لقد ناقش باشلار الفلاسفة حول مفهوم الحقيقة انطلاقا مما استخلصه من واقع المعرفة العلمية المعاصرة. لقد كان هدفه هو إزالة الفاصل الذي يفصل الخطاب الفلسفي عن الخطاب العلمي، وذلك ببناء موقف فلسفي يعبر عن القيم المعرفية التي تحملها معها النظريات العلمية الجديدة.
وأول مظهر للتجاوز الفعلي الذي تحققه فلسفة باشلار هو أنها، ضدا على ما تقول به الفلسفات العقلانية المثالية، لا تقول بحقيقة مطلقة.
فالحقيقة عند باشلار نسبية، وذلك على مستويين:
- تكون الحقيقة نسبية في المستوى الأول لأنها مظهر لتقدم العلم، ذلك أن تاريخ العلم يبين لنا أن ليست هنالك حقيقة تظل ثابتة وتكون نهائية. من هنا فعقلانية باشلار عقلانية منفتحة على التطورات التي تحصل في مجال العلوم.
- وتكون الحقيقة نسبية في المستوى الثاني لأن العلم المعاصر يعلمنا في نظر باشلار أن المعرفة بالواقع، وخاصة عندما يتعلق الأمر بدراسة الجسيمات الصغيرة، لن تكون إلا معرفة تقريبية. وهي مع ذلك معرفة حقيقية لأنها لا تأتي نتيجة نقص في وسائلنا ومناهجنا للمعرفة بل تأتي على العكس من ذلك نتيجة لتقوية وتجديد وتدقيق هذه الوسائل والمناهج.
ومن جهة أخرى، فالحقيقة العلمية ترتبط بالخطأ، فهي خطأ تم تصحيحه، وتاريخ العلوم هو تاريخ أخطاء؛ ذلك أن كثيرا من النظريات العلمية تم الاعتقاد لمدة طويلة بأنها صحيحة إلى أن ظهر بعض العلماء فيما بعد وكشفوا عن الأخطاء الكامنة فيها وعوضوها بنظريات أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق