذا السؤال اخترعوا نظرية العقول العشرة وهي التي يعرف بنظرية الفيض، وملخصها أن العقل الأول المفارق للمادة يصدر عنه عقل آخر، وهذا الأخير بما أنه مشتق فهو مركب، ويتميز بمعرفته بالمبدأ وبمعرفته بوجوده هو من جهة أنه إمكان وبمعرفته لذاته، ومن هذه الأطوار الثلاثة تتولد موجودات ثلاثة وهي عقل ومادة ونفس، ومن هذا العقل الأخير تتولد موجودات ثلاثة أخرى، وهكذا إلى أن نصل إلى العقل العاشر.

فهذه النظرية الوثنية التي لا تمت بصلة إلى الإسلام يجب أن يرفضها العقل المسلم، وإذا أردنا أن نجد حلا للمشكلات السابقة، فإنه يكفينا أن نقول إن ما توهمه هؤلاء أنه مشكلة ليس بمشكلة إطلاقا لأن مجرد اعترافنا بوجود إله قادر، عالم.. إلخ، يحل ما توهمه هؤلاء بأنه مشكلة، ذلك أنه لا معنى من الناحية المنطقية أن نتساءل كيف يخلق الله المادة وهو نفسه ليس بمادة بعد أن اعترفنا بأنه قادر على كل شيء، وأنه عليم بكل شيء، فإذا كان الله قادرا على كل شيء فليس هناك ما يمنع منه أن يجعل الروح مادة أو المادة روحا.

ثانيا. أن يعتمد على الوحي بالإضافة إلى العقل والكون، والاعتماد على الوحي لا يعني أن يسلم الفيلسوف المسلم بكل ما يظن أنه وحي بل ينظر في المبادئ التي يقررها الوحي ويحاول تحديدها وتفسيرها معطيا الأولوية المنهج الذي يكون وثيق الصلة بموضوع البحث على ما قررناه آنفا، ويستخلص منها آراء فلسفية تتلاءم مع العقيدة الإسلامية الصحيحة، وهذا النوع من الدراسة يمكن أن يكون كدراسة مفهومي الزمان والمكان في القرآن، وكذلك مفهوم الحركة، ومفهوم الإنسان، وحرية الفكر إلخ، وقد كانت هذه المفاهيم من أهم القضايا التي أوقعت الفلاسفة المسلمين في تناقضات وحيرة لأنهم اعتمدوا على التعريف الأرسطي لهذه المفاهيم، فالزمان هو عد حركة المادة على رأي أرسطو، وقد أخذ ابن رشد هذا التعريف للزمان مما جعله عاجزا عن فهم أصل الوجود وما إذا كان هذا الكون قديما أو محدثا، وكذلك فشل كل الذين سبقوه في تصور مفهومي الزمان والمكان كالفارابي وابن سينا مما جعلهم يؤمنون بنظرية الفيض المستمدة من الفلسفة الرواقية في أصل الخليقة، فمفهومي الزمان والمكان واضحان في القرآن، فهناك زمانان ومكانان، زمان ومكان مؤقتان وزمان ومكان دائمان وكلاهما مخلوق لله سبحانه وتعالى وقد خلق الله العالم في زمانه وليس في زماننا نحن، فلا يجوز خلط هذه الأمور.

ثالثا. أن يكون هذا المنهج منهجا واقعيا يبحث في الأمور الواقعية التي تخص حياة المسلمين وأن لا يتيه في الفرضيات ودراسة النظريات العقيمة التي لا تنتج شيئا، وهذا ما نعني به دراسة الإنسان وحقوقه وحرياته.. إلخ.

وبهذه الطريقة تستطيع الفلسفة الإسلامية تشكيل نظريات ومعتقدات سليمة مستمدة من المصادر الأصلية للإسلام.

ولتوضيح العلاقات القائمة بين المصادر والمجالات والمبادئ والشروط التي يتطلبها المنهج الجديد الذي ينبغي أن تدرس الفلسفة الإسلامية في ضوئه نثبت فيما يلى:

المصادر

الوحي

العقل

الكون

المجالات

الإلهيات

اللغة

الإنسان

المبادئ

التسليم

التحليل

التعقيل

الشروط

الإيمان

العلمية

الشمولية

تعريف الفلسفة الإسلامية الجديدة

هل من الممكن أن تُعرًّف الفلسفة الإسلامية تعريفا مانعا شاملا، بحيث تكون علما له معالم ومميزات خاصة به حيث يكون متميزا من العلوم الأخرى، بل من الفلسفات الأخرى كالفلسفات الغربية وغيرها؟

إن تعريف الفلسفة تعريفا محددا أمر مخالف لماجرت عليه دراسة الفلسفات قديما وحديثا، وذلك أن الفلسفة ليست كالعلوم الأخرى التي تدرس عادة مجالات محددة وتعتمد منهجا محددا. فالفلسفة ليست علما كما هو معلوم، وهي ليست كذلك دينا سماويا، وإنما هي طريقة أو منهج للبحث، وبناء على ذلك، فإن من الصعب تعريفها بصورة محددة، ولكن هذا لا يمنع من أن نعرف الفلسفة الإسلامية بوصفها منهجا أو طريقة لدراسة قضايا إنسانية وإلهية محددة.

وبناء على هذا فالفلسفة الإسلامية طريقة لدراسة تصورات الإنسان للكون والإله وعلاقة الإنسان بهما بمنهج فلسفي مدعوم بمصادر ومباديء وشروط مدروسة محددة مسبقا.

فهي طريقة لدراسة تصورات الإنسان للكون والإله ونؤكد هنا على قولنا "دراسة تصورات الإنسان" فالفلسفة الإسلامية لاتدرس الكون أو الله بصفتهما موجودات مستقلة عن وجودنا، وإنما تدرس تصوراتنا للكون والله والعلاقة التي نتصورها بأنها موجودة بيننا وبين الله والكون.

فالفلسفة الإسلامية ينبغي أن لا تبحث في وجود الكون أو الله لأن ذلك مضيعة للوقت واستنفاذا للطاقة العقلية فيما لاطائل تحته، ويكفينا أن ننظر في تصوراتنا لهذه الموجودات لأننا نعلم يقينا أن لدينا تصورات لهذه الموجودات، وهذه التصورات هي التي تلعب دورا أساسيا في حياتنا، فحياة الإنسان معتمدة في الغالب طريقة تصور الإنسان لهذه الوجود، وإذا كان الأمر كذلك، ينبغي أن توجه الأنظار إلى هذه التصورات.

فلدينا تصورات عن هذا الكون، ولدينا أيضا تصورات عن الله، هذه التصورات نشأت عن خبرات متراكمة اكتسبها الإنسان وتوارثها على مر الدهور والأزمان، وليس من شأن الفلسفة الإسلامية في البحث عن صحة هذه التصورات أو عدم صحتها، فهذا شأن العلوم الفرعية، لأننا نكتسب هذه التصورات عن طريقها، فهذه التصورات تجد مصداقيتها في المصادر التي اكتسبت منها، فإذا كانت تصورات دينية فمصداقيتها تكمن في المصادر الدينية، وإذا كانت علمية فمصداقيتها تكمن في العلوم وإذا كانت عقلية فمصداقيتها تكمن في العلوم العقلية كالمنطق والرياضيات، ومن هنا كان من الضروري للفلسفة الإسلامية أن تقبل كل هذه المصادر، لأن ذلك لا يضرها بل ينفعها ويمدها بتصورات متنوعة الأشكال والمصادر وهي الموضوع الحقيقي للفلسفة الإسلامية ومن هنا كان من الأنسب أن نسمي الفلسفة الإسلامية الجديدة "فلسفة التصورات" لأنها تدرس مواضيعها من خلال تصورات الإنسان فقط.

آليات الفلسفة الإسلامية الجديدة

إذا لاينبغي للفلسفة الإسلامية الجديدة أن تضيع وقتها في البحث عن الحقائق أيا كان نوعها، وإنما هدفها الأول دراسة تصوراتنا للوجود ولله وللعلاقة المتصورة بين الإنسان وبينهما، والإنسان يعبر تصوراته بلغة متعارف عليها أو رمز قد لا يكون من السهل ترجمته إلى لغة مفهومة أو سلوك وتصرف قد يكون من المستحيل فهمه بصورة كاملة مما يحملنا على تأويله بإحدى اللغات المفهومة.

وإذا عبر الإنسان تصوراته بصورة مخالفة للغات المتعارف عليها فلا مفر من تأويل هذه التصورات إلى لغة مفهومة حتى يتمكن دارس الفلسفة من فهمها.

فإذا اللغة هي الوسيلة التي ينبغي أن يعبر عنها الإنسان تصوراته للوجود، وإذا لجأ الإنسان إلى أسلوب أخرى للتعبير عن تصوراته لسبب أو لآخر فلابد من تأويل هذه التصورات إلى لغة مفهومة قبل دراستها دراسة فلسفية.

ومن هنا يتبين أن الوسيلة الناجعة لعرض تصوراتنا بطريقة واضحة هي إستخدام اللغة، والإنسان يستخدم اللغة ليعبر عن تصوراته، وهذه التصورات إما أن تكون رياضية ومنطقية أو تصورات مادية أو تصورات تسليمية.

أبعاد دراسة الفلسفة الإسلامية الجديدة

1. البعد المنهجي:

للفلسفة الإسلامية الحديثة بعدان، الأول منهما يركز في دراسة تصورات الإنسان من جهة أنها تصورات مفهومة معقولة، ويتم هذا عن طريق إرجاع هذه التصورات إلى مصادرها اعتمادا على مناهج محددة، فإذا عبر إنسان تصوراته إما أن يعبر عنها بطريقة مفهومة أو يعبر عنها بطريقة غير مفهومة، فإذا كانت مفهومة إما أن تكون تصورات منطقية ورياضية، أو تصورات مادية واقعية تشير إلى أشياء موجودة في الواقع المحسوس، أو تصورات دينية غيببية، فمنهج الأولى التحليل، ومنهج الثانية التعقيل والتجريب ومنهج الثالثة التسليم وذلك بعد التأكد من موافقتها لمصادرها الأصلية.

وأما إذا كانت التصورات غير مفهومة فلابد من تأويلها أو الاعراض عنها، فليس من شأن الفلسفة الإسلامية أن تضيع وقتها في دراسة أمور يستحيل على الإنسان فهمها.

2. البعد الإنساني

والبعد الثاني الذي تهتم به الفلسفة الإسلامية هو دراسة تأثير هذه التصورات على الإنسان، فالإنسان لا يتصور شيأ عادة إلا إذا اعتقد أن بينه وبين هذا المتصور علاقة قد تكون علاقة تأثير أو تأثر أو كلاهما، والفلسفة الإسلامية ليس من شأنها أن تحدد ما إذا كان هذا التأثير أو التأثر المتصور من قبل الإنسان موجودا أو غير موجود، وإنما الذي يهمها هو البحث في مدي تأثير هذا الإعتقاد نفسه في حياة الإنسان.

فالفلسفة الإسلامية ينبغي أن تنطلق من المسلمة القائلة إن الإنسان حيوان مفكر أو ناطق، وأن حياة الإنسان يتحكم عليها نوعان من العلل، النوع الأول من هذه العلل أو الأسباب مصدره تصوراتنا وطرق تفكيرنا وفهمنا للحياة. وأما النوع الثاني فقد تكون مصادره غير معروفة لنا، وهي الأسباب والعلل التي تكون غالبا وراء الحوادث الخارجة عن طاقاتنا وإدراكاتنا.

فالإنسان أمام هذين النوعين من العلل والأسباب التي تؤثر في حياته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والنوع الأخير من هذه العلل مجهول وبالتالي فلا سبيل للتحكم عليه، وأما النوع الأول من هذه الأسباب والعلل، فهو نوع يعتقد عادة أن من الممكن تصوره أو فهمه وبالتالي فمن الممكن التحكم عليه بطريقة أو بأخر، ومن هنا كان من أولويات الفلسفة الإسلامية البحث في تصوراتنا لهذا النوع من العلل والمسببات.

________________________________

[1] د. سيد حسين نصر، 1998م، الفلسفة والآداب والفنون الجميلة، بيروت.

2 عرفان عبد الحميد، 1984م، الفلسفة الإسلامية، دراسة ونقد، القاهرة.

3 يالجن، مقداد، 1991م، معالم منهج التجديد في الفلسفة الإسلامية، علم الكتب. بيروت.

4 الغزالي ابو حامد، 1985م، المنقذ من الضلال، تقديم عبد الحليم محمود، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الثانية.

5 راجع دويش، عبد الحميد، 1989م، الفلسفة الإلهية عند محمد بن تومرت، دار المنار، القاهرة.

خلاصة:

هذه الدراسة تحاول عرض منهج جديد لدراسة الفلسفة الإسلامية، ويقرر هذا المنهج أمورا ثلاثة هي مصادر الفلسفة الإسلامية الجديدة وهي الوحي والعقل والكون، كما يحدد لهذه المصادر مجالات أو موضوعات ومباديء وشروطا. فالوحي مجاله الإلهيات ومبدأه التسليم وشرطه الإيمان، ومجال العقل اللغة ومبدأه التحليل وشرطه العلمية، أما الكون فمجاله الإنسان ومبدأه التعقيل وشرطه الشمولية. بالإضافة إلى ذلك تقدم هذه الدراسة تعريفا جديدا للفلسفة الإسلامية، كما تضمنت مقدمة في مواقف الدارسين من قضية تجديد الفكر الفلسفي في الإسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق