احدث المواضيع

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

ابـــن رشــد عــبـريا*قراءة في كتاب "ابن رشد والفكرالعبري الوسيط" للأستاذ أحمد شحلان*

إبراهيم بورشاشن

تشكل علاقة الثقافة العبرية بالثقافة العربية - الإسلامية موضوعا هاما للدراسة والتأمل، وبخاصة أن الثقافة الأولى تكونت في أحضان الثقافة الثانية. بل واحتوت كثيرا من معالمها ورموزها إلى درجة أننا إذا أردنا أن نتعرف على بعض فلاسفتنا مثلا لابد أن يكون ذلك عبر الممر العبري كما بين ذلك الأستاذ أحمد شحلان في دراسته القيمة "ابن رشد والفكر العبري الوسيط. فعل الثقافة العربية الإسلامية في الفكر العبري اليهودي" الذي نخصص هذا الدراسة للنظر فيها من خلال قضية أساسية تتعلق بعلاقة الشارح الأكبر "بالتراث العبري الذي أوشك، أن يصبح الموطن الأصلي لفلاسفة الإسلام؛ إذ نجد أن يهود الأندلس قد تبنوا الفلسفة العربية الإسلامية وأضفوا عليها صبغة يهودية حتى أصبحت فلسفة وطنية لهم (1). كما نجدهم استبطنوا كثيرا من المكونات الثقافية الإسلامية سواء اتصلت بعلم الكلام أو الفقه أو التصوف أو العلوم اللسانية فضلا عن كتاباتهم لكثير من كتبهم باللغة العربية التي كان يوثرها بعضهم عن اللغة العبرية (2).

ينقسم هذا الكتاب، الذي يقدم قولا عربيا غير مسبوق في موضوع هام وحساس جدا، إلى جزأين: يضم الجزء الأول قسمين خصص القسم الأول منهما إلى "الفكر اليهودي والتراث المكتوب بالحرف العبري" وهو من ثلاث فصول: الفصل الأول عن "اليهود في العصر الوسيط"، والفصل الثاني عن "المؤلفات اليهودية المكتوبة بالحرف العبري"، والفصل الثالث منها عن "المؤلفات العربية المكتوبة بالحرف العبري". أما القسم الثاني الموسوم بـ "أبو الوليد بن رشد وأزمة الفكر في العصر الوسيط" فهو من ثلاثة فصول:الفصل الأول عن "ابن رشد في المجتمعات: الإسلامي واليهودي والمسيحي"، أما الثاني فعن "التراث العربي المكتوب بالعبرية أو الحرف العبري"، أما الفصل الثالث فخصصه للمترجمين. أما الجزء الثاني من الكتاب فهو "في ترجمة مؤلفات ابن رشد مناهجها" وهو من ثلاثة فصول؛ الفصل الأول عن "طبعات وترجمات النصوص المختارة للدرس"، أما الفصل الثاني فهو "دراسة معجمية" من خلال "نماذج"، والفصل الثالث فهو عن "الترجمة والأصل". لينهي أطروحته بخمس نتائج كبرى يستشرف بها آفاقا ثرة في العمل العلمي.

والقصد من النظر في هذ العمل العلمي هو بيان إلى أي أحد يشكل التراث العبري ضرورة لفهم تراثنا العربي الإسلامي وبخاصة التراث الرشدي الذي ننتسب إليه بنسب رفيع· ونريد معالجة هذه المسألة من خلال سؤال واحد هو:

كيف نسجت الثقافة العبرية صلتها بالثقافة العربية الإسلامية لتصبح على الخصوص في شقها الرشدي ضرورة حضارية عربية - إسلامية؟

لم تكن علاقة اليهود بالثقافة العربية علاقة شكلية بل علاقة عميقة، فقد اتخذ اليهود الثقافة العربية واللغة العربية أداة للتفكير والكتابة، ولما كان أهم موضوع يشغل اليهود هو علاقة الدين بالفلسفة(3) فقد ضربوا إلى الفكر العقلاني الإسلامي سواء تجلى في الكلام أو في الفلسفة فنهلوا منه وصاغوا به فكرهم؛ فكان لعلم الكلام الإسلامي أثره الكبير على الفكر اليهودي(4)، حيث ترجموا بعض كتب علم الكلام التي انتشر كثير منها باعتبارها أعمالا مجهولة المترجم(5). لقد تأثر العبري بعلم الكلام وبخاصة الفكر المعتزلي(6). لكن هذا لم يمنع الفكري الأشعري من أن يترك أثره على الفكر اليهودي على يد سعديه المفكر اليهودي الذي تأثر بأبي الحسن الأشعري فمتل في بيئته "الدور الفكري التاريخي الذي قام به أبو الحسن الأشعري" (7) في عالم المسلمين. كما أثرت الشيعة الإسماعيلية على الفكر اليهودي كما تجلى ذلك في كتاب بستان العقول (8). أما الفلسفة فسيظهر تأثيرها الكبير لأول مرة مع إسحاق بن سليمان الإسرائيلي المتأثر بالمذهب الأفلاطوني "أول فيلسوف يهودي في بلاد الإسلام"(9)، فقد كانت جل معارف هذا الفيلسوف مستقاة من كتابات الكندي(10)، وكذا ابن جبرول الذي عُدّ "لدى اللاتين فيلسوفا عربيا"(11). وسيُعرف الفارابي وابن سينا لدى اليهود، حيث ستقوم كتب الفارابيين بالتعريف بالفكر الأرسطي الذي أصبح متداولا لدى مفكري اليهود بفضلهما(12). كما ستعرف كتب الغزالي رواجا لها في الأوساط اليهودية إلى درجة أن اليهودسيترجمون مؤلفات الغزالي إلى اللغة العبرية الربية(13). وسيساهم ترجمة كتاب "تلخيص أخلاق نيكوماخ" لابن رشد في ازدهار المصطلح العبري - الفلسفي في آداب الأخلاق والسياسية(14). كما أن كتب ابن رشد المسماة أصيلة وهي على التوالي؛ فصل المقال، ومناهج الأدلة، وتهافت التهافت تعتبر من أهم الآثار الفكرية التي أثرت في الفكر اليهودي(15)، ومن أهم الكتب التي تأثرت بفصل المقال كتاب "دلائل الحائرين" لابن ميمون الذي ساهم في انتشار الفلسفة الأرسطية والرشدية بين ظهراني طوائف اليهود في جنوب فرنسا وشمال إيطاليا، وهو الكتاب الذي اعتبر "توراة الفلسفة عند اليهود"(16)، بل إن "فصل المقال" سيحدث رجة فكرية هزت الطوائف اليهودية في الأندلس وغير الأندلس(17)·

لقد كان لقاء الفكر اليهودي بالتراث الفلسفي العربي، وبخاصة في شخص ابن رشد والغزالي، سببا في ارتقائه من مجرد ملاحظات تأملية دينية، مع الربيين المهووسين بالتلمود التاركين للعقل، لينطلق بعد ذلك في ظل الأكربول ويجوس في مسالك أرسطو بفهم عربي فلسفي إنساني، وسيحرص الأستاذ شحلان على البداية من البدايات الأولى الدينية والشريعية  والكلامية والصوفية واللغوية والأدبية للفكر اليهودي باعتبارها مرتكزات سيؤدي اتصالها بالمدرسة الأرسطية العربية إلى أن يبلغ الفكر اليهودي أوجه العلمي (18).

لقد قام الأستاذ شحلان بعرض أهم رموز تيار القرائين الذي تربوا في أحضان علم الكلام الإسلامي، وكذا رموز التيار الربي، مبرزا كيف ساهمت آراء المتكلمين المسلمين في بناء فكر هؤلاء الرموز(19). كما قام بتحليل لعدة مؤلفات يهودية من مثل "كتاب الهداية في فراض القلوب والتنبيه إلى لوازم الضمائر "ليحي بن بقوذا(20)" وهو في أصول علم الباطن"(21) والذي سيصبح بمثابة "توراة الزهاد اليهود". والكتاب يكشف "قوة آثار الإرث العربي الإسلامي في أوائل المؤلفات اليهودية بالأندلس"(22). وكتاب "الحجة والدليل في نصرة الدين الذليل" ليهودا اللاوون(23)والذي سيصبح توراة الصهيونية الدينية المعاصرة (24). والكتاب ذو بنية قصصية إذ جاء على شكل حوار خيالي عرض من خلاله قضايا كبرى تعتبر من صلب اليهودية.والكتاب ذو مصادر عربية من مثل القرآن والفارابي وابن سينا والغزالي وغيرهم(25). وكذا كتاب "المحاضرة والمذاكرة" لموسى بن عزرة وهو "كتاب فريد من نوعه، ولم يعرف تاريخ التأليف العربي - العبري مثيلا له"(26) اهتم فيه بالشعر العبري متخذا الثقافة العربية أساسا له حيث قدم فيه "أمثل طريقة في صناعة القريض العبراني على القانون العربي"(27) إذ أن الشعر عنده "هو علم العرب وإن اليهود تابعة لهم في الصناعة" (28)· وكذا كتاب "التنقيح"· وهو من كتب ابن جناح، وهو كتاب في أصول النحو واللغة يظهر مدى التأثير العربي في الفكر اليهودي (29). وكتاب دلالة الحائرين لابن ميمون الذي هو "خلاصة الفكر اليهودي المتشبع بالروح العلمية الفلسفية". والذي أبان عن قدرة ابن ميمون في دمج آراء أرسطو وآراء كبار الفلاسفة المسلمين في الفكر اليهودي(30) لفرض العقل والمنطق على نصوص التوراة(31)وقد ساهم هذا الكتاب في التعريف بأعلام المدرسة الفلسفة الإسلامية إذ إن ابن ميمون "وضع أسماء فلاسفة كبار مثل الغزالي والفارابي ابن سينا وابن رشد وأفلاطون وأرسطو بجانب علماء الدين اليهود فدرست آثارهم الفلسفية في المعابد إلى جانب التوراة والتلمود وأدب القبلة" (32).

لقد حرص الأستاذ شحلان بهذا التحليل على بيان ما كان للفكر الإسلامي من أثر في تاريخ المعارف اليهودية(33)رغم أن كثيرا من مفكري اليهودي كانوا يخفون مصادرهم الإسلامية(34) وقاموا عند ترجمتهم للنص العربي إلى العبرية بحذف(35)وتغيير ومسايرة للمعتقد اليهودي، بإضفاء الصبغة اليهودية على النص، مما أضفى على الترجمة سوء فهم وأعطى عن الفلسفة العربية صورة سيئة عندما ترجمت إلى اللغة اللاتينية(36)، وكنموذج على ذلك المتن الرشدي، فهذا المتن عندما وصل إلى اللاتين عن طريق النص  العبري قد وصل نصا آخر(37)، ومن هنا يرى شحلان أن من الواجب العمل  على إرجاع النص المفقود الأصل إلى لغته التي حرره بها أبو الوليد وهو يعتبر عمله هذا بداية لوضع خطة لهذه المهمة... (38).

نعم، قد يرى البعض في الحديث عن ضرورة التراث العبري لفهم التراث العربي الإسلامي حديثا يحمل بعضا من الغرابة والتعجب، لكن النظر في كتاب الأستاذ شحلان، الذي كتب بنفس أكاديمي عميق، كاد يوصل هذا القول إلى درجة البداهة· فقد عمل المفكرون اليهود على نقل التراث العربي الإسلامي إلى اللغة العبرية بنهم كبير، إلى درجة أن "مؤلفات ابن رشد أصبحت ربيبة للتوراة لدى اليهود" (39)· لقد تشكل التراث العبري من خلال تفاعله القوي مع الثقافة العربية الإسلامية، فقد ساهم التراجمة اليهود (40) بدور كبير في بناء النسق العلمي اليهودي(41) وأصبحت معرفة هذا النسق  ضرورية لإعادة اكتشاف ثقافتنا، ولعل ظهور المدرسة النحوية العبرية الحقة في الغرب الإسلامي أكبر دليل على ذلك، إذ قد تصبح هذه المدرسة  شرطا للتعرف على المدرسة النحوية العربية (42)· بل إن اختراق التراث الغزالي للفكر اليهودي من خلال ترجماته المختلفة تجعل هذا التراث العبري ضروري لفهم "حجة الإسلام"، ويحرص الأستاذ شحلان على تقديم جل الأعمال الغزالية التي نقلها اليهود إلى لغتهم العبرية(43)، والتي احتل فيها كتاب "مقاصد الفلاسفة" و "ميزان العمل" منزلة هامة ومتميزة (44)، مقدما عرضا ممتعا حول أسباب ترجمة كتب الغزالي(45).

إن الثقافة العربية الإسلامية ليست إذن غريبة عن الفكر اليهودي، بل إن بنية هذا الفكر قد تشكلت في جزء منها من عناصر من الثقافة الإسلامية، بدليل أن الذي ساهم في بناء العلمي اليهودي هم التراجمة اليهود(46). من هنا معرفة اليهود بالعقلية العربية الإسلامية في حين أن الثقافة الإسلامية أقصت الفكر اليهودي ولم تغص في عمقه، بل إن أهم المؤلفات العبرية ظلت بعيدة عن الفكر الإسلامي ككتاب "دلائل الحائرين" الذي ظل مجهولا من المسلمين رغم الأهمية التي احتلها في تشكيل الفكر اليهودي بعناصر من الثقافة العربية الإسلامية. إذ إن هذا الكتاب أثار رد فعل قوي لدى اليهود لأنه اقتحم الفكر الأرسطي الإسلامي في التقاليد اليهودية(47). ولعل العودة إلى هذا الكتاب، الذي تتقارب مقدمته "وفصل المقال"(48)، فضلا أن العودة إلى النصوص العربية المترجمة إلى العبرية وفهمها، أن يقربنا من كثير من عناصر ثقافتنا الإسلامية المترحلة. ولعل أهمية كتاب شحلان تكمن في هذا التحسيس القوي بالارتبط العضوي بين الثقافتين العربية واليهودية بحيث يصبح فهم ثقافتنا رهينا بفهم تراث من يدعون المسلمين بـ "الإسماعليين" (49)...

لكن، لعل أهم فيلسوف يرفع ضرورة التراث العبري في فهم التراث العربي إلى مستوى الواجب هو الفيلسوف العظيم، الحكيم الكبير رأس المفسرين، الفيلسوف (الإلهي) الحكيم، العلامة القاضي (الإلهي)، الكامل الفقيه المحترم المتمكن الأوحد(50)، أبو الوليد بن رشد. فاليهود لم يهملوا جانبا من جوانب النص الرشدي، بل إن تداولهم من نسخ مخطوطاته لا يساويه بالمثل إلا تداولهم نسخ التوراة (51)، وبهذا ساهم ابن رشد في تشكيلل الفكر اليهودي. ويلاحظ الأستاذ شحلان أن الصيت الذي بلغه فكر ابن رشد لدى المفكرين والكنيسة   ومجتمع النخبة اللاتين أو لدى مفكري اليهود لم يكن متوازيا مع ما نقلته عنه كتب الرحل والتراجم العربية في عصره أو بعد عصره(52). فقد اتخذت فلسفة ابن رشد مكانا لها بين الطوائف اليهودية مبكراً، إذ ظل ابن رشد قريبا من روح التوراة وفكر شيوخ التلمود عن متنوري اليهود، واعتبرت الفلسفة الرشدية ضرورية لفهم نصوص التوراة فارتفعت آراء ابن رشد إلى أن تكون أداة من أدوات الفهم اليهودي وعلما من علوم التوراة(53)، ومن هنا أهمية بعض الكتب عند اليهود من مثل كتاب الحس والمحسوس(54) وكتاب النفس الذي حوى الصناعة المقدسة كما سمى اليهود هذا العلم(55)، واهتمامهم بمختصر الكون والفساد (56). وتتجلى مكانة ابن رشد عند اليهود من جهة أخرى في تعدد نسخ نصوصه وكثرتها(57)، وفي التقاليد التي أرستها جماعة مفترضة تدعى "أهل النظر" عملت بمرسيليا على نشر الفكر الرسدي الذي اعتبر قضية من قضايا اليهود(58). وتشكل محنة ابن رشد عند معارضي الفلسفة اليهود واللاتين أجلى مظهر من مظاهر يقظة الغرب الحديث. ويعرض شحلان في دراسته مجملا لما تتضمنه المكتبة الوطنية بباريس من مخطوطات رشدية (59) مقتصراً على إحصاء الإرث العربي وتكمن أهمية هذه المكتبة أنها تضم أهم المخطوطات التي اهتم بها المسلمون أو اعتمدها اليهود ترجمة ومرجعا (60).

إن أهمية ابن رشد العبري بالنسبة لفهم ابن رشد العربي تكمن في أن كثيرا من المخطوطات الرشدية لا تزال مفقودة في أصلها العربي حاضرة في ترجماتها العبرية وتقدم لنا مساحة كبرى للتعرف على "ابن رشدنا"، إن صح التعبير. ومن هنا مشروع إعادة التراث العربي الفلسفي إلى لغته الأصلية. لقد شرح ابن رشد ثمانية وثلاثين إلى اللغة العبرية.

ويسجل شحلان أن هناك سبعة عشر مؤلفا رشديا غائبا في أصله العربي وموجودا في ترجمته العبرية مما يدعو إلى منهجية علمية لإرجاع المؤلف إلى صورته الأقرب إلى الحقيقة(61) لنتعرف على ابن رشد العربي، فنحن مثلا لم نتعرف على ابن رشد السياسي إلا من خلال الترجمة العبرية لما سمي بـ "جوامع سياسة أفلاطون" ونشر تحت اسم "الضروري في السياسة" بترجمة الأستاذ شحلان نفسه (62). ونحن قد ضُرب بيننا وبين ابن رشد الفيلسوف الأخلاقي بسور لا يمكن اقتحامه إلا إذا وفَّى الأستاذ شحلان بوعده ونقل الترجمة العبرية إلى اللسان العربي (63)، إن ابن رشد الفلكي لا يزال عبريا في:مختصر المجسطي"(64) وكذا بعض جوانب ابن رشد الفيلسوف الطبيعي خاصة مع "تلخيص السماع الطبيعي" و"مختصر الحيوان"(65)· وإجمالا فالحاجة ماسة لابن رشد (العبري) لفهم ابن رشد العرب على مستوى المضامين أو على مستوى تحقيق النصوص، فبالنسبة إلى الأستاذ شحلان لابد من اعتماد الترجمة العبرية إذا كانت  موجودة في تحقيق النص العربي(66). ويقدم مثالا على ذلك الترجمة العبرية لمختصر الحس والمحسوس التي قام بها موسى بن تبون والتي يمكن أن تعتمد في إتمام ما نقص أو غمض في المخطوطات العربية للنص(67)، وكذلك الترجمة العبرية لتفسير ما بعد الطبيعة والتي تصحح كثيرا من الأمور فيما يتعلق بشروح ابن رشد(68). ومن هنا اعتباره الترجمات العبرية نسخا معتمدة تزيد من الوثوق من سلامة النص المحقق(69). إن الأستاذ شحلان يقدم باقتراحه هذا رأيا طريفا في مجال التحقيق العلمي للمخطوطات وهو رأي له وجاهته وقيمته العلمية كما يرى من تصفح الكتاب(70). كما يقترح الأستاذ شحلان مشروع دراسة ونشر أعمال اليهود الشرّاح، إذ لما كان الهم الأول لشحلان من دراسته هو النص الرشدي فإن الإهتمام بشرّاح ابن رشد يراه الأستاذ الباحث من أوجب الواجبات، عارضا لأهم شراح ابن رشد(71)، ومن اعتمد ابن رشدَ في مؤلفاته(72)مقدما المستويات الأربع لهذا المشروع(73) الذي "يتطلب كثيرا من الجهد وكثيرا من الوقت والموفور المادي، ولكنه أساسي، ومهم في بنيتنا الفكرية العربية المعاصرة، إذ أردنا أن نحيي تراثا عربيا إسلاميا أخفته معالم لغة لم نولها ما تفترضه الملابسات التاريخية..." (74).

وأخيراً، فلعل أهم ما يميز كتاب الأستاذ شحلان أنه كتاب توثيقي قام على دراسة 198 مخطوطة عبرية دراسة فاحصة(75)، يجمع بين العمل الببليوغرافي والمنهج الإحصائي(76)، فضلا عن بعده التحليلي ومشاريعه الكبرى التي تفتح آفاقا كبرى في الدراسات الرشدية. فالأستاذ شحلان جمع في هذا الكتاب بين شخصية المحقق الذي يصف المخطوطات ويقارن بينها. وبين شخصية المؤرخ الذي يعرض الشروط التاريخية لنشأة الفكر مع حِرصٍ على فهم الإطار التاريخي للتداخل الفكري بين اليهود والمسلمين(77)وبين عمل الباحث الذي يقدم مشاريع علمية للباحثين، وبين الفيلسوف الذي يعرض للبنية الفكرية الفلسفية عند كثير من مفكري اليهود فضلا عن كلفه بطرح الإشكالات وتحديد المفاهيم والحجاج عن أطروحاته بتأن وصبر. ويخرج المرء من قراءته للكتاب بإحساس كبير بأن هذا الكتاب، الذي يلج منه الباحث أو القارئ المهتم بعامة أبوابا من معرفة غير متداولة، صُنع في محراب العبادتين الخاصة والمشتركة على ما يبدو من نفسه العلمي الصارم المُضمَّخ بروحانية شديدة القوة يجليها جمال الأسلوب وشاعرية الإحساس وصدق الدعوة ونبل المقصد.

الهوامش

1 - أحمد شحلان أحمد شحلان، ابن رشد والفكر العبري الوسيط، فعل الثقافة العربية الإسلامية في الفكر العبري اليهودي، المطبعة    والوراقة الوطنية مراكش ط 1، 1999 جزءان ص 227.

2 - المرجع السابق ص 30.

3 - المرجع السابق ص 69.

4 - المرجع السابق ص 26 - 27 – 31.

5  - المرجع السابق ص 460.

6 - المرجع السابق ص 35 - 40 - 42 - 84 – 100.

7 - المرجع السابق ص 40.

8 - المرجع السابق ص 42 - 43.

9 -  المرجع السابق ص 47، ص 51.

10 - المرجع السابق ص: 50.

11 - المرجع السابق ص 56.

12 - المرجع السابق ص 68.

13 - المرجع السابق ص 217.

14 - المرجع السابق ص 434.

15 - المرجع السابق ص 442.

16 - المرجع السابق ص 201 وص 143.

17 - المرجع السابق ص 21.

18 - المرجع السابق ص 21 - و ص 23 - 24. وص 32.

19 - المرجع السابق ص 25 - 24.

20 - المرجع السابق ص 71 - 72.

21 - المرجع السابق ص 73.

22 - المرجع السابق ص 83.

23 - المرجع السابق ص 87.

24 - المرجع السابق ص 88.

25 - المرجع السابق ص 109.

26 - المرجع السابق ص 113.

27 - المرجع السابق ص 116.

28 - المرجع السابق ص 114.

29 - المرجع السابق ص 124، 125، و ص 129.

30 - المرجع السابق ص 138.

31 - المرجع السابق ص 139– 140.

32 - المرجع السابق ص 142.

33 - المرجع السابق ص 124، وص 23 هامش 23، وص 42 - 43، وص 68، وص 84 - 85.

34 - المرجع السابق ص 85، وص 109.

35 - ترجم كتاب التهافت لابن رشد ترجمتين؛ حذف المترجم الأول المعروف ما في التهافت من آيات قرآنية وأثبتها مترجم مجهول؟!!. المرجع السابق ص 647 هامش 92.

36 - المرجع السابق ص 582 ص 665 و ص691. حول ما لحق النص العربي عند ترجماته من تغييرات  انظر القسم الثالث من الدراسة من صفحة 567 إلى صفحة 664.

37 - المرجع السابق ص 15.

38 -  المرجع السابق ص 23.

39 - المرجع  السابق ص 12.

40 - مما يلفت في كتاب شحلان هذه المعاناة التي نجدها عند تراجمة اليهود في نقلهم للتراث العربي: أنظر مثلا صفحات 890، 514 - 515 - 516 .

41 - المرجع السابق ص 488.

42 - المرجع السابق ص 122 وص 129 وص 116. وص 217.

43 - المرجع السابق ص 217 – 227.

44 - المرجع السابق  ص 235 – 236.

45 - المرجع السابق ص 226 – 233.

46 - المرجع السابق ص 488.

47 - المرجع السابق ص 143.

48 - المرجع السابق ص 201 - 208.

49 - المرجع السابق ص 540 و ص 541 و ص 554 هامش 29.

50 - بعض أوصاف ابن رشد عند اليهود: المرجع السابق ص 275، 281، ص 445، ص 449، ص 450.

51 - المرجع السابق ص 210.

52 - المرجع السابق ص 14، ص 167.

53 - المرجع السابق ص 210 – 212.

54 - المرجع السابق ص 213 و ص 341 وص 342.

55 - المرجع السابق ص 213 و ص 378.

56 - المرجع السابق ص 330.

57 - المرجع السابق ص 239 .

58 -  المرجع السابق ص 214 - 245 .

59 - المرجع السابق ص 239. وص 269.

60 - المرجع السابق ص 247.

61 - المرجع السابق ص 691.

62 - المرجع السابق ص 436·

63 - المرجع السابق ص 434.

64 - المرجع السابق ص 143·

65 - المرجع السابق ص 352 - 353 – 354.

66 - المرجع السابق ص 685 - وص 686 وص 689.

67 - المرجع السابق ص 341.

68 - المرجع السابق ص 354.

69 - المرجع السابق ص 686·

70 - أنظر  الأمثلة العلمية الدامغة على صحة ما يدعو إليه في صفحات 686 - 687 - 688 - 689 ·

71 - المرجع السابق ص  699 و ص 705.

72 - المرجع السابق ص 706 – 707.

73 - المرجع السابق ص 698 – 699.

74 - المرجع السابق ص 698.

75 - المرجع  السابق ص 13.

76 - أنظر صفحات  159- 460 - 461 – 462. ص 483.

77 - المرجع السابق ص 165.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق