احدث المواضيع

الاثنين، 23 نوفمبر 2009

حول رد الاعتبار للجسد في كتابات أفلاطون الأخيرة

عديدة هي المقالات و الدروس، و التي من بينها ما بث في إذاعات و تلفازات بعض البلدان، تلك تناولت مسالة الجسد عند أفلاطون، و هو أمر في ذاته مشكور، لكنها لم تنصف في مجملها هذا المفكر و لم تعبر بكل الصدق والأمانة العلميين اللازمين عن موقفه من هذا الكائن. و هذا الخلط ـ أو بالأصح عدم الوفاء في ظاهره على الأقل ـ يعود، من ناحية إلى ما تواتر قوله تقليدا عن هذه المسالة و من ناحية ثانية إلى الوقوف عند بعض كتاباته الرائجة دون غيرها لمعرفة أفكاره في هذا المسالة بالذات، لذلك رأينا من واجبنا تجاوز هذا النقص (و غيره الكثير أيضا) الذي هو مفتعل أحيانا و عفوي أحيانا أخرى. لقد بقيت هذه الآراء جزئية، إن لم نقل خاطئة، لأنها لم تعد إلى كتابات أفلاطون الأخيرة التي نشهد فيها تطويرا و أحيانا تغيرا جذريا، لما قاله في هذه المسالة في مؤلفاته الأولى أي في المرحلة السقراطية من فلسفته.

لقد نظر أفلاطون في المرحلة الأخيرة من حياته وهي التي يمكن أن نسميها بالمرحلة الأفلاطونية ـ الأفلاطونية إلى الجسد من منطلق جديدة يغلب عليه مبدأ الإقرار بحق الجسد في الوجود و الاحترام و التبجيل تماما كما هو الأمر بالنسبة للنفس أو يكاد.

ماذا عن الجسد في المحاورات الأخيرة[1]

يمكن القول إن أفلاطون، في المحاورات الأخيرة، قد تخلى، أو لنقل تجاوز، الحديث العام و المتسرع عن الجسد حتى يعتمد البحث في الخصوصيات الدقيقة لهذا الكائن[2] وهو ما جعله يستنجد بالعديد من معارف العصر في هذا الصدد، مثل علم وظائف الأعضاء و علم النفس و الطب و الكيمياء. و قد شمل هذا البحث في الجسد نواح عدة : مثل تكوينه و وظائفه و حاجياته و حقوقه. و يمكن الإشارة هنا إلى أن مثل هذا المنطق لم يرد من قبل في المحاورات الأفلاطونية[3] خصوصا قبل التيماوس، لكن هذا لا يعني أن ليس هناك إشارات في هذه المحاورات يعبر فيها أفلاطون عن مدى اهتمامه بمسالة الجسد بشكل مغاير لما راج عنه في مؤلفاته السابقة مثل تلك التي وصفه فيها بالقبر. لقد اصبح للجسد وظيفة ذات بال لا في شؤون الحياة اليومية فقط و إنما أيضا في مجال المعرفة الذي يحضا، كما يعلم الجميع، بأهمية بالغة عند أفلاطون. فمن دون الجسد تصبح معرفة عالم المحسوسات مستحيلة و بالتالي الحياة في جملتها كذلك. كما أن هذا الجسد ضروري لولوج عالم المجردات الذي يوجد منطلقه في مجال الحسيات. كما أن الذات البشرية أصبحت، في هذه المرحلة من فلسفة أفلاطون، ذاتا جامعة للحسي و المجرد في ذات الآن. مما يعني أن الجسد اكتسب قيمة مقارنة بالنفس و لم يبقى من سقط المتاع. و هو ما يشرع القول بان الإنسان اصبح جسدا و نفسا و لم يعد تلك الأحادية المتصورة ذهنيا و المستحيلة عمليا. و لا يجب النظر إلى هذا التناسق على انه تغليب لطرف على آخر و إنما هو بمثابة وحدة، كما سيعرف لاحقا، حين تصبح الثنائية وحدة كما تصاغ في عبارة جسد ـ نفس ( corps-âme). و حتى و إن قال أفلاطون في محاورة القوانين بان الجسد مجرد شبه يصاحب كل منا أو انه مجرد نسخة نسخة الإنسان[4]، فان كلامه هذا ورد في مجال محدد وهو الحديث عن جثمان الإنسان و ليس عن جسده، تماما كما يحدث عند تأبين الميت من طرف شخص ما. و لا يخفى على أحد أن مثل هذا القول هو قول مجاملة ـ من قبيل اذكروا موتاكم بخيرـ و ليس بالموقف الفلسفي الجدي و العميق الذي يمكن أن يعتمد للحديث عن فلسفة الجسد عند أفلاطون.

إن الحديث عن الجسد في آثار أفلاطون يستوجب، في رأينا، الارتواء من آخر محاوراته، لا لشيء إلا لأنها غيرت من النظرة إلى هذا الكائن و ما يتصل به، فهي قد أعطت مثلا الحواس مكانة مهمة لا في توجيه الأفعال الإنسانية فقط بل و أيضا في عملية المعرفة.

الحواس أساس لكل فلسفة

لقد أعطى أفلاطون لفعل رأى أو نظر[5] (voir)المكانة المناسبة له، و هي عموما مكانة مرموقة وطريفة لأنها جمعت ولأول مرة، في التصور الأفلاطوني، بين بُعدين كانا يعتبران دائما من قبيل المفارقات في فلسفة هذا الحكيم، نعني بذلك عالم المحسوسات وعالم المجردات. إذ اصبح هذا الفعل (رأى أو نظر) واسطة تجمع بين متناقضين، أو على الأقل ما اعتبر دائما هكذا، عالم الأشياء أو المحسوسات و عالم الأفكار أو الجواهر. لقد اصبح الكائن البشري ، بواسطة هذا الفعل، موحًدا لطرفين كانا قد اعتبرا في السابق على طرفي نقيض. و هو ما يمكن معه القول، دون أدنى مجازفة، إن المعرفة لم تعد شأن النفس المتعالية لوحدها و إنما هي نتاج لتعاضد بينها، أي النفس، وبين الجسد. وهكذا » فحين يكون الذكاء… هو السيد،(كالحال عند) الطبيب، أو القائد العسكري، فان الغاية في هذه الحالة هي التبصر[6] « الذي يكون هدفه هو تحسين الوضعية العينة للكائن الفعلي وليس للكائن النظري أو المطلق. فالنظر، في هذا المقام، يفهم في بعديه أي التبصر والإبصار أي التفكير والرؤية. تماما كالحال في الفحص الطبي الذي يجمع بين المعاينة والتفكير، أي بين الحسي والمجرد.

نقرأ في هذا الصدد في محاورة الفيلاب مقارنة معبرة جدا، وهي تتعلق بالتناسب والتوازي بين تجاوب النفس والحواس ارتباطا بمثيرات المحيط. هذا التناسب وهذا التوازي يؤولان إلى تواصل بين الطرفين أي النفس والجسد، فيصبحان في ألفة إلى حد التوحد. ف »نفسنا بمثابة لوحة كتابة une tablette à écrire … تتحمل فيها الذاكرة نفس الأعراض التي تتحملها الحواس، كما هو الحال مثلا لو أن هذه الكتابة سترسم على النفس، وحين تكون هذه الوضعية سليمة، فان هذه الكتابة تكون صادقة وهو ما ينتج فينا أراء صائبة تمام الصواب وإلا كان العكس[7] «نتبن بوضوح، من خلال هذه الجملة، إن مكانة الحواس أساسية في عملية المعرفة. وحين نقول الحواس فهذا يعنى الجسد فهو الذي من دونه لا يمكن للنفس أن تحصل على أراء صائبة. وهذه الآراء ليست هي لا بالأفكار idées التي يكون مصدرها النفس، ولا هي بنسخ copies أو نسخ النسخة simulacres التي هي منتجات الحواس لوحدها، وإنما هي نتاج للتكامل بين النفس والحواس التي تكاد هي أيضا أن تكون نفسا.

ويمكن الاستدلال في هذا الشان بمثال الرسم peinture بما هو دليل على التصور المادي للآراء المتجسدة المسجلة في الذاكرة[8] نتيجة لتصور حسي. ويمكن القول إن مسالة الذاكرة تسمح بالتأكد من التفاعل الجدلي بين النفس والجسد في بناء الحقائق في كل المجالات وليس في المجال المعرفي فقط. وهو ما يسمح لنا بالجزم بان الجسد لم يعد، في التصور الأفلاطوني الوارد في المحاورات الأخيرة، عامل اضطراب أو كائن حقير أو محقر وإنما هو سبيل الخلاص بالنسبة للإنسان : » فحين يستقر الذكاء في النفس… ويستقر في الرأس كل من السمع والإبصار… أي عندما يلتحم الذكاء بأفضل وأبهى احساساتنا ليكوًنان مجموعة واحدة ووحيدة، عندها يمكن الكلام بكل الصواب الممكن عن إنقاذ كل منا بفرديته[9]«.

هذا المقطع من القوانين مبين بتدليل واقعي وحسي حيث أصبحت معرفة الحسي أمرا ضروريا لإنجاح أي عمل. فالطبيب مثلا لكي يشفي المريض لا بد أن يعلم طبيعة جسد المريض وحالته تماما كالأمر أيضا في توجيه السفن أو قيادة البعثات الحربية. إن هؤلاء المحترفين الثلاثة (الطبيب والقبطان والقائد) لا يتوصلون إلى النجاح في مهامهم إلا بالاعتماد على حواسهم، وأكثرها ألوهية في نظر أفلاطون، هي حاسة الإبصار. ولا يفوتنا التذكير بأهمية الإبصار في أمثولة الكهف التي تعتبر أكثرها تجريدا لكنها تستند إلى الإبصار لا باعتباره أداة تشويه للحقائق وإنما وسيلة للترقي في عالم المعرفة. إذ نحصل في آخر الأمثولة على تقارب إلى حد التماهي بين الإبصار والتبصر أو بين »عيون النفس وعيون الرأس« كما عبر عن ذلك جان ـ فرنسوا ماتيي[10] وهما في آخر الأمر ضمن الجسد. وإذا كانت اهتمامات النفس هي معرفة الجواهر واهتمامات العين هي معرفة المحسوسات فان أفلاطون عبر في كتاب الجمهورية عن قبوله البصر بمثابة عضو يمًكن من المعرفة وزاد أن شرع اعتماد هذا العضو، في كل من كتاب التيماوس وكتاب القوانين، لا معرفيا فقط وإنما عمليا أيضا، وربما تكون أهميته العملية والفعلية اكبر من قيمته المعرفية. خصوصا إذا علمنا أن فاعليته في المجال الحياتي قابلة للمراقبة اكثر منها في المجال المعرفي. ولا بد أن نذكر أن أفلاطون في هذه المرحلة من فلسفته بدا يتخلى عن المثل الطوباوية الموروثة عن سقراط لكي ينتصر صراحة إلى قيم واقعية وقابلة للتطبيق من طرف الجميع. وافضل مثال في هذا الصدد هو مثال الإنسان الفاضل (الجدير بالاحترام) أي الذي يقدم خدمة للآخرين. لم يعد صاحب هذه المنزلة ذلك الشخص الغارق في التأمل أي المنقطع عن عالم المحسوسات، وإنما اصبح ذلك الشخص الذي القادر على الفعل في هذا العالم لأنه شديد الارتباط به، ذلك أن التحكم في الطبيعة، كما سيقال لاحقا، يستوجب الإصغاء لها أولا.

عودة المكبوت

لقد تبين أفلاطون في آخر الأمر أي حين لم يعد التأمل يكفي لوحده لتحقيق أغراضه، أن الالتجاء إلى الحواس أمر ضروري لا للتعرف عن عالم المحسوسات فقط وإنما أيضا للتعرف على عالم المجردات، وإن كان الفصل بين العالمين هو بالأساس فصل منهجي وليس بالفصل العملي والحقيقي. فلا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين عالم الطبيعة وعالم السياسة. وفي هذه الحالة بالذات يكون الفيلسوف بمثابة طبيب لا يمكن أن يستغني عن حواسه لمعالجة مريضه. ويصبح الفيلسوف بهذا المقتضى، كما سيقال لاحقا، طبيب الحضارة وإن كان جهده يتجاوز في الواقع الحالات الفردية إلى الحالات الجماعية.

ومادام الفعل الناجع في هذا المستوى لا يمكنه أن يهمل الخوض في ظروف الجسد وتكوينه الأول، فان أفلاطون تعرض في مؤلفاته الأخيرة[11] إلى هذه المسالة بإسهاب ودقة فريدين. وقد اعتمد في ذلك، كما أشرنا سابقا، على جملة من المعارف، تبوأت فيها الرياضيات المنزلة الأولى. ووصفه الدقيق لهذه العملية يقودنا إلى إقرار بديهي وهو رده الاعتبار للجسد بعد أن كاد يقصيه في مؤلفاته الأولى من دائرة الأفعال والأفكار. ولا بد من الإشارة إلى انه لم يساوي بين كل أعضاء هذا الجسد بل جعل من الأعلى هو الأفضل، أي أن الرأس عنده هي مركز القيادة والتحكم[12] لأنها تحتوي على اشرف الأعضاء وأنبل الوظائف، نعني يذلك العيون والإبصار، وهي في مجموعها خادمة لباقي الجسد والمآرب[13]. كما يمكن التذكير بان حديثة التفصيلي عن الرأس لم ينسيه الإشارة إلى بقية الأعضاء الأخرى أمثال القلب أو الكبد والجهاز الهضمي.

ويمكن رد اهتمام أفلاطون المطلق بالرأس إجمالا إلى بعض الاعتبارات أولاها الشبه الكبير بين شكلها وشكل العالم فكلاهما كروي، وثانيتها هي أهمية الأعضاء التي ركبت في الرأس والتي لا يمكن من دونها للنفس[14] أن تحدد أغراضها وتبلغ مقاصدها وثالثتها أن الرأس تحوى النفس الفاضلة أي تلك التي تفكر والتي تقدر أن تجعل من الإنسان كائنا متميزا عن بقية الكائنات الأخرى مجتمعة. وهو ما يجعلنا نقر بان الفصل بين النفس والجسد فصل مغلوط لان لا أحد منهما يستطيع الاستقلال بذاته وهو ما يملى ضرورة التعايش بينهما بعيدا عن تحقير هذا أو تفضيل ذاك. فكلاهما صنع للآخر ولا يكون الإنسان إنسانا بأحدهما فقط. ففي غياب العيون، أي هذه الواسطة العضوية، يفقد الإنسان علاقته بالعالم الخارجي وبالتالي لا يستطيع أن ينحت مكانا لنفسه في الوجود. فهذا العضو هو بحق مصدر راحة الإنسان وهدوءه[15]. فالعيون تكشف له عالم الكواكب وعالم الإنسان والظلال ومفهوم الزمن وكل ما يحتاجه في حياته العملية و الفكرية. ولم يتردد أفلاطون في إكبار هذه الحاسة اللاهية، إلى الحد الذي جعله يقر صراحة أنه من الإبصار تولد الفلسفة، وأن من فقد الإبصار، أي صار أعمى، لا أمل له في أن يصبح فيلسوفا[16]. وبشكل عام فان الإبصار، عند أفلاطون، هو الذي سمح لنا بالتعرف على الآلهة والطبيعة وذواتنا، ذلك أن فعل رأى أو نظر يفيد الجهد والتحصيل المادين والعقلين. فانطلاقا من التأمل الحسي contempler للموجودات يمكن أن نرتقي (إلى الصانع، كما ردد ذلك ابن رشد في بعض حججه) إلى عالم الجمال والفضيلة. ومادامت الحاجة إلى الجسد ملحة فلا يجب التفريط فيه ولا بد من العناية به وتبوئيه المكانة اللائقة به. وهو ما طالب به أفلاطون بإلحاح في حديثه عن وظائف المشرع في كتابه الأخير. فهو يأمره بضرورة التمييز بين الأساليب المشرفة للجسد والمُحطة من قيمته[17]. و من مظاهر رد الاعتبار للجسد، يمكن أن نُذكر بدفاع أفلاطون عن الموت الرحيم (l’euthanasie) بما هو رمز لتبجيل هذا الكائن ولاحترامه.

الموت الرحيم بما هو رمز احترام الجسد

إن احترام أفلاطون لحرمة الجسد وضرورة حمايته أدى به إلى تشريع الموت الرحيم، وهي مسالة لا تزال إلى يومنا محل اخذ ورد في المجالس والهيئات العلمية و القضائية والبرلمانية المتحمسة لاحترام الأخلاق والدفاع عنها في العديد من بلدان الغرب الثرية والمتقدمة. إن هذا التشريع الأفلاطوني علامة إضافية على مدى الاعتبار الذي يكنه للجسد ولحرمته وتجنيبه اكثر الشرور واكبر الآلام. وبذلك فان للإنسان الحق في الموت في حالة تعرضه لآلام مبرحة نتيجة لداء عرضي استحال عليه تجنبه [18] حتى يحفظ جسده من تلف متزايد.

إن عملية الإنقاذ هذه، التي يعتمدها الإنسان في الوضعيان القصوى، تسمح له بتكريم وتشريف جسده عوض تركه يُنهش من طرف الأوبئة والآلام. ولا علاقة لهذه العملية باعتبارات جمالية أو عضلية أو عضوية وإنما أساسها أخلاقي : تجنيب الأذى لمن نحب وجعل النفس تحي في جسد معافى حتى تحقق غاياتها النبيلة ولا تتدنى، نتيجة للأمراض والآلام إلى نفس ضعيفة وسافلة[19].

وهكذا فإننا نتبين أن الممارسات التعسفية تجاه الجسد أو العناية والتشريف المغلوطين له، لا تؤذيه هو فقط وإنما أيضا تؤذي النفس. ولتجنيب هذه النفس ما يمكن أن يلحقها من أذى فأنه من الضروري التوفيق بين حاجياتها وحاجيات الجسد. مما يعني أن محاولة قتل الجسد مرفوضة في نظر أفلاطون تبعا لمساويها المتعددة. كما أن تحقيق حاجيات الجسد لا بد أن يتخذ من مبدأ الاعتدال مرجعا له. وهو ما أعلنه أفلاطون صراحة بداية من التيماوس حين قال: لا بد أن نعطي للنفس ما يناسبها وللجسد ما يحتاجه. وهكذا فانه عوٌض الزهد المميت للجسد بأفعال تزيد من احترامه وحقق له حاجياته المادية والأدبية في آن واحد.

وهكذا فان أفلاطون، في مؤلفاته الأخيرة، تخلى عن موقفه التقليدي من الجسد، ذلك الذي ورد خصوصا في كتابي القرجياس[20] والفيدون[21] والذي اعتبر بموجبها الجسد بمثابة جدار من طين يفسد على النفس مسارها وطالب بقتله[22] لكي يشركه إلى جانب النفس في تحقيق الفضيلة التي لا يمكن أن تكون نتاجا للذكاء لوحده. وهكذا اصبح الجسد عند هذا المفكر كائنا جديرا بالاحترام بعد أن كان مبعدا عن حظيرة الحياة في معناها الواسع.

لقد صار التناغم بين مكونات الإنسان هو مبدأ الحياة المتوازنة واصبح للجسد حقه في المتعة والتلذذ بخيرات الدنيا.

وسنبين في مقال لاحق، إذا أتيحت لنا الفرصة، إجراءات هذه العملية.

د. احمد المرواني

المعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية بتونس

________________________________________

[1] نعني بالمحاورات الأخيرة: التيماوس Timée و الكريتياس Critias و الفيلاب Philèbe و القوانين .lois

[2] يكفي أن نذكر في هذا الصدد بمثال واحد حتى نتبين هذا المنحى، أي الدقيقات، و هو شرحه المستفيض لعملية التنفس، انظر التيماوس Timée, 79 b-c.

[3]مثل محاورة فادر Phèdre

«est un semblant dont chacun de nous est accompagné » ou qu’il «n’est que le simulacre de l’homme » [4] انظر القوانين 959 a-b

[5]التيماوس انطلاقا من Timée, à partir de 45 d

[6] القوانين 963 a-b

[7]الفيلاب39 a

[8] الفيلاب 39 b

[9]القوانين961 d.

[10]انظر : Jean-François Mattéi, Platon et le miroir du mythe (de l’âge d’or à l’Atlantide), Paris, P. U. F., 1996, p. 128.

[11]التيماوس مثلا بداية من 73b

[12] القوانين942 e

[13]انظر كتاب Luc Brisson, Le même et l’autre dans la struc¬ture ontologique du Timée de Platon : (un commentaire systé¬matique du Timée de Pla¬ton), Paris, Klinckscieck, 1974, p. 420

[14]التيماوس 44 a, 45 a

[15]انظر E. Chambry, traduction du Timée, note 112.

[16] التيماوس 47 b

[17]القوانين 728 d

[18] القوانين 873 c

[19]لقوانين 728 d-e

[20] القرجياس492 a

[21] الفيدون 67 c-e

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا جزيلا لك استاذ على هذا الجهد الواضح في القضاء أو على الاقل التنبيه إلى خطأ شائع حول فيلسوف لم يتردد العرب في نعته بالفيلسوف الالهي ولم يتردد الفيلسوف المعاصر فرنسوا شاتليه في القول عندما تحدث عنه :
    " أفلاطون أو الفلسفة "

    ردحذف