احدث المواضيع

الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

الــــــــــــــــــــلغة

يميز أندري لالاند في معجمه الفلسفي بين معنيين للغة ، معنى عام ومعنى خاص. فاللغة بالمعنى العام "هي كل نسق من العلامات يمكن أن يتخذ وسيلة للتوا صل"، أما بالمعنى الخاص فهي"وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا".
1- اللغة خاصية إنسانية.
الإشكال: ما الذي يجعل اللغة خاصية إنسانية ؟
* ديكارت:
يرى ديكارت أن اللغة من حيث هي كلام خاصية مميزة للإنسان وحده، لأنها ترتبط بمقومات الفكر والوعي والعقل لديه. وهكذا فالأبله، وبالرغم من نقص قدراته العقلية، يستطيع أن ينتج أفكارا انطلاقا من التأليف بين مختلف الكلمات ،بينما لا يستطيع الحيوان الذي هو من أكمل نوعه أن يفعل ذلك. إن اللغة الكلامية هي خاصية مميزة للإنسان وحده ككائن عاقل ما دام أن "معرفة الكلام لا تحتاج إلا إلى قدر قليل من العقل"، وهي لغة إبداعية ومتطورة وغنية بالدلالات عكس لغة الحيوان التي تظل مجرد حركات غريزية وآلية تنتفي معها كل قدرة على التطور والإبداع.
*إميل بنفنيست:
استنادا إلى دراسة قام بها كارل فون فريش حول لغة الرقص عند النحل، حدد إميل بنفنيست ثلاثة خصائص تميز اللغة الإنسانية عن أشكال التواصل لدى الحيوان:
أ- الارتكاز على الصوت:مما يمكن الإنسان من التواصل في عدة أوضاع
وشروط فيزيائية بينما لا يمكن للحيوان القيام بذلك.
ب- تحرر العلامة اللسانية من الموضوع الخارجي الذي تشير إليه.
ج- قابلية اللسان للتفكيك إلى وحدات صوتية ودلالية قابلة للتأليف وإعادة
التأليف إلى ما لانهاية.
*أندري مارتيني:
تتميز اللغة الإنسانية حسب مارتيني بخاصية التمفصل المزدوج،وتعني أن اللغة تتكون من تمفصلين: الأول هو الفونيمات وهي أبسط وحدات دالة في اللغة، والثاني هو المونيمات وهي أبسط وحدات دالة في اللغة. وتمكن هذه الخاصية الإنسان من إنتاج ما لانهاية له من الدلالات والمعاني انطلاقا من عدد محدود من الوحدات اللغوية، وهو ما لا يتوفر في اللغة الحيوانية إذ تظل لغة بسيطة وفقيرة من حيث الدلالات.
2- طبيعة العلامة اللسانية:
الإشكال: ما هي طبيعة العلاقة بين الدال والمدلول؟ هل هي علاقة طبيعية أم اعتباطية؟
أ- الموقف التقليدي:
من بين ممثليه أفلاطون الذي يرى أن علاقة الكلمة بالشيء هي علاقة طبيعية تعكس فيها الكلمات أصواتا طبيعية وتحاكيها. وهكذا فقد اعتبر أفلاطون أن الأسماء هي عبارة عن أدوات نسمي بها الأشياء، فهي من وضع المشرع الذي يستطيع أن يضع الأسماء على نحو طبيعي وبحسب الخصائص التي تحملها تلك الأشياء، كما أنه وانطلاقا من محاكاة الأسماء لماهيات الأشياء وصفاتها يستطيع أن يضع لكل شيء اسما معينا يناسبه.
ب- الموقف المعاصر:
* فردناند دوسوسير:
يرى دوسوسير أن الدلالة اللسانية لا تجمع بين الشيء واللفظ بل بين صورة سمعية وتصور ذهني، أودال ومدلول. فالعلامة اللسانية لا تعبر مباشرة عن الشيء، وإنما عن تصورنا حول هذا الشيء. ففكرة الشيء هي التي تنتج علامته اللسانية. ويرى دوسوسير أن العلاقة بين الدال والمدلول هي علاقة اعتباطية، أي لا تربطهما في الواقع أية علاقة طبيعية بل هي مجرد علاقة مواضعة واتفاق. وهكذا لا يمكن استخلاص معنى أخت من سلسلة الأصوات أ.خ.ت ما دام أنه يمكن التعبير عنه بعدة ألفاظ بحسب اختلاف اللغات والألسن.
* إرنست كاسيرر:
لم توضع اللغة حسب كاسيرر لتعبر عن الوقع مباشرة،أي لتشير إلى أشياء مادية محسوسة ، بل وضعت لتعبر عن الفكر، أي لتدل على أفكار وتمثلات ذهنية يسقطها الإنسان على أشياء الواقع المادي. ويرى كاسيرر أنه لا يمكن استخلاص المعنى (المدلول) من جرس الكلمات (الدال) ، وهذا يعني أنه لا توجد علاقة تشابه وضرورة بين الدال والمدلول، بل إن العلاقة بينهما ترجع إلى مجرد المواضعة والاتفاق.
3-اللغة والفكر:
الإشكال: هل علا قة اللغة بالفكرهي علاقة انفصال أم اتصال ؟ وهل يمكن الحديث عن أحدهما في غياب الآخر؟ وهل بإمكان اللغة الإحاطة بكل جوانب الفكر؟
1- الموقف الانفصالي:
أ- أفلاطون:
يعطي أفلاطون الأسبقية للفكر على اللغة؛ فللفكر أسبقية أنطلوجية على اللغة، أي أنه سابق في الوجود عليها. إن العلاقة بين اللغة والفكر هي علاقة انفصال واستقلال، ذلك أن مستودع الأفكار المطلقة عند أفلاطون هو عالم المثل، وهي توجد في هذا العالم بدون كلمات بينما تنتمي اللغة إلى عالم آخر يأتي في مرتبة سفلى هو العالم المادي الحسي.
إذن فاللغة عند أفلاطون ليست سوى أداة للتعبير عن فكر سابق عليها.
ب- ديكارت:
يرى ديكارت أن اللغة والفكر من طبيعتين مختلفتين؛ فاللغة ذات طابع مادي حسي أما الفكر فهو ذو طابع روحي، ولذلك فالعلاقة بينهما هي علاقة انفصال واستقلال، والأسبقية هنا للفكر.
ج- شوبنهاور:
يقول شوبنهاور:"الأفكار تموت لحظة تجسيدها في كلمات". وهو ما نستنتج منه أن للفكر أسبقية على اللغة، وأن العلاقة بينهما هي علاقة انفصال.هكذا فالفكر أوسع نطاق من اللغة، وهذه الأخيرة لاتستطيع الإحاطة بكل جوانبه.
د- برجسون:
يميز برجسون بين عالمين يعيشهما الإنسان: عالم داخلي وهو عالم الحالات الفكرية والشعورية والوجدانية، وعالم خارجي وهو عالم الأشياء والموجودات المادية. وإذا كانت اللغة تستخدم من طرف العقل لاستيعاب معطيات العالم المادي والسيطرة عليه، فإنها لا تستطيع أن تفعل نفس الشيء بصدد الحالات الشعورية والوجدانية التي تختلف من حيث طبيعتها عن الأشياء المادية. هكذا فالعقل ولغته يظلان إما عاجزين عن التعبير عن هذه الظواهر الروحية، وإما يتعسفان عليها بتحويلها إلى أشياء وهو ما يضعف من مكوناتها وطاقاتها الكاملة.
وعموما فلجوء الإنسان إلى بعض الوسائل التعبيرية كالرسم والموسيقى والرموز الرياضية... هو دليل آخر على عجز اللغة عن التعبير عن كل مكونات الفكر.
2-الموقف الاتصالي:
أ- دوسوسير:
يتجسد إلى وحدات واضحة، وهو الأمر الذي تقوم به اللغة. كما لا يمكن في نظر دوسوسير الحديث عن أسبقية بين اللغة والفكر، فالعلاقة بينهما هي علاقة اتصال ولا وجود لأحدهما في غياب الآخر.
وفي هذا الإطار يشبه دوسوسير اللغة بورقة نقدية وجهها الفكر لا يكون الفكر واضحا حسب دوسوسيرإلا من خلال كلمات اللغة التي تجزئه إلى أفكار يمكن التمييز بينها بدقة وجلاء، فبدون اللغة لا يمكن للفكر أن يتجسد بشكل كامل وواضح. هكذا فالفكر أشبه بكتلة ضبابية، فلكي يعبر عن ذاته لا بد أن وظهرها الصوت، فلا يمكن أن نمزق الوجه دون أن نمزق الظهر، وكذلك الحال في ارتباط الصوت بالفكر.
ب- ميرلوبنتي:
يرى ميرلوبنتي أنه لا يمكن اعتبار الكلام مجرد علامة على وجود الفكر مثلما الأمر بالنسبة لعلاقة الدخان بالنار، وهو ما نفهم منه رفض ميرلوبنتي للقول بأسبقية الفكر على اللغة ورفضه للعلاقة الانفصالية بينهما. إن العلاقة بين اللغة والفكر هي علاقة تداخل وتماهي إذ أن كلا منهما محتوى في الآخر؛ يؤخذ الفكر من الكلمات، والكلمات هي المظهر الخارجي للفكر.
ويرفض ميرلوبنتي أن يكون الكلام مجرد إشارة أو لباس للفكر، ويقول على العكس من ذلك إنه جسده وحضوره في العالم المحسوس. فلا وجود لفكر خارج عالم الكلمات لأن الفكر الصامت نفسه هو ضجيج من الكلمات. كما لا وجود لأسبقية بين اللغة والفكر بل هما يتكونان في آن واحد.
4- وظائف اللغة:
الإشكال: ما هي أهم وظائف اللغة؟
أ- جاكوبسون: وظيفة الكشف والإظهار.
تقوم اللغة بوظيفة التواصل الذي هو تبليغ رسالة من ذات متكلمة إلى أخرى.وتفترض عملية التواصل أن تكون اللغة ناقلة للأفكار والمشاعر بشكل قابل للإدراك والفهم بشرط أن يكون بين المرسل والمرسل إليه رسالة تخضع لسَنن لسان مشترك. هكذا تقوم اللغة بوظيفة الكشف والإظهار، كما تتطلب عملية التواصل ستة عناصر أساسية هي المرسل، الرسالة، المرسل إليه، المرجع، القناة والسنن، وكلما تم التركيز على عنصر من هذه العناصر إلا وأدت اللغة وظيفة معينة، وهي على التوالي الوظائف التالية: التعبيرية، الشعرية،التأثيرية،المرجعية، الاتصالية والواصفة.
ب- ديكرو: وظيفة الإخفاء والإضمار.
يرى ديكرو أن اللغة تحمل في ذاتها وسائل للإخفاء والإضمار حيث يتخذ كل فرد الحيطة والحذر في كلامه، فيضمر كل ما يمكن أن يحاسب عليه. وتعود ضرورة الإخفاء في اللغة إلى وجود محرمات أخلاقية وسياسية وغيرها من جهة، وإلى سعي المتكلم إلى تجنب النقد والاعتراض الذي قد يوجه إليه من طرف الآخرين.
هكذا يعتبرديكرو أن اللغة ليست مجرد شرط لحياة اجتماعية أو أداة لنقل أخبار واضحة وجلية، بل إنها نمط لحياة اجتماعية ولمعيش يومي، أي أنها حاملة للأنظمة السياسية والدينية والأخلاقية ولطقوسها التحريمية. إن اللغة والحالة هاته هي بمثابة قواعد لعب يومي؛ ليس بالمعنى المبتذل لكلمة لعب بل بمعناه كإستراتيجية تعتمد على الحساب والتقدير المسبق للنتائج.
ج- رولان بارت: الوظيفة السلطوية.
تقوم اللغة بوظيفة سلطوية؛ وتتجلى سلطتها إما على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون. فعلى مستوى الشكل لا يمكن للفرد أن يمارس اللغة دون أن يخضع لضوابطها وقواعدها النحوية والتركيبية، أما على مستوى المضمون فإن تعلم الفرد اللغة يعني استبطانه لمختلف القيم والمضامين الفكرية التي تختزنها اللغة بحيث تصبح جزءا من شخصية الفرد وتمارس عليه سلطة سواء على مستوى القول أوالفعل.

هناك تعليق واحد: