احدث المواضيع

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

مـعـضلة الـشـرّ**بين علم الكلام والفلسفة**

          محمّد بوهلال(*)

المقدّمة

منذ العصور القديمة مثل وجود الشرّ في العالم مشكلة نظريّة محيّرة، وقامت محاولات عدّة لتفسيره والبحث عن مبرّر معقول لوجوده. في الألف الثالث قبل الميلاد كان المجتمع البابلي يفسّر ما يصيب أفراده من شرور بانتهاكهم الأوامر الدينيّة والمحرّمات الأخلاقيّة وما تقتضيه العادات والسلط القائمة. وكان يعدّ جميع هذه الأعمال الخارجة عن منظومة القيم المطلوبة ذنوبا تستحقّ العقاب وأوكل إلى الشياطين مهمّة إنزاله بمستحقّيه(1).

واحتفظت المجتمعات الكتابيّة بفكرة الشيطان(2) ولكنّها أقحمت عنصرا جديدا في تفسير المشكلة جعلته شريكا للشيطان في صنع الشرّ هو النفس، وأدّى ذلك إلى اعتبار الشرّ مشكلة أخلاقيّة وإلى حصرها في نطاق الفعل الإنساني. غير أنّ الشياطين وإن كثرت جدّا وكانت بالغة القوّة والقسوة وتحالفت معها الأنفس الأمّارة بالسوء لم تكن بمفردها لتقدر على تفسير الشرّ الواقع في المجتمع والعالم لأنّه يبدو أحيانا كالمتغلغل في أعماق الأشياء الممتزج بها ويبدو وجوده كأنّه من طبيعتها بل من طبيعة الوجود ذاته. فكثير من الحيوانات والبشر والقيم والعقائد والأعمال شرّ صرف، ومن الأوقات ما هو شرّ كذلك لارتباطه بكواكب وقرانات مختصّة بالنحس. وشيئا فشيئا نشأ لدى المفكّرين اقتناع بأنّ لمشكلة الشرّ مظهرا أنطولوجيّا لا يقلّ خطورة عن مظهرها الأخلاقي.

وكانت الثنويّة الفارسيّة من أهمّ العقائد التي حاولت تفسير الشرّ أنطولوجيّا، فافترضت مبدأين أصليين للعالم أحدهما يفسّر ما فيه من خير والآخر يفسّر ما فيه من شرّ. غير أنّ هذا الحلّ نوقش من عدّة جهات وجوبِه بإشكالات غير قابلة للحلّ من وجهة نظر المنطق الصوري الذي كان أساس الجدل الديني والفكري في نهاية العصر القديم وطيلة العصر الوسيط. من هذه الإشكالات امتزاج الخير بالشرّ في كثير من مظاهر الواقع مع أنّهما ضدّان لا يلتقيان، وانقلاب الخير إلى شرّ والشرّ إلى خير في بعض الأحيان، وظهور الخير ممّن يفعل الشرّ غالبا وظهور الشرّ ممّن يفعل الخير(3).

وقد مكّن هذا النقد المتكلّمين المسلمين من الارتقاء بالتوحيد- أي القول بمبدأ تفسيري واحد للأشياء- إلى مرتبة النظريّة العامّة القادرة بمفردها على تخطّي الصعوبات التي وقعت فيها النظريّات والعقائد الأخرى، ومن ضمنها الصعوبة الناجمة عن مشكلة وجود الشرّ. لكنّهم ما لبثوا أن وجدوا أنفسهم أمام صعوبات جديدة: كيف يصدر الخير والشرّ، والحسن والقبيح-وهما زوجان متناقضان- من مبدأ واحد؟ وهل يصحّ نعت الله بالعادل الحكيم إذا كان إنّما يخلق الخلق ليبتليهم بأقسى الشدائد ويمتحنهم بأعظم الأضرار؟

بسبب هذه الصعوبات باتت نظريّة الأصلح المعتزليّة ونظريّة أفضل العوالم الممكنة الغزاليّة(4)مهدّدتين بالانهيار. فإذا كان عالمنا هو أفضل العوالم الممكنة فلماذا تضمّن كلّ الشرور والقبائح الموجودة فيه ولم يستغن وجوده عنها؟ وكيف يكون الله جوادا عادلا حكيما بعد خلقه كلّ هذه القبائح والشرور والمضارّ؟ إنّ الفيلسوف الميتافيزيقي يحسّ بحيرة تجاه هذا الوضع غير الملائم وغير الضروري الذي يتّسم به العالم ويخضع له المجتمع، والمتكلّم يعروه القلق على الحكمة والعدل الإلهيّين المهمّين في تبرير العمل بالشرائع المنزلة. ولا مناص لمن يقول بالأصلح أو بأفضل العوالم الممكنة من أن يصطدم بهذين السؤالين ويواجه حقيقة الشرّ ويبحث لها عن تفسير مقنع يزيل طابعها الإشكالي السلبي ويبرّئ الإله من تهمة إرادتها أو فعلها.

اختار بعض المفكّرين حلاّ جذريّا للمشكلة تمثّل في إنكار وجود الشرّ أو اعتباره خيرا أسيء تأويله أو أسيء تقبّله، وأفضى ذلك ببعضهم في النهاية إلى الإقرار بأنّ إبليس نفسه من طبيعة خيّرة. كان هذا ما انتهى إليه الحسين بن منصور الحلاّج (ت 309) وتحمّل تبعاته بكلّ شجاعة(5)، وما ذهب إليه اليزيديّة وعبّرت عنه عقائدهم الغامضة القائمة على التوحيد بين الله والشيطان في كيان واحد سمّوه الملَك طاووس(6)، وما أقرّه على نحو ما المعتزلي بشر بن المعتمر (ت 210) الذي كان يعتبر الموجود وبدائله النظريّة الممكنة خيرا كلّها ولأجل ذلك عدّ الله مصيبا في كلّ ما يفعل(7)، وما ذهب إليه في بداية النهضة الأوروبّيّة الفيلسوف اليهودي سبينوزا نافيا إمكان وجود الشيطان أصلا (8).

لكنّ هذا الحلّ غير واقعي ويصعب على كثير من الناس قبوله، لاسيما أولئك الذين اكتووا بنار الشرّ وتجرّعوا الآلام المختلفة. ولأنّ أيّ مفهوم لا يستطيع أن يسود ويستمرّ إلاّ إذا كان حائزا على قدر كاف من الواقعيّة والمعقوليّة ظلّت الحاجة قائمة إلى تفسير الشرّ ومراجعة منظومة القيم الأخلاقيّة في ضوء معطيات الواقع التي لا يمكن جحدها. وفي الإسلام كان المعتزلة أوّل من استجاب لهذه الحاجة استجابة عقلانيّة منظّمة لأنّهم أرباب العدل وأصحاب المعقول. وكان للفلاسفة العرب كذلك إسهام مهمّ في حلّ المشكلة ولكن من موقع آخر ومنطلقات أخرى. ومن أهل السنّة برز بصورة خاصّة أبو حامد الغزالي(ت 505)، وكانت ميزة فكره الأساسيّة الجمع بين التعاليم الأشعريّة والآراء الفلسفيّة السينويّة والأفكار الصوفيّة العرفانيّة. وكان ما حمل هؤلاء على التصدّي لمشكلة الشرّ هو قولهم بالأصلح أو بأفضل العوالم الممكنة. فكيف فهموا مشكلة الشرّ؟ وعلى أيّ نحو عالجوها؟

نستعرض في هذا المقال ثلاث مقاربات لمعضلة الشرّ وما أثارته من مشاكل: المقاربة الكلاميّة كما عبّر عنها المعتزلة وأهل السنّة من الأشاعرة والماتريديّة، والمقاربة الفلسفيّة كما عبّر عنها الفارابي(ت339) وابن سينا (ت428) وإخوان الصفاء، والمقاربة الكلاميّة-الفلسفيّة-الصوفيّة كما عبّر عنها الغزالي(ت505)، وذلك عبر أربعة عناصر أساسيّة يتعلّق أوّلها بمعنى الشرّ ويتعلّق ثانيها بفاعله ويتعلّق ثالثها بصلته بالصفات الإلهيّة ويتعلّق رابعها بضرورته. وسنعمد إلى تسليط الضوء على وجهة نظر التيولوجيا والفلسفة المسيحيّتين في الموضوع كلّما رأينا في الأمر فائدة في إبراز خصوصيّة الموقف الإسلامي أو كونيّته.

في معنى الشرّ

إنّ الأصل الذي إليه تستند معالجات المتكلّمين والفلاسفة لمشكلة الشرّ ومنه تستمدّ خصوصيّاتها وقواسمها المشتركة هو الحدّ. ولمّا لم يكن حدّ الفريقين لمفهوم الشرّ واحدا من كلّ وجه وجب أن يكون تشخيصهما للظواهر التي ينطبق عليها هذا الاسم مختلفا وأن تكون مواقفهما منها متباينة.

ولبيان هذه الفروق ننظر أوّلا في حدّ المتكلّمين ولا سيما المعتزلة للشرّ. وننظر ثانيا في حدّ الفلاسفة، ونكاد نقتصر منهم على ابن سينا لأنّه أهمّ فيلسوف إسلامي كان له إسهام في معالجة المشكلة. ونلحق به أبا حامد الغزالي لا لأنّنا نعدّه فيلسوفا- فذلك أمر ليس من اليسير البتّ فيه- وإنّما لأنّ مقاربته لمعنى الشرّ كانت أقرب إلى مقاربة الفلاسفة. وننظر ثالثا في حدّ اللاهوتيّيْن المسيحيّيْن أغسطين وتوما الإكويني باعتبارهما أهمّ ممثّلين للأرثودكسيّة المسيحيّة في عصريها القديم والوسيط.

لم يكن مفهوم الشرّ مركزيّا في الفكر الكلامي ولم يمثّل مشكلة كلاميّة من الدرجة الأولى، وإنّما عدّ فرعا لمفهوم آخر أهمّ منه هو القبيح. وللقبيح عند المعتزلة فروع أو تجلّيات عدّة هي الشرّ والظلم والضرر والفساد والعبث. فقد كانوا يعتبرون هذه المفاهيم جميعا داخلة تحت باب واحد جامع سمّوه القبيح، ورأوها دالّة دلالة أصليّة على معنى الشرّ. وكان من أبرز من عبّر عن هذا الرأي أبو هاشم الجبّائي (ت321)، فقد ذهب إلى أنّ الضرر لا يكون إلاّ قبيحا. إلاّ أنّ متأخّري المعتزلة ناقشوا هذا الرأي وأدخلوا عليه بعض التصحيحات من أجل حصر معنى الشرّ وتحديد ما يدخل في بابه وما لا يدخل.

من هذه التصحيحات ما نبّه عليه القاضي عبد الجبّار بن أحمد (ت 415) من أنّ الضرر لا يكون كلّه قبيحا ومن ثمّ شرّا، وإنّما يقبح إذا ولّد ألما وغمّا أو ولّد ما يؤدّي إليهما من غير أن يُعقِب نفعا يوفي عليهما. أمّا إذا ولّد نفعا مؤجّلا يضاهيه أو يوفي عليه فإنّه يكون خيرا نافعا(9).

إنّ ميزة هذا التعريف أنّه يزيد مفهوم الضرر حصرا ويخرج منه ما يلتبس به ولكنّه ليس منه أو ما يشترك معه في بعض الخصائص ويخالفه في أخرى. وبفضله أخرج قاضي القضاة جملة من الأضرار والآلام من دائرة ما سمّاه ضررا قبيحا، وتوصّل إلى هذه النتيجة بفضل التحليل الواقعي لمفهوم الضرر والربط - ولكن بصورة جدليّة غير آليّة- بينه وبين مفاهيم الشرّ والفساد والقبح والألم.

بناء على هذا التعريف وصف عبد الجبّار المعاصي بأنّها أضرار "من حيث تؤدّي إلى العقاب" وإن كانت تحقّق لفاعلها بعض الملاذّ العاجلة، وعدّ إطعام اللذيذ المسموم شرّا "من حيث يؤدّي إلى الهلاك" وصحّح وصف الله بأنّه نافع وضارّ "من حيث يدخل تحت الضرر الحسن والقبيح" فالأضرار بعضها نافع وبعضها ضارّ في العاقبة، لذلك يوصف بعضها بأنّه خير وبعضها الآخر بأنّه شرّ. ولا يوصف بالشرّ والفساد كلّ ما كان منها مضرّا في العاقبة، بل يجب إلى جانب ذلك لكي يوصف بأنّه شرّ أن يكون ضررا قبيحا أيضا. ولذلك لا يوصف العقاب الأخروي" بأنّه شرّ وفساد ولا بأنّه خير ونعمة، وإن كان ضررا وألما" لأنّه عدل مستحَقّ. والقاعدة في هذا أنّ كلّ ضرر إذا كان -مع كونه ضررا- حسنا خرج من قسمي الشرّ والفساد. فإذا كان ضررا محضا امتنعت تسميته بأنّه خير، وبناء على ذلك لا يجوز وصف الآفات التي تلحق الأبدان والأموال والزروع بأنّها شرّ وفساد إلاّ على وجه المجاز(10).

إنّ هذا التمييز بين الأضرار الحسنة والأضرار القبيحة يأخذ بعين الاعتبار عاملين متظافرين: التوقيت- وأفضل الأوقات العواقب والأوقات المتطاولة، فهي أولى بالاعتبار من الزمن القصير المتصرّم-، والكمّيّة، أي مقدار اللذّة الحاصلة. وبسبب هذين العاملين لم يكن ربط عبد الجبّار بين النفع واللذّة ربطا آليّا. فالملاذّ هي أصل المنافع، ولذلك لا ينتفع من أن تستحيل اللذّة عليه، مثل الله والجماد. ولكنّ العاقل يتحمّل المشاقّ القليلة من أجل الملاذّ الكثيرة ويؤثر الآجل من المنافع إذا كانت أكثر وأدوم على العاجل منها."ولولا أنّ ذلك أنفع له" لم يكن ليوثره على النفع الحاضر القليل ولا كان يتحمّل المضرّة لأجله(11). وذلك يدلّ على أنّ بعض الضارّ قد يكون نافعا مفيدا ومن ثمّ خيرا.

من أجل الإقناع بهذا الرأي الذي لا تميل إليه النفس إذا خُلّيت بينها وبين نوازعها التجأ قاضي القضاة إلى القياس المعكوس. فبيّن أنّه "إذا جاز في اللذّة أن تكون ضررا إذا أعقبت مضرّة عظيمة، نحو تناول الخبيص المسموم" جاز العكس، وهو أن تكون المشقّة نفعا إذا أدّت إلى نفع أعظم وإن كان مؤجّلا بعض الوقت. وعلى هذا الوجه اعتبر الله نافعا بالتكاليف والآلام لأنّه يثيب الصابرين عليها ويعوّضهم عمّا تجشّموه جزاء حسنا. وبناء على مفهوم الضرر النافع ذهب إلى أنّ الأنبياء حين يدعون الناس إلى الدين إنّما هم نافعون لهم منعمون عليهم رغم إلزامهم إيّاهم بأمور شاقّة، وذلك لما في الاستجابة لدعوتهم من نفع أخروي لا ينفد(12).

والنتيجة العامّة التي انتهى إليها عبد الجبّار بناء على مفهوم الغاية أو العاقبة هي التمييز بين ثلاثة أنواع من الأفعال بحسب ما توصف به من خير أو شرّ: خير هو نفع حسن، وخير هو ضرر حسن مثل ذمّ العصاة في الدنيا وتعذيبهم في الآخرة وإقامة الحدود والمرض والفقر والمصيبة فليس هذا شرّا إلاّ في المجاز، وشرّ هو ضرر قبيح مثل الكفر فإنّه قبيح في ذاته مهلك صاحبه في عاقبة أمره(13).

ولم يكن بموضع إشكال من هذه الأقسام الثلاثة عند المعتزلة سوى القسم الثاني، وقد ذهبوا فيه مذاهب مختلفة، واختلافهم فيه يدلّ على أنّ مشكلة الشرّ ليست بالبساطة التي توحي بها تقريرات عبد الجبّار العامّة. فقد ذهب الجبّائي إلى "أنّ الأمراض والأسقام ليست بشرّ في الحقيقة وإنّما هي شرّ في المجاز، وكذلك كان قوله في جهنّم "، إلاّ أنّه لم يصف عذابها بأنّه خير لأنّ الخير مرادف للنعمة وهو ما للإنسان فيه منفعة، وليس عذاب النار كذلك. ولكنّه أيضا لم يعتبره شرّا لأنّه ليس عبثا وفسادا، والصواب عنده أنّه عدل وحكمة. وكان الإسكافي يقول إنّه خير في الحقيقة ومنفعة وصلاح ونظر للكافرين في الدنيا ورحمة لهم لأنّه يحذّر العباد في الدنيا من ارتكاب الكفر(14). وكان أكثر المعتزلة يقولون في لعن الله الكفّار في الدنيا إنّه "عدل وحكمة وخير وصلاح للكفّار لأنّ فيه زجرا لهم عن المعصية"،لكنّ بعضهم أقرّوا بأنّ ذلك عدل وحكمة ولم يقولوا إنّه خير وصلاح ونعمة ورحمة(15).

إنّ هذه الأقوال المتضاربة توضّح الطابع الإشكالي لمسألة الشرّ واستعصاء بعض الأمور على التصنيف إلى شرّ أو خير والتجاء الكلام المعتزلي إلى تخريجات غريبة من نوع وصف بعض الأشياء مثل العقوبات الأخرويّة بكونها عدلا وحكمة والامتناع مع ذلك عن اعتبارها خيرا، وهو ما يجعل بعض العدل والحكمة خارجا عن القسمة إلى خير وشرّ، ويؤدّي إلى منع هذا الزوج التقابلي من أن تكون له قيمة كلّيّة حاصرة.

إنّ الشرّ من وجهة نظر معتزليّة فعل مخصوص يفعله المكلّف على خلاف ما ينبغي له فيكون مهلكا له في الدنيا أو في الآخرة. أمّا ما عدا ذلك من مصائب وأضرار تصيب الإنسان نتيجة الأمراض والعوادي الطبيعيّة فليس شرّا إلاّ من منظور الحواسّ والزمن المحدود الفاني، وكلاهما لا اعتبار به من منظور الآخرة. إنّ هذا التعريف يعبّر عن الرؤية الكلاميّة والدينيّة بصفة عامّة، وهي رؤية تنطلق من منظومة القيم الأخلاقيّة الإسلاميّة ومن الدفاع عن الفعل الإلهي وفهم الوجود وتحديد المعايير في ضوء الصفات الإلهيّة.

لعلّ أبرز من صاغ تعريفا فلسفيّا للشرّ في الثقافة العربيّة ابن سينا والغزالي، وأبرز من صاغ مثل ذلك في الثقافة المسيحيّة القدّيسان أغسطين وطوما الإكويني. لذلك نكتفي فيما يلي بالإحالة على هؤلاء الأربعة.

ربط ابن سينا في بعض رسائله بين الخير والوجود وبين العدم والشرّ، وعرّف الشرور بأنّها أعدام(16). وفي النجاة زاد هذا الرأي تفصيلا، فوصف الواجب الوجود أي الله بأنّه خير محض وكمال محض "وصرّح بأنّ" الشرّ لا ذات له بل هو إمّا عدمُ جوهرٍ أو عدمُ صلاحِ حالِ الجوهر. فالوجود خيريّة، وكمال الوجود خيريّة الوجود. "واعتبر الوجود الذي لا يقارنه عدم" لا عدمُ جوهر ولا عدم شيء للجوهر، بل هو دائم بالفعل" - خيرا محضا. أمّا الممكن الوجود بذاته فليس خيرا محضا لأنّ ذاته تحتمل العدم، "وما احتمل العدم بوجه فليس من جميع جهاته بريئا من الشرّ والنقص. "واستنتج أنّ الخير المحض ليس " إلاّ الواجب الوجود بذاته"(17).

لم يبتعد الغزالي عن هذه الطريقة في تحديد معنى الشرّ، وهذا يعني أنّه لم يستمدّ طريقته من الإطار الأخلاقي الذي انطلق منه المعتزلة، ولم يربط الشرّ بمعنى الضرر غير المتبوع بنفع يكافئه، ولم ير له معنى مستقلاّ عن الخير. إنّ الخير والشرّ عنده مفهومان متناقضان، والنقيضان يتحدّد معنى أحدهما بالتعارض مع معنى الآخر. فالخير مرادف للوجود والكمال والنظام18، وليس الشرّ -بناء على ذلك- إلاّ المعنى الدالّ على عدم الوجود أو عدم كمال الوجود(19).

إنّ هذا التعريف يجعل الشرّ شيئا لا ذات له ولا ماهية، ويؤخّره إلى رتبة الفرع التابع للخير، ولكنّه في الآن نفسه يجعل منه أساسا للتفاوت بين الموجودات. فالموجود الوحيد المبرّأ من النقص وإمكان العدم والذي هو مبدأ لكلّ موجود وسبب لكلّ نظام هو الأوّل، أي الله، وهو خير محض. وما عداه يتطرّق إليه النقص وإمكان العدم، وهذا ينطبق حتّى على الملائكة(20).

ليس الشرّ إذن هو الضرر الحاصل لبعض المخلوقات نتيجة المرض أو العقاب أو ما شاكلهما كما تخيّل المعتزلة، بل هو ضرب من الوجود، أو بتعبير أدقّ هو انعدام كمال الوجود. إنّ هذا المنهج في تعريف الشرّ هو منهج الفلاسفة المشّائين، استقاه الغزالي من ابن سينا وضمّنه كتابيه المقاصد والتهافت. وهو أيضا المنهج الذي اعتمده اللاهوتيّون المسيحيّون في القرون الأولى والوسطى واستخدموه في دحض التصوّر الثنوي للعالم. فالأشياء القابلة للفساد تفقد بحسب القدّيس أغسطين(ت430م) (SaintAugustin) من خيريّتها بقدر ما يلحقها من الفساد أي من العدم، فإذا عدمت الخير كلّه فقدت وجودها كلّه. إنّ انعدام كلّ خير مساو لانعدام الوجود، وبناء على ذلك لا يمكن أن يوجد شرّ حيث لا يوجد أيّ خير.

وتأييدا لهذا التمشّي في فهم الخير والشرّ أنكر القدّيس طوما الإكوينـي (ت1274م) (Saint Thomas d'Aquin) أن يكون غياب خير ما شرّا لأنّ ذلك يؤدّي إلى القول بأنّ الأشياء التي لم توجد قطّ شرور. وأنكر أن يكون الشيء شرّا لأنّه ليس له ما لغيره من الخير، فليس الإنسان شرّا لأنّه لا يملك رشاقة الجدي أو قوّة الأسد. وإنّما الشرّ هو الحرمان من خير مستحَقّ بالنوع، كالعمى الذي هو حرمان من البصر المميّز للموجودات الحيّة العليا، أو كانعدام اليدين في حقّ الإنسان. وهذا ليس حرمانا في حقّ العصفور مثلا، ومن ثمّ لا يمكن عدّه شرّا بالإضافة إليه(21) .

وإذا لم يجز أن يكون موضوع الشرّ إلاّ خيرا وأن لا يدخل الشرّ إلاّ على خير وأن لا يوجد شرّ محض قائم بذاته منفصل عن كلّ خير(22)امتنع أن يكون الشرّ ماهية شيء ما لأنّه حرمان، وليس الحرمان جوهرا بل سلبا في جوهر. إنّ الشرّ في حقيقته انعدام للماهية(23)، وبذلك يثبت كون الخير أوّليّا لأنّه الأصل وكون الشرّ ثانويّا لأنّه فرع. ويترتّب على هذه النتيجة كون الشرّ مفهوما نسبيّا، فلا وجود لشرّ لذاته أو لشرّ مطلق، بل الشرّ هو دوما شرّ بالنسبة إلى موجود محدّد ناله حرمان ما(24). 

بناء على هذه الرؤية تمكّن طوما من دحض التصوّر الثنوي للعالم، فبيّن أنّ الشرّ لا يجوز أن يكون مبدأ لبعض الموجودات كما يعتقد الثنويّة لأنّ الموجود لا يمكن أن يكون في جوهره شرّا. فكلّ موجود بحكم كونه موجودا هو خير، والشرّ نفسه لا يمكن أن يوجد إلاّ في الخير وليس له مبدأ هو الشرّ المحض أو الظلمة بلغة الثنويّة. واستشهد بقول أرسطو في الشرّ المحض إنّه لو وجد لكان انهار من تلقاء نفسـه (le mal intégral se détruirait lui-même ) إذ ينبغي تحطيم كلّ خير أوّلا ليبقى الشرّ في كلّيّته، وهذا يجعل مفهوم "الشرّ في ذاته" أو "الشرّ المحض" مفهوما متهافتا متناقضا. إنّ خطأ الثنويّة في نظر الإكويني أنّها بافتراضها الخير والشرّ متناقضين من كلّ وجه نسيت أنّهما موجودان وأنّهما بذلك يشتركان في أصل الوجود الذي هو خير بذاته(25).

ميّز طوما في الشرّ بين صنفين جعل لكلّ واحد منهما خصائص مميّزة وصفات مشتركة: الشرّ في نظام الطبيعة (le mal dans l'ordre naturel)، والشرّ في نظام الأخلاق (dans l'ordre moral)(62). ومع لايبنتز (ت 1716م) (Leibniz) أصبح الشرّ ينقسم إلى ثلاثة أنواع: الشرّ الميتافيزيقي وعنى به نقصا في كمال الوجود، والشرّ الطبيعي أو البدني وعنى به الألم الحسّي، والشرّ الأخلاقي وعنى به الخطيئة(27).

أمّا المتكلّمون المسلمون فلا نجد عندهم مثل هذا التمييز والتقسيم ولا نقف لديهم على وعي صريح باختلاف أنواع الشرّ بعضها عن بعض من حيث الطبيعة أو المجال. اعتبروا الشرّ حقيقة واحدة ولم يفرّقوا بين ما كان منه في الطبيعة وما كان منه في الحياة الاجتماعيّة. والسبب في ذلك أنّهم كانوا يصدرون في جميع آرائهم عن خلفيّات أنطولوجيّة وإبستمولوجيّة متشابهة تتمثّل في النظريّة الذرّيّة التي لم تكن تميّز بين المجال المادّي والمجال المعنوي، وفي نظريّة الفعل التي كانت ترى في كلّ موجود حادث فعلا يتطلّب فاعلا عاقلا مسؤولا. نظروا إلى الشرّ باعتباره نوعا واحدا لأنّ له نسبة واحدة إلى الله من حيث هو فاعل له أو محاسِب عليه، ولم يميّزوا بينه وبين مسمّيات أخرى مثل الظلم والضرر المحض والفساد والعبث، ووضعوها جميعا تحت اسم واحد جامع هو القبيح.

لقد كان الأساس الذي اعتمد عليه المتكلّمون في تعريف الشرّ أساسا أخلاقيّا محضا استمدّوه من نظريّتهم في الفعل. وكان الأساس الذي اعتمد عليه الفلاسفة العرب في تعريفه أساسا أنطولوجيّا محضا استمدّوه من تحليلهم لمقولة الوجود. أمّا الأساس الذي اعتمد عليه الفلاسفة والتيولوجيّون المسيحيّون في ذلك فكان مزيجا منهما، ينطلق من رؤية تصنيفيّة للعالم لا من تمثّل الشريعة ومن مفهوم الكمال الطبيعي لا من مفهوم الكمال النظري. وافق المسيحيّون الفلاسفة المسلمين في ربط الشرّ بالعدم والإمكان والقوّة وأنكروا مثلهم الوجود المستقلّ للشرّ واعتبروه فرعا عن الخير مرتبطا به، وأغنوا وجهة نظرهم بإضافة البعد الأخلاقي الذي تضمّنه مفهوم المتكلّمين للشرّ واستنتجوا من كلّ ذلك وجود أصناف متمايزة من الشرّ تَمايُزَ مجالات النظر الرئيسيّة عندهم: الميتافيزيقا والطبيعة والنفس.

   فاعل الشر

أقرّ معظم المتكلّمين والفلاسفة بأنّ الشرّ موجود في العالم على نحو ما، فمن فاعله ومحدثه؟ هل هو الله؟ إذا كان الأمر كذلك فكيف يكون الله حكيما عادلا بفعله الشرّ؟ أم هو فاعل آخر غير الله؟ وإذا كان كذلك فكيف يجوز أن يكون لله شريك في الفعل والإيجاد؟

كان على المتكلّمين أن يتصدّوا لهذه الأسئلة والإحراجات ويبحثوا عن أجوبة لها تحفظ لله صفات كماله وتفسّر في الآن نفسه وجود الشرّ في العالم تفسيرا معقولا. وفيما يلي تحليل لوجهة نظر المعتزلة والأشاعرة والماتريديّة في الموضوع.

لم يجوّز المعتزلة بناء على قولهم بوجوب الصلاح والأصلح أن يكون الله خالقا للشرّ بأيّ وجه من الوجوه لأنّ الشر فعل يتضمّن معنيي الضرر والقبح(28)، والله منزّه عنهما. فهو لا يفعل القبيح ولا يريده لأنّ فعل القبيح وإرادته كلاهما قبيح ومظهر من مظاهر النقص، والله عالم بقبح القبيح مستغن عنه بريء من كلّ نقص(29). وإذا كان الله لا يريد القبيح ولا يفعله فليس يجوز أن يصدر منه أيّ شرّ(30). وبناء على هذه النتيجة لم يسمح القاضي عبد الجبّار          (ت415) بإضافة الشرّ إلى الله إلاّ على وجه المجاز، ولم يستحبّه حتّى على هذا الوجه رغم اعترافه بأنّ الأمّة تُجمع على إضافته إليه، ولم يُسمّ الله شرّيرا وإن اعترف بأنّه يخلق الكثير من المضارّ (31).

إنّ الله عالم بقبح القبيح غني عن فعله. من هذا التقرير الذي لا يخالف فيه أحد من المتكلّمين استنتج المعتزلة أنّه لا يجوز على الله فعل شيء من الشرور والقبائح لأنّ فاعل القبيح يجب أن يكون جاهلا بقبح القبيح أو محتاجا إليه في تحقيق بعض مآربه، وكلا الأمرين لا يجوز على الله. وتأكيدا لهذا المعنى التنزيهي أوّل عبد الجبّار ما قد يوحي بخلاف ذلك من آيات القرآن(32)، واعتبر المسؤول الوحيد عن الشرّ إذا وجد شرّ في العالم هو المخلوقات الحيّة المريدة ولاسيما الإنسان لأنّ أفعاله محكومة بمبدأ الحرّيّة -أي الاستطاعة بلغة المتكلّمين-، والحرّيّة تمكّنه من الإحسان كما تمكّنه من الإساءة.

وفي إطار هذه الرؤية ميّز عبد الجبّار تمييزا قاطعا بين الحسنة والسيّئة في فعل العبد، فأضاف كلتيهما إليه دون غيره ولم يضفهما إلى الله ولا إلى الشيطان، والحسنة والسيّئة المذكورتين في الآية ] إنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وإنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ [ (النساء 4/174)، فأضافهما إلى الله باعتبار أنّ " الآية واردة لا في فعل العبد بل فيما ينزل من السرّاء والضرّاء" (33).

إنّ الأضرار في المنظور المعتزلي تنقسم إلى ضربين لا يجوز الخلط بينهما: ضرب قبيح وهذا لا يجوز أن يضاف إلى الله إطلاقا، وضرب قد يسمّى شرّا توسّعا ومجازا كالشدائد والأمراض تصيب الإنسان وهذا يجوز أن يضاف إلى الله. وبالرغم من إقرار عبد الجبّار بأنّ الله وصف عذاب النار بأنّه شرّ اعتبر ذلك مجازا ورأى أنّه في «الحقيقة عدل وحكمة وليس بشرّ،» لأنّ الله لو كان يفعل الشرّ في الحقيقة لوجب كونه شرّيرا، « وهذا باطل باتّفاق. وإلى جانب ذلك لم يجوّز أن يوصف الله بأنّه يفعل الفساد لأنّ الفساد» عبارة عن القبيح من المضارّ، «والله لا يفعلها، وما يفعله من مضارّ لا يكون إلاّ نافعا. فإذا سمّي ذلك الفعل فسادا وجب أن يكون ذلك على وجه المجاز كما يقال في المطر إنّه أفسد الزرع وفي المرض إنّه أفسد بدن فلان على المجاز لأنّ الله عنده هو من فعل ذلك لا المطر ولا المرض(34).

إلاّ أنّ هذا الموقف البسيط والواضح لم يمثل بسبب اتّكائه على مجرّد التأويل اللغوي حلاّ حقيقيّا للمشكلة وإنّما وفّر منطلقا لحلّها، إذ يبقى على المعتزلة أن يفسّروا وجود الأمراض والمصائب والكوارث والحيوانات والهوامّ المؤذية في العالم إمّا بنسبة خلقها إلى غير الله- وهذا ما لا تسمح لهم به عقيدة التوحيد-، أو بنفي كونها شرّا، وهذا ما ذهبوا إليه فعلا.

فقد أكّد أبو الحسن الأشعري(ت324) أنّ جميع المعتزلة-لم يستثن منهم إلاّ عبّاد بن سليمان(ت حوالي250)- كانوا يقرّون بأنّ الله «يخلق الشرّ الذي هو مرض والسيّئات التي هي عقوبات»، لكنّهم اعتبروها شرورا وسيّئات على المجاز ونفوا أن يكون الله خالقا لشرّ ليس عدلا أو حكمة. وإذا كان جميع ما يخلقه عدلا وحكمة - وهذا هو رأيهم- لم يجز أن نسمّي شيئا من أفعاله ومخلوقاته شرّا بالمعنى الحقيقي(35). وبناء على هذا المبدإ لم يصفوا الله بأنّه شرّير مفسد وإن فعل الآلام لأنّ هذا الوصف يتضمّن ذمّا للموصوف به، والله فوق كلّ ذمّ. ولم يصفوا العقاب الأخروي «بأنّه شرّ وفساد ولا بأنّه خير ونعمة، وإن كان ضررا وألما» لأنّ الله يفعله عدلا وحكمة لا تعدّيا وتشفّيا(36).

وسمحت فكرة العوض للمعتزلة بالتمييز بين نوعين مختلفين من الضرر. فرأوا أنّ من الضرر ما يكون قبيحا- وهذا لا يكون من الله البتّة- ومنه ما يكون حسنا- وهذا يفعله الله ولكنّه لا يسمّى بفعله ظالما-، «ولذلك لا يعدّ ما يفعله من الأمراض ضررا من حيث يعقب نفعا عظيما (العوض الأخروي)، كما لا تُعدّ الطاعات مَضرّة». والقاعدة في تمييزهم بين النوعين أنّ كلّ ضرر «إذا كان -مع كونه ضررا- »حسنا خرج من قسمي الشرّ والفساد، وعلى هذا الأساس عدّوا وصف الآفة إذا لحقت الأبدان والأموال والزروع بأنّها شرّ وفساد مجازا37.

لقد منع القول بمقالتي الصلاح والأصلح المعتزلة من الاعتراف بشرّ حقيقي في العالم ما عدا الشرّ المندرج في أعمال الإنسان، ومنعهم القول بالعدل من إضافة الشرّ إلى الله إلاّ على جهة المجاز. فهل أدّى إنكار الأشاعرة للمقالتين إلى الاعتراف بوجود الشرّ في العالم وإلى نسبته إلى الله انسجاما مع مذهبهم القائل بنسبة كلّ الحوادث إليه وإلى مشيئته؟

تميّز موقف الأشاعرة في مسألة فاعل الشرّ بشيء من الاضطراب. فقد اتّفقوا على عدم وصف الله بكونه شرّيرا إلاّ أنّهم بسبب إقرارهم بأنّ كلّ موجود إنّما هو فعل لله لم يكن ليوجد لو لم يكن الله مريدا لوجوده نسبوا إلى الله خلق جميع القبائح الموجودة في العالم بما في ذلك كفر الكافرين وظلم الظالمين ومعصية العاصين وأدخلوها فيما أراده الله لأنّه لو لم يردها لم تكن. ولم يتحرّجوا من تسمية الأشياء بأسمائها واعتبار الخير خيرا والشرّ شرّا من دون أن يشعروا بالحاجة إلى تبرير شيء من ذلك أو وصفه بما يؤدّي إلى إخفاء طبيعته(38).

وكان هذا موقف الماتريديّة أيضا. فقد أقرّ مؤسّسها أبو منصور الماتريدي (ت 333) بأنّ الله هو خالق جوهر الشرّ والخير وخالق فعل الخلق شرّا وخيرا،«ولم يجوّز »كون شيء في سلطانه لم يخلقه «لئلاّ يكون له» «شريك في سلطانه وعديل في خلق عالمه»(39).

لكنّ جرأة الفرقتين الأختين لم تبلغ إلى حدّ الإقرار بأنّ الله شرّير لأنّهما ذهبتا في فهم الحسن والعدل والحقّ والحكمة ومقابلاتها مذهبا مختلفا عن مذهب المعتزلة أسّستاه على التمييز الكلّي بين ما هو إلهي وما هو بشري، ورفضتا اتّخاذ الإنسان معيارا للخير والشرّ ولم تعتبرا مصلحته محدّدة لهما وحاولتا تحديد دلالتهما من منظور إلهي صرف.

والحقيقة أنّ مذهب الفرقتين في المسألة عرف تطوّرا مهمّا. فقد اعتمد الروّاد على مجرّد النقل والتحليل اللغوي، وفي هذا الإطار ميّز الماتريدي بين الخلق وخلق الخلق: العبارة الأولى تدلّ على الموجودات الحادثة وهذه يجوز وصفها بكونها شرّا، والعبارة الثانية تدلّ على فعل الله من حيث هو صفة له مضافة إليه، ولا يجوز وصف الفعل الإلهي بالشرّ لأنّ النقل لم يَرِد بذلك(40).

أمّا المتأخّرون فجنحوا إلى التحليل الفلسفي. وفي هذا الإطار بيّن الغزالي أنّ الله لا مصلحة له في شيء ولا ضرر يناله من شيء، وبناء عليه لم يجوّز أن يتعلّق الشرّ به بوجه من الوجوه واعتبره منفيّا عنه «بطريق السلب المحض» كما تسلب الغفلة عن الجدار والعبث عن الريح من حيث لا تتوفّر فيهما شروط الغفلة والعبث(41).

وإذا لم يكن في الموقف الأشعري أيّ إشكال من الناحية المنطقيّة فإنّ فيه إشكالا من جهة الحدّ ناتجا عن وصف الأشاعرة الله بصفات إيجابيّة -ككونه عادلا حكيما رحيما- مع انعدام المبرّرات لهذا الوصف. فهذه الصفات لا تختلف عن نقائضها في اقتضاء ما يصحّح للموصوف الاتّصاف بها، وهو ما نفوه ابتداء. ومن حقّ المرء أن يتساءل: كيف يكون الله عادلا إذا كان لا يجوز عليه الظلم؟ وكيف يكون حكيما إذا كان لا يجوز عليه العبث؟ وأيّ خير أو عدل في تصرّف المالك في ملكه كما يشاء وحكمِ الحاكم المطلق في مملكته كما يريد؟ إنّ الأشاعرة يركّبون بدون وعي بين أنموذجين من التفكير لا يتلاءمان: أنموذج اللاهوت السلبي النافي عن الله كلّ وصف يُستمدّ من خبرة الإنسان التجريبيّة، وأنموذج علم الكلام المعترف بقياس الغائب على الشاهد آليّة أساسيّة من آليّات معرفة الله ووصفه.

انخرط الغزالي بوضوح في هذه الرؤية الأشعريّة، فأقرّ بأنّ إرادة الله متعلّقة بجميع الحادثات من حيث إنّه ظهر أنّ كلّ حادث فمخترع بقدرته وكلّ مخترع بالقدرة محتاج إلى إرادة تصرف القدرة إلى المقدور وتخصّها به... والشرّ والكفر والمعصية حوادث فهي إذن لا محالة مرادة. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن»(42). إنّ هذا الشاهد يؤكّد أنّ حجّة الإسلام كان يعتبر الشرّ وكلّ القبائح من خلق الله وأنّ الله قبل أن يخلقها أرادها وأنّه لو لم يردها لم يخلقها. ومع ذلك لم يصف الله بكونه ظالما شرّيرا لأنّ ما يُحكَم به على العباد في باب الأفعال لا يُحكَم به على الله وما يُستقبَح منهم لا يُستقبَح منه(43)، وهذا هو أساس الموقف الأشعري في المسألة.

لكنّ الغزالي لم يقف بالمسألة عند هذا الحدّ بل اعترف بالطابع المشكلي لسؤال الشرّ ولم يخف ما فيه من إحراج تزيده الأخلاقيّة الاجتماعيّة حدّة. فسأل محاججا: « ما معنى كونه تعالى رحيما وكونه أرحم الراحمين والرحيم لا يرى مبتليا (كذا) ومضرورا ومعذّبا ومريضا وهو يقدر على إماطة ما بهم إلاّ ويبادر إلى إماطته... والدنيا طافحة بالأمراض والمحن والبلايا وهو قادر على إزالة جميعها وتارك عباده ممتحنين بالرزايا والمحن؟»(44).

يكمن حرج هذا السؤال في تضمّنه الصريح لمعنى التناقض بين الواقع من جهة وما يتّصف به الله من صفات العدل والتنزيه من جهة أخرى. ويدلّ طرح الغزالي له على أنّه لا يقف الموقف الأشعري اللامبالي بمشكلة الشرّ، وعلى أنّه حريص على البحث عن موقف جديد أكثر قوّة وتماسكا من مواقف سلفه. ولكنّه يدلّ أيضا على أنّه ما يزال يربط مشكلة الشرّ بمسألة الصفات الإلهيّة، وهي ميزة المعالجة الكلاميّة لها. والصفات الإلهيّة التي كانت موضوع نقاش بسبب مشكلة الشرّ هي تلك التي أسّس عليها الغزالي نظريّته في أفضل العوالم وهي الجود والعدل والحكمة والإرادة، وسنتكلّم فيها بعد قليل.

ميّز قاضي القضاة بين ثلاثة أنواع من الأفعال بحسب علاقتها بالخير والشرّ: النفع الحسن    -وهو خير محض-، والضرر الحسن كالابتلاء بالمصائب وعقاب العصاة- وهو خير في الحقيقة شرّ في المجاز-، والضرر القبيح، وهذا وحده هو الجدير باسم الشرّ على الحقيقة(45). النوع الأوّل والثاني يفعلهما الله، وهما دليل على عدله وإحسانه؛ أمّا الثالث فلا يفعله أبدا. والجامع بين هذه الأنواع الثلاثة أنّها تتعلّق جميعا بمعاملة الله لمخلوقاته الحيّة ولاسيما الإنسان. أمّا الأشاعرة فنسبوا جميع الأفعال الواقعة في العالم إلى الله. وهذا يجعل النظرة الكلاميّة إلى الشرّ نظرة أخلاقيّة ميتافيزيقيّة مدارها على الأفعال والعلاقة بين الموجودات الحيّة. وهي نظرة ذات منحى أخلاقي تبريري يهدف إلى تنزيه الله عن الظلم والعبث من جانب المعتزلة، وذات منحى تقديسي تمجيدي يهدف إلى إثبات صفات الكمال له ونسبة كلّ شيء إليه باعتباره المالك الوحيد لكلّ ما يوجد من جانب الأشاعرة. فكيف كانت النظرة المسيحيّة؟

أخذ اللاهوتيّون النصارى بالاعتبارين الكلامي والفلسفي معا في تعريف الشرّ وتحديد فاعله، وحاولوا الجمع بين التنزيه والواقعيّة. فاعترفوا بوجود الشرّ في الطبيعة لكنّهم أنكروا أن يكون واقعا بقصد الله وتخطيطه.

في إطار هذه الرؤية نفى طوما الإكويني أن يكون الله فاعلا للشرّ لقبح الشرّ وعلم الله بقبحه واستغنائه عنه، وربط في ذلك بين الإرادة والخير مبيّنا أنّ الشرّ لا يمكن أن يكون مرادا لأحد إلاّ على وجه الخطإ. ولمّا كان الخطأ متعذّرا في حقّ الله استنتج أنّ الله لا يمكنه أن يفعل شرّا من الشرور(46). وكان طوما في هذه المسألة شديد القرب من الموقف المعتزلي، لكنّه ابتعد عن هذا الموقف واقترب من وجهة النظر الأشعريّة حين اعترف بوجود الشرّ في الطبيعة ولم يعمد إلى إخفاء طبيعته. وبسبب اختلاف منطلقاته عن منطلقات المعتزلة لم يسمّ فاعل الشرّ شرّيرا، وذهب إلى أنّ الشرّ إذا كان في حقيقته حرمانا ولم يكن في حدّ ذاته كائنا موجودا ذا جوهر خاصّ وجب أن لا تكون علّته شرّا بل خيرا لأنّ ما لا يوجد لا يكون سببا لما يوجد. فالشرّ في مستوى الطبيعة يحدث من جهة الفاعل حين يعتري هذا الفاعلَ خلل ما فيكون واقعا منه بالعرض، وعلى هذا النحو العرضي أيضا قد يحدث من جهة الفعل(47).

لم يكن مذهب المتكلّمين في تحديد فاعل الشرّ يستند إلى ملاحظة ظواهر الشرّ وإخضاعها لعلاقة السبب بالمسبّب، بل توصّلوا إليه نتيجة موقفهم المبدئي من الألوهيّة. فالمعتزلة لأنّهم كانوا ينزّهون الله مطلق التنزيه نفوا عنه كلّ مسؤوليّة في إيقاع الشرّ، وأخرجوا ما لم يكن نسقهم يسمح بنسبته إلى غير الله من باب الشرّ، وذلك مثل الأجسام الضارّة. أمّا الأشاعرة والماتريديّة فإنّهم لمّا كانوا يحرصون قبل كلّ شيء على إثبات مطلق القدرة لله وتأكيد انفراده بالخلق والإيجاد نسبوا كلّ شيء موجود إليه بما في ذلك الشرّ واعتبروه خالقه ولم يبرّئوه منه إلاّ في مستوى الخطاب -أي التسمية-، فلم يعدّوا الله بفعله الشرّ شرّيرا. وهذا يبيّن أنّ كلاّ كان يتكلّم في مشكلة الشرّ اعتمادا على نسقه الفكري الخاصّ الذي كان يؤمن به وينزّله منزلة المعتقد.

  الصفات الإلهيّة ومشكلة الشرّ

رأى اللاهوتيّون المسيحيّون في وجود الشرّ خطرا على وجود الله لأنّ طبيعته منافية لطبيعة الله الخيّرة. وتدلّ بعض ردود الإكويني في الخلاصة اللاهوتيّة على أنّ من الملاحدة من استدلّ بوجود الشرور على استحالة وجود الله(48).

لكنّ ظاهرة الشرّ في نظر المتكلّمين المسلمين لم تكن بهذه الدرجة من الخطورة. لم يروا فيها ما يهدّد وجود الله، بل لعلّهم أن يكونوا وجدوا فيها دليلا يثبت هذا الوجود. فقد رأى أبو منصور الماتريدي(ت333) في ظاهرة الشرّ في العالم دليلا على الخالق لأنّ العالم لو كان بنفسه ولم يكن له خالق لجعل نفسه في أحسن الأحوال ولاستغنى عن الشرور والقبائح. كما رأى في كون الشيء الواحد يكون من وجه خيرا ومن وجه آخر شرّا، من وجه حسنا ومن آخر قبيحا، من وجه نفعا ومن آخر ضررا، من وجه طيّبا ومن آخر خبيثا، رأى في ذلك دليلا آخر على أنّه ليس حسنا أو قبيحا، طيّبا أو خبيثا...بجوهره، وإنّما هو كذلك بفعل فاعل هو الله(49).

وذهب أبو موسى المردار(ت226) مذهبا يقود إلى النتيجة نفسها وإن اختلف في المنطلق عن مذهب الماتريدي. أقرّ هذا المتكلّم المعتزلي بأنّ الله «لو ظلم... مع وجود الدلائل على أنّه لا يظلم لدلّت إذ ذاك على أنّه يظلم، والظلم لا يوجب الحدث، كما أنّ العدل لا يوجبه»(50). ومعلوم أنّ حدث العالم هو دليل المتكلّمين الأوّل على الصانع.

وإذا كان بعض الناس لا يدركون الحكمة فيما خلق الله ولا يقفون على وجوه النفع والصلاح فيها فذاك لأنّ المظاهر كثيرا ما تخدعهم وتحجب الحقائق عن بصائرهم. ولهذا السبب حذّر أبو عثمان الجاحظ (ت255) من الذهاب إلى ما تُري العينُ ونصح بالذهاب إلى ما يري العقل، واجتهد في إظهار ما بين الأمرين من فرق من خلال ما لاحظه في الحيوانات والظواهر الطبيعيّة المختلفة من خصائص. وقد مكّن هذا التمييز علماء الكلام من تبرير عدد كبير من الظواهر المتضمّنة لشرّ ظاهر، مثل الآلام والمصائب والحيوانات الضارّة.

إنّ الآلام والشرور يمكن أن تقسّم إلى قسمين مختلفين، ولكلّ وجد المتكلّمون مبرّرا معقولا بل مبرّرات. القسم الأوّل يشمل كلّ الأضرار التي تصيب الإنسان لا بإرادته واختياره، وهي أضرار تأتي من مخلوقات طبيعيّة أخرى كالأفاعي والسباع أو من التعرّض للمصائب والأمراض. والقسم الثاني يشمل الآلام التي تصيب الإنسان نتيجة أفعال يتجشّمها بتكليف من الله كآلام الطاعات. والقسمان معا اقتضاهما العدل والحكمة الإلهيّان، فليس فيهما ظلم أو تعسّف ولا في وجودهما إخلال بنظام العالم أو صلاح الخلق. وهذا يعني أنّ الأضرار التي تضمّناها مقصودة منذ البداية.

إنّ هذا التصوّر يجعل مشكلة الشرّ على صلة وثيقة بثلاث صفات إلهيّة، هي الحكمة والعدل والإرادة. وفيما يلي تحليل لوجوه هذه الصلة من وجهة نظر المتكلّمين والفلاسفة.

لم ينكر المعتزلة كون بعض المخلوقات، مثل إبليس والحيّات والعقارب والهوامّ وسائر السباع، مؤذية ضارّة، لكنّهم نفوا كونها من حيث هي أجسام شرّا. فليست ذاتها شرّا وإنّما الشرّ فعلها شأنها في ذلك شأن الكافر والعاصي. واعتبروها في ذاتها خيرا لأنّ الله خلقها لينفعها هي أوّلا فتفضّل عليها «بالإحياء والإقدار وخلْقِ الشهوة والمشتهى والتمكين من الانتفاع به وخلقها لينتفع بها غيرها ثانيا، ومن منافعها استخراج الترياق من بعض الحيّات وهو أصل في دفع المسمومات. وعلى الجملة ما من شيء منها إلاّ وتتعلّق به منفعة على حدّ لا تتعلّق تلك المنفعة بغيرها»، وإذا وقع منها شرّ فليس الله مسؤولا عنه لأنّه ليس خالقه، وإذا وقع الشرّ والقبيح ممّن لا عقل له لم تجز مؤاخذته بهما على وجه الذمّ والعقاب وإن كان قد يلزمه العوض كما يلزم النائمَ إذا كسر إناء غيره وهو لا يشعر(51).

إنّ إدخال هذه القبائح والأضرار الطبيعيّة في باب الحكمة الإلهيّة اقتضى من المعتزلة بيان أوجه النفع فيها. وقد تنبّهوا إلى منافع عديدة فيها أكثرها من الصنف الأخروي، يمكن ردّها جميعا إلى المنافع الأربع التالية:

أ- الامتحان والبلوى وما يعقبهما من تعويض وما يناله الإنسان بالصبر عليهما من درجة لا تنال إلا به. فخلْق هذه الحيوانات هو في مقام التكليف بالواجبات الشاقّة والابتلاء بالألم لتعريض الناس للثواب الجزيل. إنّ صاحب هذا الرأي هو الجاحظ، فقد ذهب إلى أنّ الله إنّما خلق هذه الحيوانات الضارّة وأمرنا بالصبر عليها لتمكيننا من درجة الصابرين، وذكّر بأنّ الصبر لا يكون إلاّ على مكروه وأنّه لا فرق بين مكروه سببه سَبُع وآخر سببه المرض52.

ب- الاعتبار، «فإنّا إذا شاهدنا هذه الصور المنكرة والحيوانات المؤذية الكريهة المنظر كنّا إلى الاحتراز من عذاب الله المشتمل على أضرّ منـ[ـها]... أقرب.» لذلك خلق الله هذه الأشياء الضارّة بحيث « يعرف العقلاء شدّة الاحتراز منها » ويتعلّمون من الاحتراز منها لخطرها الاحتراز من المعاصي لخطرها كذلك53.

ج- الانتقام من الظالمين والمتجبّرين. فقد خلق الله البعوض والنمل والفراش والذرّ والذبّان والجعلان واليعاسيب والجراد... لتكون جنودا من جنوده يهلك بها أقواما طغوا وتجبّروا(54).

د- وجود القبيح شرط لتبيّن الحسن والوقوف على مزاياه، فبضدّها تعرف الأشياء. إنّ الشرّ مكافئ لوجود الخير مساو له لأنّ ذلك هو الذي يحقّق الإطار المناسب للاختيار الإنساني وللصراع بين الحقّ والباطل حتّى يتميّز المحسن من المسيء ويبين المصيب من المخطئ. فإذن مصلحة الإنسان هي التي اقتضت «امتزاج الخير بالشرّ والضارّ بالنافع والمكروه بالسارّ والضعة بالرفعة والكثرة بالقلّة». وتطوّع الجاحظ بتعداد مزايا هذا الامتزاج، فذكر أنّ الشرّ لو كان صرفا «هلك الخلق أو كان الخير محضا سقطت المحنة وتقطّعت أسباب الفكرة، ومع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة ومتى ذهب التخيير ذهب التمييز ولم يكن للعالم تثبّت وتوقّف وتعلّم ولم يكن علم ولا يعرف باب التبيّن ولا دفع مضرّة ولا اجتلاب منفعة ولا صبر على مكروه ولا شكر على محبوب»(55).

وبأسلوب تبريري واضح قارن عبد الجبّار بين الحيوانات المؤذية والبشر، فلاحظ أنّ الضرر الحاصل منها جميعا لا يفي بضرر فرد واحد من أشرار الناس، مثل الحجّاج بن يوسف. واستنتج أنّه لو كان يقبح من الله خلقها لهذا الوجه لكان يجب أن يقبح منه خلق أكثر الناس لأنّ الشرّ هو الغالب عليهم(56). وغاية هذه المقارنة ردّ الشرّ إلى أصله وإخراج الله من دائرة الاتّهام.

إنّ اختلاف الموجودات وتناقضها شرط لا بدّ منه لتتمكّن العيون من إدراك ما بين الأشياء من فروق حسّيّة وتظفر البصائر بما بينها من خلاف في النفع والضرر وما يحتاج إليه الإنسان منها وما يستغني عنه، «فيأخذ ما يحبّ ويدع ما يكره ويشكر على المحبوب ويصبر على المكروه حتّى يذكر بالمكروه كيفيّة العقاب ويذكر بالمحبوب كيفيّة الثواب ويعرف بذلك كيفيّة التضاعيف ويكون ما يغمّه رادعا له بالشكر عليه... وليكون عمل الدنيا سلّما إلى الآخرة...»(57).

إنّ عبارات الأخذ والترك والكراهة والشكر والاختيار والتمييز والمحنة والكلفة والتوكّل والمحاسبة والعقاب والثواب المستخدمة في كلام الجاحظ لتؤكّد أنّ الزاوية التي عالج المعتزلة من خلالها مشكلة الشرّ زاوية أخلاقيّة عمليّة لا زاوية فلسفيّة تأمّليّة وأنّ آراءهم في المشكلة تندرج في إطار نظريّتهم السياسيّة العامّة لا في إطار موقف أنطولوجي نظري.

إنّ فكرة العوض أساسيّة في التفسير المعتزلي لظاهرة الألم في حياة الإنسان بها برّروا إيلام الله الكائنات الحيّة بضروب الألم والغمّ والبلاء المختلفة. وقد استند عبد الجبّار في تقرير هذه الفكرة إلى القياس، فجعل الثواب الأخروي المعوّض عن آلام الطاعة والابتلاء والمرض وغيرها ممّا ينسب فعله إلى الله نظيرا للأجرة التي يأخذها المرء من المؤجّر بعد أن يؤدّي له خدمة فيها مشقّة وتعب وألم. وفي الحالين حال الله المكلّف وحال الإنسان المؤجّر لغيره يكون المتسبّب في الألم لغيره نافعا له لما يمنحه إيّاه في النهاية من جزاء(58).

إنّ أبعد ما ترمي إليه هذه التبريرات المختلفة هو الإقناع بأنّ وجود الشرّ الطبيعي شرط ضروري لتلافي الشرّ الأخلاقي. ويدلّ ذلك على أنّ القطب الذي ينشدّ إليه التبرير المعتزلي للشرّ هو حياة الإنسان بقسميها الدنيوي والأخروي. وهذا يجعل مشكلة الشرّ في تصوّر الفرقة مشكلة إنسانيّة محضة، بمعنى أنّ الوجود الإنساني من حيث هو وجود حسّاس وعاقل هو ما يعطي للشرّ معناه لأنّ الإنسان هو الذي ينتج الشرّ ويكابده ولأنّه هو المدرك للقيمة الأخلاقيّة الكامنة في الأشياء وفي نفسه.

وإذا كان المعتزلة قد مالوا إلى تبرير حالات الشرّ الموجودة في العالم حالة حالة فذاك لأنّهم سلّموا منذ البداية بأنّ الله لا يفعل شيئا من دون هدف وأنّ هدفه دائما هو تحقيق النفع لمخلوقاته، فلم يقبلوا لأجل ذلك بوجود شيء لا نفع منه ولا فائدة في خلقه. وربّما نجحوا في تبرير بعض الشرور، إلاّ أنّ ظاهرة الشرّ من الاتّساع والتجدّد والإلحاح بحيث يقصر المنطق التبريري عن الإحاطة بها واستيفائها، وهذا يكشف عن وجه العبث في عملهم. غير أنّ المهمّ في موقفهم ليس وجاهة التبرير بل المنزع الإنساني الذي يتضمّنه، ويتمثّل في الإقرار بأنّ الله لم يخلق شيئا إلاّ لينفعه بوجوده وبما أعطاه من قدرات وإذا تضرّر دنيويّا أو دينيّا فبسلوكه، وليس ذلك من الله لأنّ الله أراد له الخير والهدى ووفّر له أسبابهما ثمّ خلّى بينه وبين الفعل.

وبقدر ما ألحّ المعتزلة على إبراز الوجه الإيجابي من الألوهيّة وتأكيد عدل الله وحكمته لأنّهم كانوا محرجين من بعض الأفعال الإلهيّة التي لا تبدو في الظاهر مفيدة للناس -وهو ما شاركهم الماتريديّة الوعي به والبحث عن تفسير مقنع له(59) - أظهر الأشاعرة قلّة اكتراث بالأمر ولم يحسّوا بالحاجة إلى تسمية هذه الشرور بأسماء تمويهيّة والبحث عن فوائد تحتها وتبرئة الله من معرّتها وتبرير فعله لها. فصرّحوا بأنّ كلّ ما فعله الله من خير وشرّ ونفع وضرّ وصلاح وفساد واقع بإرادته وسابق علمه، واعتبروا فعله لذلك حقّا من حقوقه لم يحاسبوه على شيء منه ولم يلزموه بقانون أو رسم. ولعلّ هذا ما يفسّر عدم إسهامهم في معالجة مشكلة الشرّ والبحث عن حلول نظريّة لها. إلاّ أنّ الغزالي كان استثناء من ذلك إذ أورد أفكارا مهمّة في تبرير الشرّ في العالم، ولعلّ هذا ما يزيد الشكّ في أشعريّته وجاهة.

اعتبر الغزالي تفاوت حظوظ المخلوقات في الدنيا والآخرة مظهرا من مظاهر العدل والحكمة لأنّ النظام يقتضي تسخير البعض للبعض الآخر، وسمّى هذه العلاقة بين الطرفين فداء. فأرواح الإنس تُفدى بأرواح البهائم ولذلك تُذبح البهائم ليأكلها الناس، واليد إذا تأكّلت تُقطع إبقاء على الروح التي هي أكرم من البدن، وأهل الإيمان يُفدَون في الآخرة بأهل الكفران بتفخيم النعيم على المؤمنين وتشديد العقوبة على الكافرين(60). وبناء على هذه الرؤية نعَت من اعتقد أنّ الأفضل للعالم أن تكون جميع موجوداته متساوية بالجهل بالأقدار والمراتب وأكّد أنّ " البصير يعلم أنّ الكامل يُفدى بالناقص وأنّ الناقص يتسخّر لأجل الكامل، وهو عين الحكمة" (61).

إنّ فكرة الفداء كما فهمها الغزالي تجمع بين مفهومي العدل والحكمة، ويبدو أنّه أخذها عن ابن سينا. فقد التجأ الشيخ الرئيس إليها من أجل تبرير بعض أنواع الشرّ في العالم وضرب لها كما فعل الغزالي مثال العضو الفاسد الذي يُقطع من أجل الظفر بسلامة سائر البدن(62). لكنّ هذه الفكرة في جوهرها فكرة ساديّة لأنّها تقبل بالتضحية بالبعض من أجل البعض الآخر، وهي تختلف بصفة جذريّة عن الحلّ المعتزلي الذي يعتبر كلّ شيء مخلوقا من أجل منفعته الخاصّة.

إلاّ أنّ الغزالي لم ير فيها ما يتعارض ومفهوم العدل. فعنده أنّ الناقص والكامل متساويا الحظوظ، وإذا كان بعض الناس يتنعّم بما حرم منه البعض الآخر فليس في هذا التفاوت أيّ حيف لأنّ وراء كلّ حرمان منحة لم يعلمها صاحبها. فكلّ فضل تميّز به شخص عن شخص يعادله فضل آخر أعطيه الثاني وحرم منه الشخص الأوّل(63)، وذلك يجعل حظوظ الناس من العطاء الإلهي متساوية ولكنّهم في الغالب لا يدركون هذه الحقيقة العميقة(64). وضرب لتوضيح هذا الرأي بعض الأمثلة من الحياة الاجتماعيّة، لكنّ ضرب الأمثلة غير كاف لتغطية الواقع كلّه إذ بالإمكان العثور على من جمع الخصلتين وبرئ من العيبين وهذا بلا شكّ ذو حظّ عظيم مقارنة بغيره. بل هناك من ظفر بخيري الدنيا والآخرة معا، وشتّان بينه وبين من حرم منهما معا.

ولفكرة الفداء أصول قرآنيّة لكنّها لم تتجاوز نطاق الفداء الحيواني للإنسان(65). ولها جذور في المرويّات النبويّة أيضا، إذ نصّت عليها بعض الأحاديث المنسوبة إلى الرسول(66). وقد وجدنا إشارة إليها في شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبّار لم نكن نتوقّعها فسّر الشارح بمقتضاها خلق الله بعض الصور على غير التمام رغم قدرته على خلقها في أحسن صورة بكون ذلك مدعاة لنا إلى الشكر إذ خلقنا وأنعم علينا بضروب النعم وكلّفنا الشكر عليها وكان واجبا عليه أن يفعل بنا ما نكون عنده أقرب إلى أداء الشكر فخلق هذه الصور غير تامّة ليدعونا إلى شكره على أن ميّزنا بكمال الخلقة وتمام النعمة(67).

وهذا الرأي الذي كان شديد الذيوع في المجتمعات القديمة بسبب غلبة النزعة الذاتيّة على تفكير الأفراد والجماعات فيها لا يتلاءم في ظنّنا والشعور الطبيعي بالمساواة والكرامة. ولكن لم يكن بالإمكان سيادة هذا الشعور في تلك المجتمعات لأنّها لم تعرف فكرة المساواة واحترام الآخر المخالف، أو لأنّها عرفتهما ولكنّها لم تطوّرهما بالقدر الكافي. ولذلك لم يكن غريبا أن تجعل كافّة الديانات البدائيّة والوثنيّة من التضحية بالممتلكات النفيسة -ومنها النفس- طقسا دينيّا ممتازا، وترفع المسيحيّة الناشئة في مجتمع يهودي تحكمه سلطة رومانيّة قاهرة فكرة الفداء إلى رتبة العقيدة المحوريّة. ولا شكّ أنّ لفكرة الفداء في الثقافة الإسلاميّة جذورا اجتماعيّة وسياسيّة موصولة بالنظام القبلي الجاهلي القديم وبالتنظيم الطبقي والسياسي الناشئ بعد ظهور الإسلام. إلاّ أنّ الغزالي كان حريصا على أن يرتقي بالفكرة إلى مرتبة الحقيقة الأنطولوجيّة التي يؤدّي المساس بها إلى الإخلال بنظام العالم والمجتمع على حدّ سواء، وكان في ذلك مقتفيا خطى الفلاسفة ولاسيما الفارابي وابن سينا اللذين عدّا التدرّج الطبقي أساسا طبيعيّا لنظام المدينة الفاضلة.

هل نفهم ممّا سبق أنّ الشرّ الموجود في العالم مراد من الله مخطّط له سلفا؟

ليس في الأمر من منظور معتزلي لَبس، فأهل «العدل والتوحيد» متّفقون على أنّ الله لا يفعل القبائح والشرور مثل الكفر والمعصية والظلم ولا يريدها(68)، وفضّلوا نسبتها إلى مقترفيها من البشر ذاهبين إلى أنّ الله «هدى الكافرين فلم يهتدوا ونفعهم بأن قوّاهم على الطاعة فلم ينتفعوا وأصلحهم فلم يَصلحوا»(69). وبناء على ذلك أكّدوا أنّه لم يُرِد لهم الكفر والمعصية ولم يأمرهم إلاّ بخلافهما. فالإرادة الإلهيّة عندهم ليست تعني سوى ما أمر الله به عباده في كتابه، وتقابلها الكراهة الإلهيّة وتعني ما نهاهم عنه.

وقد جرّهم هذا الفهم للإرادة الإلهيّة إلى تجويز عدم حصول مراد الله على الوجه الذي أراده، ولم يروا في ذلك ما يدلّ على عجزه أو على أنّه يحصل في ملكه ما يكره. وحتّى يستقيم لهم هذا الفهم فصلوا بين ما يريده الله من فعل نفسه وما يريده من فعل غيره، وفصلوا أيضا بين ما يريده من عباده على وجه الإكراه والإضطرار وما يريده منهم على وجه التخلية والاختيار. وذهبوا إلى أنّ الأوّل من الأمرين لا بدّ من وقوعه لأنّ تخلّفه يدلّ على عجز مريده، أمّا الثاني منهما فيجوز تخلّفه لأنّ الله خلّى بين عباده وبين ما يفعلون(70).

ملخّص الموقف المعتزلي أنّ ما أصاب الله به عباده من آلام حسنة تجوز إضافته إلى الله ويصحّ كونه مرادا له وهو ليس شرّا إلاّ على جهة المجاز، وما خرج عن هذا الباب لا يجوز أن يخلقه الله ولا يصحّ أن يريده. إلاّ أنّ هذا الموقف الواضح والمنطقي لم يكن مقبولا لدى الأشاعرة والفلاسفة، وكانت لكلّ مبرّراتٌ خاصّة في ردّه.

أمّا أبو الحسن الأشعري فلم يتردّد في اعتبار الخير والشرّ الواقعين في العالم كليهما مرادا لله(71) محبوبا من قبله، إلاّ أنّه لم يكن يطلق العبارة بذلك مخافة أن يظنّ ظانّ أنّ الشرّ وما دخل في حيّزه من قبح وظلم ومعصية مأمور به من قبله. فكان يقول «إنّ المؤمن محبوب لله أن يكون مؤمنا من أهل الخير كما علمه والكافر أيضا مراد أن يكون كافرا كما علم من أهل الشرّ(72)»، وكان يقول في الكفر خاصّة إنّ الله «أراد أن يكون كفرا للكافر منهيّا عنه قبيحا منه معاقَبا عليه كفرا للكافر كما علمه كذلك». وتوصّل في هذا المجال إلى صيغة عامّة تقرّ بأنّ الله    « يريد أن يكون الشرّ شرّا من أهل الشرّ ولأهل الشرّ كما يعلمه شرّا»، و«يريد الخير من أهل الخير لأهل الخير أن يكون خيرا لهم كما علمه». وفي جميع الأحوال لم يجوّز أن يريد الله خلاف ما علم(73).

والسبب في ذهاب الأشعري هذا المذهب أنّه كان يربط بين الإرادة والعلم والقدرة ويرى في «انتفاء مراد المريد على الوجه الذي يريد دلالة على نقص المريد شاهدا وغائبا». ولذلك رأى في قول المعتزلة: إنّ الله «يكون في ملكه ما يكره ولا يكون ما يريد» إقرارا بعجز الله وقصوره وضعفه(74).

أمّا ابن سينا وإخوان الصفاء فإنّهم وإن أقرّوا بأنّ الشرّ ضرورة لم يقرّوا بأنّه مقصود. استعمل الشيخ الرئيس في التعبير عن رأيه ذاك عبارتي المقصود والعرضي، فقال: إنّ الشرّ القليل المترتّب على الخير الكثير« معلوم في العناية الأولى فهو كالمقصود بالعرض، فالشرّ داخل في القدر بالعرض كأنّه مثلا مرضيّ به بالعرض»(75). واستعمل إخوان الصفاء عبارتي القصد الأوّل والقصد الثاني، واعتبروا الشرور عارضة «لا بالقصد الأوّل ولكن بالقصد الثاني». وما قصدوه بالشرور هو الفساد الذي يلحق الأشياء بعد كونها وما يعوقها عن بلوغ التمام والكمال(76).

حاول الغزالي أن يزاوج في علاقة الشرّ بالإرادة الإلهيّة بين المذهب الفلسفي والمذهب السنّي الأشعري. فدافع عن فكرة إرادة الله الشرّ والمعاصي وخلقه لهما، واعتبرها مذهب السلف الصالحين ومعتقد أهل السنّة أجمعين زاعما أنّ البراهين قامت على صحّتها(77). لكنّه أقرّ من جهة أخرى بأنّ الشرّ لئن كان ضروريّا للوجود فإنّ وجوده تابع وليس أصليّا، إذ لم يخلق الله الشرّ لأجل الشرّ وإنّما خلقه لأجل الخير الذي يتضمّنه، فهو يقوم من بعض الخير مقام الشرط من المشروط. ولشرح هذا المعنى ضرب مثال بتر العضو المريض واستعمل عبارتي الذاتي والعرضي الفلسفيّتي الأصل. فالذي يقطع العضو المريض من بدنه إنّما يفعل ذلك طلبا لسلامة سائر البدن، وهذا يعني أنّ القطع مطلوب لغيره وسلامة البدن مطلوبة لذاتها. الأوّل مراد لذاته والثاني مراد لغيره، و«المراد لذاته قبل المراد لغيره». وبناء على ذلك استنتج أنّ «الخير مقضيّ بالذات والشرّ مقضيّ بالعرض» تماما كالحال في الحجامة والقصاص(78)، فإنّ هذه أفعال إراديّة ظاهرها شرّ ولكنّ حقيقتها رحمة وخير لأنّها الوسيلة لإزالة شرّ أعظم أو توقّيه مثل هلاك البدن كلّه وفساد المجتمع.

سمح هذا المبدأ لحجّة الإسلام باعتبار أفعال الله كلّها سالمة عن الشرّ، أي »الشرّ المطلق المراد لذاته لا لخير حاصل في ضمنه أعظم منه»، وبنفي أن يكون »في الوجود شرّ بهذه الصفة»(79). وسمح له في الآن نفسه بإدخال الشرّ المحدود الموجود في العالم ضمن ما أراده الله وقصد إليه وإن بطريق العرض.

ورغم هذه الاستعارات الواضحة من الفلسفة كان الغزالي حريصا دوما على تجنّب استعمال الاصطلاح الفلسفي المميّز لابن سينا وإخوان الصفاء، وخصوصا عبارتي "القصد الأوّل" و"القصد الثاني". وفي المقابل لم يأل جهدا في تأكيد أصوله السنّيّة الأشعريّة، فنسب القصدين جميعا إلى الله وأكّد أنّهما "داخلان تحت الإرادة"(80) مقضي بهما من قبل الخالق(81).

وبالتعارض مع هذا الموقف الإسلامي الأشعري المنزع ذهب القدّيس طوما إلى إنكار إمكان أن يكون الشرّ مقصودا من أيّ فاعل عاقل لأنّه لا أحد يقصد إلى غير الخير. فإذا وقع شرّ من عاقل دلّ على أنّه لم يقع بقصد منه، واستشهد لذلك بقولة القدّيس دنيس(ق3م) (SaintDenys):"الشرّ غريب عن القصد والإرادة". وشمل بهذا الحكم ما يحدث في الطبيعة أيضا، فاعتبر كلّ ما هو طبيعي خيرا ولم يجوّز كونه شرّا بوجه من الوجوه(82)، وهذا قريب جدّا من موقف ابن سينا.

       الشرّ ضرورة أنطولوجيّة

رفض الأشاعرة فكرة النظام وفكرة الضرورة الذاتيّة الكامنة فيه، وبناء على ذلك لم يعدّوا الشرّ ضروريّا لذاته ولا لحاجة العالم إليه. نعم! أقرّوا بوجوبه ولكن باعتباره نتيجة لا مردّ لها للقضاء الإلهي، فإنّ ما سبق العلم القديم بكونه وما أراده الله في الأزل واقع لا محالة.

هل كان الفكر الإسلامي كلّه أسير هذه النظرة الإراديّة المطلقة، أم تمكّنت قطاعات مهمّة منه من النظر إلى الشرّ باعتباره ضرورة ذاتيّة اقتضاها النظام؟ للإجابة عن هذا السؤال نستعرض أوّلا وجهة نظر ابن سينا في الموضوع ثمّ وجهة نظر الغزالي ونبحث في أصولها الكلاميّة والفلسفيّة ونحاول أن نقارنهما بوجهة النظر المسيحيّة.

خلافا للموقف الكلامي المعتزلي المنكر لوجود شرّ في الطبيعة أقرّ الفلاسفة بوجود الشرّ فيها، فذهب ابن سينا إلى أنّ الشرّ ضروري ونادر وغير مقصود لذاته في الوقت نفسه. هو ضروري، وهذا يلغي المطالبة ولو تمنّيا بإزالته؛ وهو نادر، وهذا يجعله مقبولا وفي وسع الإنسان تحمّله؛ وهو غير مقصود بذاته، وهذا يبرّئ الله من إرادته. ومن أجل توضيح هذا الرأي التجأ إلى تصنيف أنواع الشرّ من حيث علاقتها بالخير وبيان ما يوجد منها فعلا وما لا يوجد. ولمّا كان الحديث عن الشرّ تابعا للحديث عن الخير كان الحديث عن أصناف الشرّ من وجه آخر حديثا عن أصناف الخير.

في هذا الإطار ميّز الشيخ الرئيس بين قسمين من الخير: القسم الأوّل هو الخير المحض واعتبر فيضانه من الأوّل واجبا، ومثاله الجواهر العقليّة وما شابهها. والقسم الثاني هو الخير الكثير مع قليل من الشرّ، وفيضانه واجب أيضا "فإنّ في أن لا يوجد خير كثير ولا يؤتى به تحرّزا من شرّ قليل شرّا كثيرا". وضرب له مَثَلَ النار وبيّن أنّ طبيعتها وكمال فضيلتها يقتضيان "أن تكون بحيث تؤذي وتؤلم ما يتّفق لها مصادمته من أجسام حيوانيّة". وافترض في موضع آخر قريب هذا الاعتراض على لسان قارئه:" لعلّك تقول: هلاّ أمكن أن يبرأ القسم الثاني عن لحوق الشرّ؟". وأجاب عن الاعتراض إجابة منطقيّة، فبيّن أنّ هذا القسم لو برئ عن أن يلحقه الشرّ لكان شيئا آخر، فإنّه " في أصل وضعه ممّا ليس يمكن أن يكون الخير الكثير يتعلّق به إلاّ وهو بحيث يلحقه شرّ بالضرورة عند المصادمات الحادثة، فإذا برئ عن هذا فقد جعل غير نفسه فكأنّ النار جعلت غير النار والماء غير الماء". وذهب إلى أنّ ترك خلق هذا الصنف غير لائق بالجود الإلهي(83).

بناء على هذا التصنيف يمكن أن نستنتج أنّ الشرّ ضروري وأنّ ضرورته مزدوجة اقتضتها الصفات الإلهيّة ولا سيما صفة الجود من جهة ومنفعة العالم من جهة أخرى، وأنّ الاستغناء عنه يؤدّي إلى إبطال الكثير من الخير. وتعبيرا عن ذلك كلّه صرّح الشيخ الرئيس بأنّ الشرّ حاصل "على سبيل الوجوب واللزوم"(84)، وأكّد أنّ وجوده في الموجودات "ضرورة تابعة للحاجة إلى الخير" إذ لا يصحّ وجود ذلك الخير إلاّ بوجود الشرّ التابع له(85).

إلاّ أنّ الشرّ رغم ضرورته نادر. فأسبابه لا تقع إلاّ ضمن العالم السفلي أي عالم ما تحت فلك القمر، وهو عالم الإمكان المحض،" وجملة ما تحت القمر طفيف بالقياس إلى سائر الوجود". والشرّ - فضلا عن ذلك - إنّما يصيب أشخاصا معدودين من العالم السفلي وفي أوقات دون أوقات، فتبقى الأنواع محفوظة. وما يصيبها منه ليس الشرّ كلّه، بل نوع منه. وبالاعتماد على هذه الملاحظات لم يجد ابن سينا عناء في تقرير كون "الشرّ في أشخاص الموجودات قليلا"(86).

لا شكّ أنّ وصف الشرّ بأنّه ضرورة يعتبر من أقوى المبرّرات التي يمكن أن يقدّمها الفكر الفلسفي للظاهرة. لكنّ هذا التبرير لئن مثّل علاجا للمشكلة في وجهها النظري فإنّ من شأنه أن يقيّد يدي الإنسان ويمنعه من محاولة التخلّص منها. وهنا يتدخّل الفكر الديني ليسدّ الثغرة ويمنح المؤمنين طمأنينة لا يسعفهم بها النظر الفلسفي المحض.

إنّ الفكرة الأساسيّة التي تقوم عليها الرؤية السينويّة لمشكلة الشرّ هي أنّ الشرّ لازم لأنّه جزء من نظام العالم مخطّط له منذ البداية. انطلق الغزالي من هذه الفكرة الأساسيّة فدعّمها وأكسبها مزيدا من الوضوح والمعقوليّة. اعتبر الشرّ واجبا مقضيّا به، وما قضى الله به واجب الوقوع بعد سبق المشيئة (87). وردّ جميع الموجودات بحسب حظّها من الخير والشرّ إلى أربعة أصناف:

أ- ما هو خير محض لا يتصوّر أن يصدر منه شرّ، وهذا هو الأوّل أي الله، ووجوده واجب.

ب- ما يكون منه الخير أغلب وقد يصدر منه شرّ قليل، وهذا يقتضي الجود والحكمة الإلهيّان وجوده.

ج- ما يوجد منه الخير والشرّ لكنّ شرّه أغلب،وهذا حقّه أن لا يوجد،وهو غير موجود بالفعل.

د- ما هو شرّ محض، وهذا لا يمكن أن يصدر من الأوّل لأنّ الخير المحض لا يصدر منه الشرّ وإلاّ لم يكن خيرا محضا، وهو لذلك غير موجود ولا يمكن أن يوجد أصلا.

وما يثير مشكلة من هذه الأصناف هو الصنف الثاني، لأنّه الموجود الوحيد الذي يتضمّن شرّا ما(88). فكيف برّر الغزالي وجوده؟

أوّل ما برّر به حجّة الإسلام وجود الشرّ في العالم كونه بالإضافة إلى الخير قليلا بل نادرا. فهو غير موجود إلاّ في الأرض، ولو كان «عامّا في كلّ الأرض لكان قليلا إذ كلّ الأرض قليلا (كذا) بالإضافة إلى الموجود، فكيف والسلامة غالبة!». وإنّما الشرّ يوجد في حقّ بعض الحيوانات، وهي قليل بالإضافة إلى الأرض وما فيها. ثمّ إنّه لا يصيب تلك الحيوانات إلاّ في بعض أحوالها، وفي أكثرها تسلم. وبناء على هذه التدقيقات استنتج أنّ الشرّ غير واقع في العالم إلاّ على الندور(89).

لكن إذا كان الشرّ بهذه الندرة والمحدوديّة فَلِمَ لم يستغن الله عنه تماما فيخلقَ الموجودات كاملة مبرّأة منه؟ أيرجع ذلك إلى عجزه عن خلق الكامل أم إلى بخل في العطاء؟ ولأيّ سبب يرى الله الدنيا طافحة بالمحن والبلايا فلا يزيلها عنها وهو قادر على ذلك؟

ذهب الغزالي إلى أنّ مثل هذا الاعتراض لا يصدر إلاّ عن جاهل، واعتبره اعتراضا متناقضا لأنّ معناه أن لا يخلق الله هذا الصنف من الخير المتضمّن لبعض الشرّ. ذلك أنّ الصنف الذي هو خير محض قد وجد، ولم يبق في الإمكان إلاّ ما لا يتمحّض خيره وإنّما يكثر، وهذا يقتضي أن يكون فيه بعض الشرّ(90).

أرجع الغزالي الاعتراض على خلق هذا الصنف إلى قصور في عقل المعترض ونصحه بأن يتّهم نفسه قبل أن يقدم على اتّهام ربّه بالبخل أو اتّهام نظام العالم بالاختلال(91). ونفى أن يكون وجود الشرّ المحدود الذي هو ضرب من ضروب النقص دليل بخل وتقصير من الله، وأرجعه إلى نقص ذاتي في المخلوقات وإلى عدم قابليّتها أصلا لصورة أرقى. فـ " المادّة التي منها الذباب لو قبلت صورة أكمل من صورة الذباب لفاضت من واهبها، إذ لا بخل ثمّة ولا منع"(92). يوجد الشرّ إذن في بعض الموجودات بطبعها ولا يكون البتّة مفروضا عليها من الخارج.

ومن جهة ثانية أكّد الغزالي أنّه "ليس في الوجود شرّ إلاّ وفي ضمنه خير لو رفع ذلك الشرّ لبطل الخير الذي في ضمنه وحصل ببطلانه شرّ أعظم من الشرّ الذي يتضمّنه". واعتبر "التوسّل بالشرّ الخاصّ إلى الخير العامّ خير[ا] محضـ[ـا] لا ينبغي للخيِّر أن يهمله"(93). وهذا يجعل من الشرّ ضرورة أنطولوجيّة وأخلاقيّة في آن. فاجتماع الخير والشرّ في العالم على النحو الذي أراده الله هو الذي يحقّق أوفى منفعة وأكمل نظام، «وليس في الإمكان أصلا أحسن منه ولا أتمّ ولا أكمل. ولو كان وادّخره مع القدرة ولم يتفضّل بفعله لكان بخلا يناقض الجود وظلما يناقض العدل»(94).

إنّ الشرّ ضروري لأنّه طبيعي ولأنّه لازم لحصول الخير الذي في ضمنه. ومثاله النار، فإنّها عظيمة الفائدة وقد تؤذي لكنّ انعدامها يؤدّي إلى اختلال نظام العالم. ومثاله أيضا المطر الغزير، فإنّه يحيي الزرع وقد يخرّب بيوت الناس، "وليس يمكن خلق مطر يميّز في نزوله بين موضع وموضع فلا يقع على السطوح ويقع على الزرع". ففي المطر خير كثير لأجله لا يُعبَأ بما" يتولّد منه ويلزمه بالضرورة" من شرّ نادر، لأنّ توقّيه لا يتمّ إلاّ بأن لا يخلق الله المطر، وحينئذ يصير الشرّ عامّا. وبناء على ذلك قرّر الغزالي أنّ هذه الأمور " لو لم تكن لبطل بسبب فقدها خير كثير، ولا يمكن خلقها إلاّ ويلزم منها شرّ قليل"(95).

إنّ تبرير الشرّ باعتباره ضرورةً فكرةٌ سينويّة والأمثلة المضروبة لبيانها أمثلة سينويّة أيضا، إلاّ أنّ ذلك ليس مانعا لنا من اعتبارها ممثّلا حقيقيّا لفكر الغزالي. فالرأي الذي نذهب إليه في هذا المضمار أنّ كلّ فكرة أوردها حجّة الإسلام في كتبه بما في ذلك المقاصد والتهافت ولم يعارضها صراحة تعبّر عن رأيه ووجهة نظره.

بالرغم من قبول الغزالي بالمنطلقات الأشعريّة الأساسيّة المتعلّقة بالفعل الإلهي وبالأحكام التي تنطبق عليه حاول بصورة جدّيّة العثور على جواب عقلاني عن مشكلة الشرّ، فقد كان ذلك تتمّة ضروريّة لقوله بأفضل العوالم. وممّا شجّعه على البحث عن هذا الجواب بالإضافة إلى هذا الاقتضاء النظري تسليمه بأنّ النظر الصحيح إلى الأشياء مع الاستئناس بنور الله كفيلان بتذليل كلّ الصعوبات وتجلية الحقائق والأسرار.

والملاحظ أنّ الغزالي - وهذا ينطبق على ابن سينا أيضا- لم يعالج الشرّ في مستوى الحالات الفرديّة ولم يعمد إلى تغيير اسمه وإخفاء طبيعته وتبريره بما يعقبه من أعواض أخرويّة كما فعل المعتزلة لأنّ الشرّ غير قابل للتبرير في هذا المستوى، وإنّما برّره باسم النظام الكلّي الذي يقوم عليه بناء العالم. كان منطلق المعتزلة هو الحرّيّة والمسؤوليّة الفرديّتان، وكان منطلق الغزالي هو التسليم بالقضاء الإلهي المجسِّد لحكمة الله وعلمه السابق بحقائق الأمور. وهذا يعني أنّهما يتّفقان في أصل التبرير، لكنّهما يختلفان في منطلقاته ونتائجه.

اتّبع اللاهوتيّون المسيحيّون في تبرير وجود الشرّ عدّة مسالك حرصوا من خلالها على تبرئة الله كلّيّا من إرادته والتخطيط له والمساعدة على خلقه. عمد كلّ من أغسطين وطوما إلى تبرير الشرّ بما يتضمّنه من خير(96)، وكان منهجهما في ذلك أشبه بمنهج ابن سينا والغزالي. وسلك آخرون مسلكا مخالفا لمسلكهما لأنّهم رموا إلى تبرير نوع آخر من أنواع الشرّ هو ذاك الذي يعبّر عنه النقص الكامن في بعض الموجودات.

تمثّلت المشكلة عند هذا الفريق -ومن أبرز ممثّليه الإسكندر الهالي (1170-1245م) (Alexander of Hales)- في خلق الله بعض الموجودات ناقصة مع قدرته على خلقها على نحو أفضل. وتمثّل الحلّ الذي اقترحوه في التساؤل أوّلا عن المقصود بلفظ "أفضل"، وحصروا معناه في شيئين: أفعال الله ومقدوراته. ثمّ قسّموا الجواب إلى افتراضين: الأوّل إن كان المقصود بالأفضل هو أفعال الله وجب القول إنّ الله لا يمكنه أن يفعل بطريقة أفضل ممّا فعل، أي بحكمة أو خيريّة أو قدرة أفضل لأنّ الإقرار بخلاف ذلك يجعله بخيلا. والثاني إن كان المقصود بالأفضل مقدورات الله فإنّه يجوز القول إنّها قابلة لأن تكون أحسن ممّا خلقت عليه، وفائدة هذا الافتراض الثاني أنّه يحصر مشكلة الشرّ في الوجود المخلوق ويبرّئ الله منها.

لكـــنّ هــــذا الحلّ لــــم يرض لاهوتيّين آخريــن مثل ألبير الـكبير (1193- 1280) (Albert Le Grand) وتلميذه القدّيس طوما، فبحثوا عن حلّ ثان أكثر اتّساقا وأناقة استمدّوه من فكرة التمييز بين ما هو جوهري وما هو عرضي في الأشياء. فما كان منها جوهريّا قالوا بتعذّر أن يكون على وجه أحسن لأنّ أيّ تغيير في هذا المستوى يؤدّي إلى تبديل طبيعة الشيء بحيث يصبح شيئا آخر، وما كان منها عرضيّا جاز أن يكون أفضل ممّا هو عليه. مثال ذلك أنّ الفرد الواحد من الناس يجوز أن نتصوّره أقوى وأذكى وأفصح ممّا هو عليه، ولكن لا يجوز أن نتصوّره "حيوانا أعقل" لأنّ كونه حيوانا عاقلا هو طبيعته الجوهريّة التي إن غيّرناها لم يعد إنسانا(97).

إنّ هذا الحلّ أكثر نجاعة من سابقه لأنّه تمكّن من تبرير وجود جميع أجناس الموجودات رغم تفاوت أقدارها ومراتبها لكنّه عاجز عن تفسير خلق الله كثيرا من الموجودات ذوات النقائص العارضة التي كان بالإمكان تلافيها. ولعلّ هذه المحدوديّة التي لاحظناها في جميع الحلول المقترحة من قبل المسلمين والمسيحيّين للمشكلة تؤكّد أنّ الشرّ غير قابل للتبرير على نحو جذري، وهو ما يفسّر إقدام بعضهم على تعديل نظرتهم إلى الشرّ العقائدي المنتشر في العالم.

فقد أفضى بالغزالي إقراره بأنّ الشرّ عنصر محدود لا وجود له إلاّ ضمن خير أعمّ إلى تجاوز الرؤية المذهبيّة الضيّقة المميّزة للفرق والمذاهب التقليديّة التي تعتبر المخالفين ضالّين أو مبتدعة. فليس ثمّة شرّ محض وضلال صرف، وهذا ما ترجمه عمليّا بانفتاحه على مختلف المذاهب وتجاوزه التعصّب المذهبي، وعبّر عنه نظريّا في المشكاة خصوصا بالاعتراف بانتماء الجميع على مراتب مختلفة إلى دائرة الحقّ والنور، لم يستثن من ذلك حتّى عبدة الأوثان وأنصار التجسيم الفاحش. وأقرّ القدّيس طوما بأنّ العناية الإلهيّة لا تغادر حتّى الكفرة، فهي تحفظ عليهم وجودهم على الأقلّ - وهو خير-، ولو غادرتهم كلّيّا لانعدموا من تلقاء أنفسهم(98).

إنّ تبرير الشرّ بما يتضمّنه من خير فكرة عامّة في كلّ تيولوجيا عقليّة وليست خاصّة بالمسلمين. وهذا التشابه بين المفكّرين من مختلف المشارب والأديان يؤكّد وحدة الحلول التي ذهب إليها الفكر الفلسفي الوسيط للتغلّب على المعضلات الميتافيزيقيّة الكبرى التي واجهته. ولكن هل يتسنّى التفكير في الشرّ على أنّه شرّ إذا كنّا نراه ضروريّا وإيجابيّا ونعتبره شرطا لوجود الكثير من الخير؟ هل يمكن اعتباره شرّا إذا كنّا لا نرفضه ولا ندينه بل نبرّره؟

لم يجادل الغزالي في أنّ الموجودات بعضها كامل وبعضها ناقص وفي أنّ بعضها خير من بعض، ولم ير في ذلك خللا أو ظلما أو شرّا لأنّ كلاّ من الخير والشرّ ضروري أحدهما لوجود الآخر ولا يُتصوّر أصلا وجود الأوّل مع غياب الثاني، "إذ لولا الليل لما عرف قدر النهار ولولا المرض لما تنعّم الأصحّاء بالصحّة ولولا النار لما عرف أهل الجنّة قدر النعمة... وما لم يخلق الناقص لا يعرف الكامل ولولا خلق البهائم لما ظهر شرف الإنس، فإنّ الكمال والنقص يظهر بالإضافة"(99) .

قدّم الغزالي في هذا الشاهد المهمّ تبريرا فلسفيّا للشرّ يستند إلى مبدأ دقيق يمكن وسمه بمبدإ تضايف الخير والشرّ، أقامه على أساس موقف أنطولوجي يعتبر حقيقة هذين العنصرين إضافيّة بحيث لا يكون لأحدهما معنى إلاّ إذا وجد الآخر لأنّه إنّما يتحدّد بالتعارض معه، كما أقامه على أساس موقف أخلاقي يرى في تلازمهما شرطا يقتضيه الجود والحكمة الإلهيّان. فكلّ ما قسّمه الله بين عباده من سرور وحزن وعجز وقدرة وإيمان وكفر... "عدل محض لا جور فيه وحقّ صرف لا ظلم فيه، بل هو على الترتيب الواجب الحقّ على ما ينبغي وكما ينبغي وبالقدر الذي ينبغي"(100).

لم يكن الغزالي أوّل من قال بهذا المبدأ، بل سبقه إليه الفيلسوف الرواقي خروسيبس(281-205 ق م) (Chrysippe) صاحب الكتاب الضائع في العناية حيث استدلّ على هذا الرأي بكون فكرة العدالة مثلا لا يمكن أن توجد إلاّ إذا وجد نقيضها أي الأعمال الظالمة وكذلك الأمر في الشجاعة والجبن والسعادة والشقاوة والحزن والفرح، إلخ. واعتمد بدوره في ذلك على بعض ما كتبه أفلاطون لا سيما في كتابه ثياتيتوس (Théétète, 176a). وقال بهذا المبدإ إبرقلس(ت485م) (Proclus) أيضا، وذلك في شرحه لمحاورة طيماوس (Timée,30a) وهي أحد كتب أفلاطون.

ومن التيولوجيّين المسيحيّين قال به القدّيس طوما الإكويني، ولكن في معرض إثبات علم الله بالشرّ علمَه بالخير، لا في معرض إثبات وجود الشرّ نفسه، وإن كان هذا أيضا مسلّما عنده(101). وكان معتمده في إثبات تعالق الخير والشرّ بعض أقوال أرسطو الواردة في كتابه عن النفس (De Anima, III).

لكنّ أرسطو لم يقبل في كتابه المقولات (Catégories, 14a. 8-3) بناء على اعتبارات منطقيّة محض بالربط بين الأمرين، ورأى في تأكيد التلازم بين الأضداد كالأبيض والأسود والفقير والغني خلطا بينها وبين الأزواج المتلازمة كاليمين واليسار والشمال والجنوب. ففي الضرب الثاني لا يفهم أحد العنصرين إلاّ بافتراض العنصر المقابل له والإحالة عليه، وليس هذا ينطبق على الضرب الأوّل لأنّ الأضداد لا يقتضي بعضها البعض الآخر. فقولنا: "كلّ ما خلقه الله كامل" يدلّ على أنّ "بعض ما خلقه الله" كامل لأنّ ما ينطبق على الكلّ ينطبق على الجزء، ولا يدلّ على ضدّه وهو قولنا: "بعض ما خلقه الله ناقص". وعبارتا "بعض ما خلقه الله كامل" وبعض "ما خلقه الله ناقص" تتلاءمان تماما ويمكن أن تصحّا معا، لكنّ إحداهما لا تقتضي الأخرى اقتضاء منطقيّا(102). ولا شكّ أنّ عدم أخذ هذه الملاحظات الأرسطيّة بالاعتبار يدلّ على أنّ القائلين بتعالق الخير والشرّ لم يعتمدوا في تقريراتهم على منطق أرسطو بقدر ما اعتمدوا على الأفلاطونيّة والمنطق الرواقي.

      كيف انتهى القول بتعالق الخير والشرّ إلى الغزالي؟

ردّ أورمسباي (E. Ormsby) قول حجّة الإسلام بهذا المبدإ إلى تأثّره المحتمل بالمصادر الرواقيّة والأفلاطونيّة وبأنباذقليس (Empédocle) (القرن 5 ق م) الذي كان بإمكان المسلمين في رأيه الاطّلاع على أفكاره بفضل ما أورده أرسطو منها في كتابه ما بعد الطبيعة (Métaphysique, 985a. 6-7, 1075a. 20) (103). ولاحظ أنّ عبارات الغزالي المتعلّقة بأحسن العوالم قريبة من العبارات الواردة في طيماوس، وهو أحد كتب أفلاطون، ورأى أنّ اطّلاعه على الكتاب ممكن من خلال ترجمة حنين بن إسحاق لتلخيص جالينوس له(104).

ولسنا ننكر إمكانيّة أن يكون تفسير أورمسباي صحيحا، إلاّ أنّنا نفضّل عليه تفسيرا آخر أقرب إلى الواقع لم يشر إليه المستشرق الأمريكي، يتمثّل في تأثّر الغزالي بالكلام المعتزلي وبفلسفة ابن سينا. وحجّتنا في تفضيل هذا التفسير التشابه الكبير بين أفكار الغزالي وأفكار المعتزلة والشيخ الرئيس في الموضوع وعدم قيام أيّ شكّ بشأن اطّلاع الغزالي عليها اطّلاعا جيّدا.

كان الجاحظ يسلّم بفكرة تكامل أجزاء العالم وحاجة الكلّ إلى جميع أبعاضه وخضوع كلّ منها لما يخضع له صاحبه رابطا بين الاختلاف والحكمة، لكنّه أجرى هذا الربط من جهة المصلحة العمليّة لا من جهة الاقتضاء المنطقي. وتعبيرا عن هذا الموقف أكّد أنّ الموجودات كلّها نافعة بما فيها الموجودات ذات الضرر لأنّ ضررها في النهاية يرجع إلى أعظم المنافع. وفسّر خلق الله الموجودات أنواعا وتقسيمه إيّاها إلى ما نَفْعُه في لذّته وإلى ما نفعه في ألمه بإرادته أن يكون النفع مختلف الألوان متعدّد الطرق. فبسبب ذلك كان منها الملذّ والمؤلم والمؤنس والموحش والصغير الحقير والجليل الكبير والصديق والعدوّ... و"جعل في الجميع تمام المصلحة وباجتماعها تتمّ النعمة وفي بطلان واحد منها بطلان الجميع قياسا قائما وبرهانا واضحا، فإنّ الجميع إنّما هو واحد ضمّ إلى واحد وواحد ضمّ إليهما، ولأنّ الكلّ أبعاض ولأنّ كلّ جثّة فمن أجزاء، فإذا جوّزت رفع واحد والآخر مثله في الوزن وله مثل علّته وحظّه ونصيبه فقد جوّزت رفع الجميع"(105).

أمّا ابن سينا فاعتبر وجود الخير والشرّ معا شرطا ضروريّا لانتظام أمر العالم، وذهب إلى أنّ هذا العالم لولا أنّه "مركّب ممّا يُحدث فيه الخيرات والشرور ويتحصّل من أهله الصلاح والفساد جميعا لما تمّ للعالم نظام"(106). إنّ للشرّ في نظره دورا مهمّا يتمثّل في تأسيس المقابلة بين زوجي الوجود: عالم النقص والإمكان والفساد وعالم الكمال والفعل والبقاء. فهو الذي يعطي للخير معناه الكامل، وهو من هذه الجهة بالذات ضروري للعالم. وفي هذا الإطار أكّد الشيخ الرئيس أنّ وجود الشرّ في أفراد الموجودات "ضرورة تابعة للحاجة إلى الخير فإنّ هذه العناصر لو لم تكن بحيث تتضادّ وتنفعل عن الغالب لم يمكن أن تكون عنها هذه الأنواع الشريفة"(107).

إنّ تساوي مكوّنات العالم من الناحية الأنطولوجيّة ومن جهة علاقتها بالصفات الإلهيّة هو الذي يجعلها جميعا ضروريّة. فوجود الشرّ مكافئ لوجود الخير مساو له لأنّ ذلك هو الذي يحقّق الإطار المناسب للاختيار الإنساني. تلك هي زاوية نظر المعتزلة إلى المشكلة وطريقتها في تبرير الشرّ، وهي زاوية أخلاقيّة عمليّة. أمّا زاوية نظر الغزالي ومعه ابن سينا فهي زاوية أنطولوجيّة لأنّ ما شغله من أمر الشرّ هو انعكاسه على نظام العالم وترتيبه وعلى فكرة أفضل العوالم. ويبيّن هذا الاختلاف أنّ حجّة الإسلام لم يكن يحافظ على الإطار النظري الأصلي للأفكار التي يستعيرها وإنّما كان يعمل على إدراجها في إطار نظري جديد، وهو ما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى تعديل جوهري في دلالتها الأصليّة. وأمّا زاوية نظر اللاهوتيّين المسيحيّين فتجمع بين البعدين وتؤلّف بينهما. 

      الخاتمة

ما الذي جعل من مشكلة الشرّ قضيّة فلسفيّة لا مجرّد سلوك خاطئ يتطلّب عقابا وتصحيحا كما يرى الفقهاء والمصلحون؟ إنّ السبب في ذلك هو تخطّي ظاهرة الشرّ مجال الأفعال البشريّة وتسلّلها إلى ظواهر الطبيعة الحيّة وغير الحيّة، وهذا يجعلها في علاقة مباشرة بالصفات الإلهيّة المسؤولة عن خلق العالم وتوجيه نظامه. وأيّا كانت الاتّجاهات التي ذهب إليها المسلمون القدامى في مقاربة الظاهرة فإنّ ما استعرضناه دليل على اعتراف أغلبهم بوجود مشكلة وعلى تصدّيهم لحلّها بالأدوات التي كانت في حوزتهم. إلاّ أنّهم بسبب منطلقاتهم الميتافيزيقيّة وغاياتهم الدفاعيّة لم يهتمّوا بالشرّ من حيث هو مشكلة إنسانيّة ينتجها المجتمع وتولّدها السياسة. اتّهموا الإنسان بأنّه فاعل بعض الشرور لكنّهم لم يبحثوا في الأسباب الموضوعيّة التي تحثّه على فعلها، وردّوا الظاهرة إلى أسباب أخلاقيّة محضة أو اعتبروها مكوّنا طبيعيّا من مكوّنات العالم. وإذا لم يتواصل الاهتمام في الثقافة العربيّة الحديثة بهذه المشكلة فلأنّ الفكر الفلسفي والميتافيزيقي في هذه الثقافة لم يتواصل أو اتّخذ وجهة ابتعدت شيئا فشيئا عن التأمّل في العالم ونظامه، وفي المقابل استمرّ الاهتمام بها في نطاق الثقافة اليهوديّة-المسيحيّة حتّى الأزمنة الحديثة(108).

لماذا تجنّب الغزالي المقاربة الأخلاقيّة والسياسيّة لمشكلة الشرّ وأخذ بالمقاربة الأنطولوجيّة؟ الأقرب أنّ ذلك يرجع إلى أصوله الأشعريّة وإلى انفتاحه الواسع على الفلسفة السينويّة. فكلتا الجهتين ترفض تعليل الأفعال الإلهيّة، إلاّ أنّ إحداهما تقبل بها كما هي والأخرى تضعها في إطار فكرة النظام الضروري.

إنّ نظرة الأشاعرة إلى العالم مجرّدة من كلّ أخلاق إذ الأخلاق في نظرهم ليست شيئا كامنا في الوجود. لم يعترفوا في الأشياء بقيمة أخلاقيّة ذاتيّة، بل اعتبروا القيمة عنصرا غريبا عنها يضاف إليها من ذات المتعرّض للفائدة والضرر -أي الإنسان- أو من المشرّع باعتباره محدّدا للحقيقة الميتافيزيقيّة وللناموس الذي تسير عليه الجماعة، أي النبي ومن ورائه الله. أمّا الفلاسفة فنظروا إلى العالم باعتباره نظاما شديد الترابط يجد كلّ عنصر فيه تفسيره في مبدإ النظام نفسه، واعترفوا بوجود الشرّ في بعض المخلوقات الجزئيّة لكنّهم أنكروا إمكان وجوده في النظام مميّزين بين المخلوقات الفرديّة التي قد يتطرّق إليها الشرّ بالعرَض والنظام الكلّي الذي هو خِلو من كلّ الشرّ(109).

ولهذه النظرة المزدوجة إلى الشرّ نتائج معرفيّة وعمليّة مباشرة، فهي تقود إلى تغليب العرفان على المعرفة الطبيعيّة والعقليّة، وتؤدّي إلى اعتبار جميع الشرور الواقعة مهما كان مصدرها مبرَّرة بل مفيدة وضروريّة لأنّها جزء من نظام محكم وضروري يخضع له العالم، وإلى أنّ افتراض أيّ تغيير فيها يؤدّي إلى الاختلال والفساد.

وما يمكن استخلاصه من المقارنة بين المقاربة الإسلاميّة والمقاربة المسيحيّة لمشكلة الشرّ أنّ مجمل الحلول التي انقاد إليها الإسلاميّون تذهب في اتّجاه التقليل من خطورة المشكلة. فلم يوافقوا المسيحيّين في كونها من الخطورة بحيث يحتاج الله ليخلّص الناس منها إلى إرسال ابنه إلى الأرض، وكان همّهم الأكبر تنزيه الله عن النقص والمطاعن لا إنقاذ العالم من مشكلة الشرّ. وقد أدّى تقليلهم من شأنها إلى عدّها جزئيّة من جزئيّات النظام ومظهرا من مظاهر العدل والحكمة الإلهيّين، وبسبب ذلك لم ينشأ لديهم وعي مأسوي بالشرّ. وربّما كان أقصى ما أنتجته الثقافة الإسلاميّة القديمة في هذا الباب لا يتجاوز زندقة ابن الراوندي وثورته على القضاء الإلهي وحيرة المعرّي وشكّه. بينما أنتجت الثقافة المسيحيّة -وإن لم تعد تتسمّى بهذا الاسم- نقدا فلسفيّا عميقا وسخرية لاذعة ساهم فيهما عديد المفكّرين والفلاسفة، مثل فولتير وكونت وماركس ونيتشه.

&&&

المراجع المعتمدة في هذا المقال

أ- المراجع بالعربية

1. إخوان الصفاء، الرسائل، ت.عارف تامر، منشورات عويدات، بيروت-باريس،ط1، 1995.

2. الأشعري أبو الحسن (ت324)، مقالات الإسلاميّين=مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين، ت. هلموت ريتر، دار النشر فرانز شتاينر، فيسبادن، ط3، 1980.

3. الإكويني القدّيس طوما (ت1274م)، الخلاصة اللاهوتيّة، تع. بولس عوّاد الخوري، دار صادر، بيروت، د. ت.

4. الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر (ت255)، الحيوان، ت. عبد السلام محمّد هارون، دار الجيل، بيروت، 1988.

5. ابن رشد أبو الوليد محمّد(ت595)، تلخيص ما بعد الطبيعة، ت. عثمان أمين، ط. مصطفى البابي الحلبي، القاهرة 1958.

6. ابن سينا الشيخ الرئيس الحسين أبو علي(ت 428)، الإشارات والتنبيهات، ت. سليمان دنيا، دار المعارف، ط3، القسم الثالث: الإلهيّات، سلسلة ذخائر العرب، عدد 22.

7. نفسه، الرسالة العرشيّة، ضمن رسالة في الفعل والانفعال وأقسامهما، دار المعارف العثمانيّة، حيدر آباد الدكن، ط1، 1353.

8. نفسه، رسالة في سرّ القدر، نشرها جورج حوراني في:

Zeitschrift für arabische Linguistik, Heft 15, 1985, Wiesbaden، ص.27-31.

9. نفسه، رسالة في القدر، ضمن رسالة في الفعل والانفعال وأقسامهما.

10. نفسه، النجاة= النجاة في الحكمة المنطقيّة والطبيعيّة والإلهيّة، دار الآفاق الجديدة، بيروت، د. ت.

11. الحلاّج الحسين بن منصور(ت309)، ديوان الحلاّج وأخباره وطواسينه، جمع سعدي ضنّاوي، دار صادر، بيروت، ط1، 1998.

12. عبد الجبّار أبو الحسن بن أحمد قاضي القضاة(ت415)، شرح الأصول الخمسة، ت. عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1965.

13. نفسه، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المخالفين، ت. فؤاد سيّد، الدار التونسيّة للنشر، ط2، 1986.

14. نفسه، المغني= المغني في أبواب التوحيد والعدل، ت. جماعي، الدار المصريّة للتأليف والترجمة.

    الغزالي حجّة الإسلام محمّد أبو حامد(ت505)، إحياء علوم الدين، ت. سيّد إبراهيم، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1992.

15. نفسه، الاقتصاد في الاعتقاد، دار ومكتبة الهلال، ط1، 1993.

16. نفسه، تهافت الفلاسفة، ت. موريس بويج، المطبعة الكاثوليكيّة، بيروت، 1927.

17. نفسه، القسطاس المستقيم، ت. فيكتور شلحت، دار المشرق، بيروت، ط2، 1983.

18. نفسه، مشكاة الأنوار، ت. أبي العلاء عفيفي، الدار القوميّة للطباعة والنشر، القاهرة، 1964.

19. نفسه، مقاصد الفلاسفة، نشر محيي الدين صبري الكردي، مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1331.

20. نفسه، المقصد= المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، ت. فضله شهادة، دار المشرق، بيروت، 1986.

21. الماتريدي أبو منصور محمّد السمرقندي (ت333)، كتاب التوحيد، ت. فتح الله خليف، دار المشرق، بيروت، ط 2، 1986.

ب- المراجع الأعجميّة

1. Bottero Jean, Magie et médecine à Babylone, dans Initiation à l’orient ancien de Sumer à la Bible, plusieurs, éd. du Seuil, 1992.

2. Journet Charles, Dieu et le mal = Dieu et le mal.  Aspects métaphysiques du problème, Revue Thomiste, Janvier-Mars, 1959, p.213-269. 

3. Kant Emmanuel, Leçons de métaphysique, Paris, éd. de poche, coll. Classiques de la philosophie, 1993.

4. Leibniz G. W., Essais de Théodicée, Garnier-Flammarion, Paris, 1969.

5. Menzel Th., Yazîdî, in First Encyclopaedia of Islam, vol. VIII, p1165.

6. Ormsby Eric L., Theodicy = Theodicy in islamic thought. The dispute over al-Ghazâlî’s "best of all possible worlds", Princeton University Press, 1984.

7. Platon, Œuvres complètes, t2, trad. par Léon Robin, Bibliothèque de la pléiade, éd. Gallimard, 1950.

8. Spinoza Benoît De, Court traité : Sur Dieu, l'homme et la santé de son âme, trad. Charles Appuhn, Garnier frères-Flammarion, Paris, 1964.

9. Thomas d'Aquin, Somme contre les gentils, trad. du latin par R. Bernier..., éd. du CERF, Paris, 1993.

10. Van Ess Josef, Une lecture à rebours de l’hitoire du mu’tazilisme, R.E.I., t46, fas. 2, 1978, p.163-240 ; t47, fas1, 1979, p.19-69.

الهوامش:

1 - J. Bottero, Magie et médecine à Babylone, p.211.

2-  للحصول على معرفة شاملة بشخصيّة إبليس/الشيطان ووظيفته في الثقافة الإسلاميّة، راجع:

Peter J. Awn, Satan's tragedy and redemption : Iblîs in sûfî psychology, Brill, Leiden, 1983.

3-  انظر نقدا تفصيليّا لمذهب الثنويّة في الخير والشرّ عند: عبد الجبّار، المغني، ج5، ص. 22-44.

4-  انظر تعريفا تفصيليّا بهاتين النظريّتين في الفصل الثالث من الباب الثاني من رسالتنا المخطوطة والتي بعنوان: عالم الغيب وصلته بعالم الشهادة في الفكر الأشعري، الغزالي أنموذجا. وعنوان الفصل المذكور: أفضل العوالم الممكنة، ص.191-249.

5- الحلاّج، الطواسين (طاسين الأزل والالتباس)، ص. 156-160.

6 - Th. Menzel, Yazîdî, in First Encyclopaedia of Islam, vol. VIII, p1165.

وكان لأصحاب الشريعي  –وهم من غلاة الشيعة- اعتقاد شبيه من بعض الوجوه باعتقاد اليزيديّة، وذلك لقولهم بوحدة الأضداد وبحلول الله فيها. الأشعري، مقالات الإسلاميّين، ص.15.

7- الخيّاط، الانتصار، ص. 64-65؛ الأشعري، مقالات الإسلاميّين، ص.246، 574؛ البغدادي، الفرق بين الفرق، ص156؛ الشهرستاني، الملل والنحل، ص.65.

- 8B. de Spinoza, Court traité : De Dieu, de l'homme et de la santé de son âme, p.96, 152-153.

9- عبد الجبّار، المغني، ج14، ص.41.

10- نفسه، ص. 41-42.

11- نفسه، ج11، ص.78.

12- نفسه، ص. 78-79.

13- نفسه، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص.179.

14- الأشعري، مقالات الإسلاميّين، ص.245، 537.

15- نفسه، ص.249.

16- ابن سينا، رسالة في القدر، ص.3.

17- نفسه، النجاة، ص.265. وكان اعتبار الشرور عدم خيرات معيّنة واعتبار الشرّ المحض بطلانا لنظام العالم واضمحلالا لوجود الخلائق فكرة معروفة لدى إخوان الصفاء أيضا. انظر: الرسائل، ج3، ص.388.

18- الغزالي، تهافت الفلاسفة، ص.160.

19- " فالشرّ لا ذات له، ولكنّ الوجود هو خير محض والعدم شرّ محض وسبب الشرّ هو الذي يهلك الشيء أو يهلك كماله" . نفسه، مقاصد الفلاسفة، ص.227.

20- نفسه، تهافت الفلاسفة، ص.160، 162.

21- قال طوما الإكويني:" ليس يقال لموجود شرّ من حيث إنّه موجود، بل من حيث يخلو عن وجود ما، كما يقال للإنسان شرّير من حيث يخلو عن وجود الفضيلة". وقال أيضا: " والشرّ إنّما ينعدم به وجود ما كما ينعدم بالعمى وجود النظر".الخلاصة اللاهوتيّة، القسم الأوّل، المبحث الخامس، الفصل الثالث، الجواب الثاني (المجلّد1، ص.62)؛ الفصل الخامس، الجواب الثالث (المجلّد1، ص.67)؛

   Thomas d'Aquin, Somme contre les gentils, p.132, 402-40     انظر أيضا:                                                      Journet, Dieu et le mal, p215-216.

22 - Thomas d'Aquin, Somme contre les gentils, p.414, 420.

23- "la privation n'est pas une essence, elle est au contraire une négation dan une substance". Id., p. 405.

     لكنّ هذا الرأي عارضه بشدّة الفيلسوف الوثني أفلوطين(ت270م) ولم يتردّد في إثبات وجود الشرّ باعتباره جوهرا    في ذاته. Plotin, Ennéades, I, 8, 3, 1-40

24 -Thomas d'Aquin, Somme contre les gentils, p.40.

    وقد بدا لنا طوما متردّدا في هذه المسألة، فقد اعترف خلافا لما أوردناه عنه آنفا بأنّ الشرّ الذي يقع في الطبيعة لا بالقصد - مثل ولادة الأطفال المشوّهين- شرّ مطلق. نفسه، ص.403-404.

- 25Id., pp406, 420 ; Journet, Dieu et le mal, p.217-218.

- 26 Thomas d'Aquin, Somme contre les gentils, p.411.

27 - Leibniz, Essais de Théodicée, I, §21, II, 116.

28- عبد الجبّار، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص.179.

29 - نفسه، شرح الأصول الخمسة، ص. 461-463. وقال في المغني، ج9، ص.16، " ثبت أنّ القديم تعالى لا يجوز أن يختار فعل القبيح لكونه عالما بقبحه وبأنّه غني عن فعله".

30- نفسه، المغني، ج6/1، ص.207.

31- نفسه، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص.178-180.

32- من ذلك أنّ الاعتراف بدخول الشرّ في التقدير لا يعني الاعتراف بأنّ الله خلقه، بل يعني أنّه بيّن أحكامه أو أخبر عنها كما تدلّ عليه الآية:« إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغَابِرِينَ» (النمل27/57). نفسه، ص 179-180. وانظر تأويل أبي علي الجبّائي والقاضي عبد الجبّار لعدد من الآيات والمأثورات التي يوحي ظاهرها بأنّ الله هو خالق الإيمان والكفر والحسنات والسيّئات والصالح والطالح من الأعمال والخير والشرّ، على نحو يبرّئ الله من فعل الشرّ والفساد والسوء والظلم وكلّ ما هو قبيح في العقل. المغني، ج8، ص.310-322.

33- نفسه، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص. 174-175.

34- نفسه، المغني، ج8، ص. 322-323. وانظر رأي أبي هاشم الجبّائي فيما يجوز أن يسمّى به الله وما لا يجوز ممّا له صلة بالخير والشرّ، واعتماده في ذلك على مجرّد التحليل اللغوي: نفسه، ص. 324-325.

35- الأشعري، مقالات الإسلاميّين، ص.245.

36- عبد الجبّار، المغني، ج14، ص.42.

37- نفسه، ص.41-42.

38- ابن فورك، مجرّد، ص. 71-72، 280-281.

39- الماتريدي، كتاب التوحيد، ص.170.

40-  « ولا يوصف بأنّ فعله خير أو شرّ لأنّه موصوف بفعله، ولم يقل هو خيّر ولا شرّير» . نفسه، ص.170. وانظر الفهم الأشعري التقليدي للعدل والظلم مطبّقين على الله وعلى الإنسان في: البغدادي، أصول الدين، ص.131-133.

41- الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، ص.205.

42- نفسه، ص135؛ إحياء علوم الدين، ج1، ص.59، 178. 

43- نفسه، الاقتصاد في الاعتقاد، ص.201.

44- نفسه، المقصد، ص67؛ مقاصد الفلاسفة، ص.226.

45- عبد الجبّار، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص.179.

- 46"L'objet de la volonté étant en effet le bien qui est saisi par l'intelligence, la volonté ne peut se porter au mal à moins que ce mal ne lui soit proposé d'une certaine manière comme un bien, ce qui ne peut se faire sans qu'il y ait erreur. Or il ne peut y avoir d'erreur dans la connaissance divine. La volonté de Dieu ne peut donc tendre au mal". Thomas d'Aquin, Somme contre les gentils, p167.

- 47"Ce qui n'est pas ne peut rien causer. Toute cause par conséquent doit être un être. Or le mal, nous l'avons prouvé, n'est pas un être. Si donc le mal a quelque cause, celle-ci ne peut être que le bien". Id., p.410-411.

48-  قال الإكويني على لسانهم: « يظهر أنّ الله ليس موجودا لأنّه متى كان أحدُ الضدّين غير متناه يلزم عدم الآخر بالكلّيّة، والله يراد به خير غير متناه، فلو كان موجودا لم يكن شرّ، لكنّ الشرّ موجود في العالم، فإذن ليس الله موجودا». الخلاصة اللاهوتيّة، القسم الأوّل، المبحث الثاني، الفصل الثالث، الاعتراض الأوّل (المجلّد1، ص32).

49- الماتريدي، كتاب التوحيد، ص.17، 22، 109.

50- عبد الجبّار، المغني، ج6/1، ص.128.

51- نفسه، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص .180-181؛ شرح الأصول الخمسة، ص.506-507.

52- الجاحظ، الحيوان، ج3، ص.300-302. وذهب الماتريدي أيضا هذا المذهب في تعليل خلق الله الحيّات والجواهر الضارّة، لكنّه اعترف بقصور العقول عن إدراك كنه الحكمة الإلهيّة في خلقها. كتاب التوحيد، ص.108، 170.

53- عبد الجبّار، شرح الأصول الخمسة، ص.507؛ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص.180. ولخّص قاضي القضاة ما في المرض من فائدة بالقول:« لأنّ الرجل إذا مرض كان أقرب إلى أن يتّقي المعاصي خوف النار وإلى فعل الطاعات رغبة في الجنّة» . شرح الأصول الخمسة، ص.88. وكان من أوّل من أبرز هذه الفائدة من المعتزلة بشر بن المعتمر في بعض قصائده. انظر: الجاحظ، الحيوان، ج6، ص.291. وكان الجاحظ.من القائلين بها أيضا. نفسه، ج2، ص. 115-116.

54- الجاحظ، الحيوان، ج3، ص.303-304.

55- نفسه، ج1، ص204. انظر أيضا: ص.205؛ ج3، ص.300. وهذا المعنى أثبته بشر بن المعتمر شعرا، فقال: (الرجز)

والحَشَرَاتُ الغُبْرُ مُنْبَثَّةٌ   ***   بَيْنَ الوَرَى وَالبَلَدِ القفْـرِ

وَكُلُّهَا شَرٌّ، وَفِي شَرِّهَا   ***   خَيْرٌ كَثِيرٌ عِنْدَ مَنْ يَدْرِي

       ج6، ص296. وانظر تعليق الجاحظ على البيتين ص.406، وتلخيصه لمعظم منافع الشرّ: ج3، ص.304.

56- القاضي عبد الجبّار، شرح الأصول الخمسة، ص.507.

57-الجاحظ، الحيوان، ج2، ص. 115-116.

58- " فأمّا استحقاق الواحد منّا للأجرة على عمله فهو من باب الأعواض والأبدال لأنّه لا فرق بين أن يبيعه ثوبا بدينار فيكون الدينار بدلا من الثوب الذي أخرجه من مِلكه وفوّت [ على] نفسه الانتفاع به وبين أن يفعله بعمله ويأخذ ما يقابله من المنافع... فلا فرق بين أن يملّكه الثوب لينتفع به وبين أن يبني له دارا لينتفع بها في باب أنّه نافع له في الحالين، فيصحّ أن يأخذ عليه بدلا في الوجهين جميعا". عبد الجبّار، المغني، ج11، ص.82.

59- ذهب الماتريدي إلى أنّ الذي أوجب » في الحكمة خلق الجواهر المؤذية والمناظر القبيحة وخلق الآفات في الحواسّ« هو اختلاف عقائد البشر وأنظارهم. فبعضهم سلّم بالغيب واختار الطاعة وبعضهم تجاهل واتّبع الشهوات،» فإذا لم يخلق فيما يقع على الحواسّ ما ذكرنا لم يعرفوا القبح من الحسن ولا المؤذي من النافع، وإذا لم يعقلوا ذلك لم يحتمل عقولهم درك القبيح من الحسن ولا المؤذي من الملذّ، فخلق كذلك ليمثّلوا بما تقع عليه الحواسّ ما لا تقع عليه ليصير كلّ معتقد غاب عن البصر على ما عليه معروفا بما يشاهده«. كتاب التوحيد، ص.170.

60- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج4، ص.398.

61- وضرب لذلك مثال إتعاب الإنسان قدميه بالتنزّه من أجل أن تتمتّع عيناه. نفسه، مسائل في معرفة الله، ص.221.

62- ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، ص.313.

63-  « بل كلّ فقر وضرّ في الدنيا فهو نقصان من الدنيا وزيادة في الآخرة، وكلّ نقص في الآخرة بالإضافة إلى شخص فهو نعيم بالإضافة إلى غيره». الغزالي، إحياء علوم الدين، ج4، ص398.

64- « والعجب أنّ العاقل الفقير ربّما يرى الجاهل الغنيّ أحسن حالا من نفسه ولو قيل له: هل تؤثر جهله وغناه عوضا عن عقلك وفقرك لامتنع عنه... والمرأة الحسناء الفقيرة ترى الحليّ والجواهر على الدميمة القبيحة فتعجب وتقول: كيف يحرم مثل هذا الجمال من الزينة ويخصّص مثل ذلك القبح؟ ولا تدري المغرورة أنّ الجمال محسوب عليها من رزقها وأنّها لو خيّرت بين الجمال وبين القبح مع الغنى لآثرت الجمال...». نفسه، ص.577.

65- نقصد قصّة إبراهيم مع ابنه إسحاق أو إسماعيل وفداءه « بذبح عظيم»، وقد وردت القصّة في سورة الصافّات37، الآيات 100-111.

66- منها هذا الحديث الوارد في مسند ابن حنبل تحت رقم 18775: « إذا كان يومُ القيامة لم يبق مؤمن إلاّ أُتِي بيهودي أو نصراني حتّى يُدفع إليه يقال له: هذا فداؤك من النار. قال أبو بُردة: فاستحلفني عمر بن عبد العزيز: بالله الذي لا إله إلاّ هو أسمعتَ أبا موسى يذكره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: قلت: نعم. فَسُرَّ بذلك عمر».

67- عبد الجبّار، شرح الأصول الخمسة، ص.159. وعدّ الأشعري هذا الرأي موضع إجماع المعتزلة وأورده عنهم بصيغة مختصرة. مقالات الإسلاميّين، ص.251.

68- عبد الجبّار، المغني، ج6/أ، ص. 239.

69-  لكنّ الأشعري اعترف بأنّ بعضهم خالف هذا القول. مقالات الإسلاميّين، ص260. انظر مواقف المخالفين من المعتزلة، ص.261-262.

70- عبد الجبّار، شرح الأصول الخمسة، ص466.

71- ابن فورك، مجرّد، ص. 71-72، 129-130. ولم يكن هذا رأيا خاصّا بالأشعري، بل كان عامّا في الأشاعرة وأهل السنّة. انظر: الجويني، الإرشاد، ص237؛ العقيدة النظاميّة، ص.33.

72- ابن فورك، مجرّد، ص.51.

73- نفسه، ص. 69-70.

74- نفسه، ص.73.

75- ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، ص305. وقال في موضع آخر إنّ ما يقع في العالم من شرور« فعلى أصل حكيم ليس بمقصود من العالم وإنّما الخيرات هي المقصودة». رسالة في سرّ القدر، ص29.

76- إخوان الصفاء، الرسائل، ج3، ص ص387-388، 390. ونسبوا القصد الأوّل إلى الله والقصد الثاني إلى الهيولى: « ما كان من قبل الباري من الإبداع والإيجاد والاختراع والبقاء والتمام والكمال والبلوغ وما شاكل ذلك من الأوصاف يسمّى القصد الأوّل، والقصد الثاني هو كلّ ما كان من قبل نقص الهيولى أنّه لم يجئ منها إلاّ هذا». نفسه، ص. 391-392.

77- الغزالي، الاقتصاد، ص135؛ إحياء، ج4، ص398؛ المقصد، ص. 156-157.

78- نفسه، المقصد، ص. 68-69. 

79- نفسه، ص 73-74. وأورد هذا التبرير بلفظ مشابه في مقاصد الفلاسفة، ص228، ممّا يؤكّد أصله الفلسفي السينوي.

80- نفسه، المقصد، ص.68.

81- نفسه، إحياء علوم الدين، ج4، 398.

- 82"Le mal est étranger à l'intention et au vouloir". Thomas d'Aquin, Somme contre les gentils, p401, 405-406.

83- ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، ص.300-301، 310، 313. ولعلّ أصل هذا التبرير مأخوذ عن الفارابي، فقد أقرّ أبو نصر بأنّ الأوّل إنّما كان جوادا لأنّ جوهره تفيض منه كلّ الموجودات الممكنة الوجود بحسب مراتبها. آراء أهل المدينة الفاضلة، ص45. والملاحظ أنّ مثالي المطر والشمس الحارّة ضربهما لاحقا لايبنتز في معالجة مشكلة الشرّ. انظر: Leibniz, Essais de Théodicée, II, 134, XIX, p189.

84- ابن سينا، الرسالة العرشيّة، ص.16.

85- نفسه، النجاة، ص322. وذهب ابن رشد أيضا إلى أنّ وجود الشرور »لضرورة الهيولى كالفساد والهرم وغير ذلك«. تلخيص ما بعد الطبيعة، ص.162.

86- ابن سينا، النجاة، ص ص321-322. ووصف الشيخ الرئيس الشرَّ في الرسالة العرشيّة، ص. 16-18، بأنّه نادر، وأكّد أنّه أقلّ من الخير وأنّ الحكمة اقتضته. انظر أيضا: الإشارات والتنبيهات، ص ص306-308. وكان هذا مذهب إخوان الصفاء أيضا. انظر: الرسائل، ج3، ص.388، 390.

87- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج4، ص.398.

88- نفسه، مقاصد الفلاسفة، ص.227؛ المقصد، ص.68-70. وتوجد هذه الأقسام من الشرّ مذكورة بعبارات مشابهة عند ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، ص.299-308، 310.

89- الغزالي، مقاصد الفلاسفة، ص.228-229.

90- نفسه، ص ص228-229؛ المقصد، ص.67.

91- نفسه، المقصد، ص. 68-69.

92- نفسه، مقاصد الفلاسفة، ص.226.

93- نفسه، المقصد، ص.69.

94- نفسه، إحياء علوم الدين، ج4، ص.398.

95- نفسه، مقاصد الفلاسفة، ص.227-228.

96- Journet, Dieu et le mal, p.234-245.

97 Ormsby, Theodicy, p.86-87.

-  98 Journet, Dieu et le mal, p232.

99- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج4، ص398.

100- نفسه.

-101"Quand on connaît le bien, on connaît le mal qui lui est opposé. Or, Dieu connaît tous les biens particuliers, auxquels s'opposent des maux. Dieu connaît donc ces maux". Thomas d'Aquin, Somme contre les gentils, I, LXXI, p.131, 133. 

-102 Ormsby, Theodicy, p.66-67. ولم يكن معنى التعالق المنطقي مجهولا لدى المتكلّمين، فقد أشار إليه الأشعري وسمّاه إضافة إلاّ أنّه لم يربطه بمسألة الخير والشرّ. قال في ذلك: "إنّ غيرا ومخالفا من أوصاف الإضافة وما يقتضي سميّا باسمه لأنّ الغير يقتضي غيرا والمخالف يقتضي مخالفا كما يقتضي الفوق تحتا والتحت فوقا ولا يقال لأحدهما ذلك إلاّ عند وجود الآخر ولا يفرد وصفه بذلك من دونه" . ابن فورك، مجرّد، ص.57.

- 103Ormsby, Theodicy, p225.

104- الأصل اليوناني للترجمة ضائع لكنّ ترجمته العربيّة محفوظة. نفسه، ص.83.

105- الجاحظ، الحيوان، ج1، ص.206.

106- ابن سينا، رسالة في سرّ القدر، ص.28.

107- نفسه، النجاة، ص.322.

108- للوقوف على أهمّيّة هذه المشكلة في الثقافة الغربيّة الحديثة والمعاصرة من خلال أنموذجي كانط المسيحي وحنّا أرنت اليهوديّة، راجع:

. Fabio Ciaramelli, Du mal radical à la banalité du mal, Rev. Philo. de Louvain, n°3, 1995, p.392-407

109- عرفت الثقافة المسيحيّة أيضا هذه الفكرة،فقد ذهب كانط إلى أنّ العالم في كلّيّتـه هو الخير الأقصى المخلوق (le suprême bien créé) وإلى أنّ الشرور لا يمكن أن توجد إلاّ في الأجزاء.

E. Kant, Leçons de métaphysique, p.445-446.

* مرتّبة ترتيبا أبجديّا من دون اعتبارابن وأبو.


(*) كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة (تونس).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق