السند: موت سقراط
إن موت سقراط يمكن أن ننظر إليه انطلاقا من علاقة الفلسفة بالكلّي : فلو لم يكن سقراط يدعو أهل أثينا إلى الاهتمام بالقيم الكلية المجردة العقلية والانقطاع عن الحسي والعرضي والمتلاشي والمتغير لما حكم عليه بالموت . إن هذه الرسالة السقراطية تتناقض مع القيم السائدة في الحياة اليومية في تلك الفترة وهو ما يتجلى من خلال القول السقراطي التالي:< يا أهل أثينا إن إيماني اقوي من أن يضاهيني فيه هؤلاء الذين يتهمونني > إن تعاليم سقراط تقوم على نشر الفكر الفلسفي بين الناس والدعوة إلى استبدال القيم المادية بالقيم الروحية ،استبدال طلب المال والشهرة والمجد بما هي تفاهات وحقارة في نظر سقراط بطلب الخير والعدل والحق، استبدال الاهتمام بصلاح الأجساد بالاهتمام بصلاح الأنفس أو العقول .إن سقراط يدعو إلى العودة إلى النفس( اعرف نفسك بنفسك ) وفعل الارتداد إلى النفس هو ضرب من التحرر ؛ التحرر من السائد والبداهة والوثوقية التي تسحق الذات، فإذا كان الفكر العامي منساقا إلى اعتناق الحقائق السائدة فان الفكر الفلسفي يقوم على مراجعة ما ألفه الناس من قيم أصبحت بحكم التعود بديهية ويدعو إلى الكلّي الذي يمثل نموذج الإنسان الذي يجب أن يكون وفي هذا الإطار يمكن فهم الصراع بين الأفلاطونية والسفسطائية،بين قول فلسفي قائم على الوحدة يمثله أفلاطون وآخر قائم على الكثرة تمثله السفسطائية ومن هنا يمكن التساؤل عن الإنساني وتراوحه بين الوحدة والكثرة؟
1 ـ الاشتغال على المفاهيم:
ـ الإنساني: صفة نشير بها إلى الإنسان وما هو إنساني يدل على جملة من الخصائص المشتركة بين الناس وهي جملة من الخصائص المميزة للكائن البشري، سمات تميز الإنسان عن الحيوان < الوعي، اللغة، الحرية > .كما يمكن أن تقال عبارة الإنساني في علاقة بالبربري أو الغريب، المتوحش
ـ الوحدة: <الواحد، الثابت، المطلق، الهوية> الواحد l’un يقال على الفرد أو العنصر من حيث اعتباره جزءا من كثرة من الناحية الكمية ويقال أيضا على كائن بلا أجزاء بتاتا من الناحية الكيفية أي لا يمكن تجزئته ولا بد أن يكون واحدا. كما يقال أيضا على كائن يمكن التمييز بين أجزاء فيه لكنه يشكل عضوية ولا يمكن تقسيمه دون فقدان ما يكونه جوهريا ـ الكثرة: < التعدد، التنوع، النسبية، الاختلاف> الكثير le multiple يقال على ما يتضمن عناصر مختلفة قابلة للعد من الناحية الكمية وحسب هذا المعنى الكثير يقابل الواحد ولا وجود لتعارض بينهما بل هناك اجتماع فكل كثرة تفترض وحدة تعود اليها.
2 ـ مسار الاشكلة: من المعاني إلى الأسئلة الإشكالية :
هل الإنساني يقوم على الوحدة أم الكثرة؟ هل وحدة الإنسانية يمكن أن تقوم على الكثرة؟ وهو ما يعني الانتقال من وحدة تقوم على الهوية الثابتة القائمة على التطابق إلى وحدة تقوم على التنوع والاختلاف؟ ما علاقة الانية بالغيرية؟ هل يمكن أن تقوم الانية بمعزل عن الغيرية أم أن حضور الانية يستوجب الغيرية؟ ما علاقة الخصوصية بالكونية؟هل الخصوصية نفي للكونية آم أن الكونية تقوم على جملة من الخصوصيات < الكثرة>؟ وهل يمكن أن تتحول الخصوصية إلى "كونية"؟ تلغي بقية الخصوصيات بل تعتبر شكلا من أشكال التوحش أو البربرية أو اللاانسانية؟
الملاحظ لما هو إنساني يدرك الكثرة والتنوع والاختلاف بل حتى التناقض في ما يتعلق مثلا بالعادات أو اللغات أو الديانات أو الأفكار أو الأذواق فهل هذه الكثرة يمكن أن تجعل من الوحدة الإنسانية ضربا من التجريد وان الحقيقة ليست
الوحدة وإنما الكثرة وهو ما يؤدي إلى الفراق بين الإنسان والإنسان وربما الصدام.لكن رغم الكثرة والتنوع والاختلاف ثمة من يقول بوحدة الإنسانية فهل يؤدي هذا القول إلى القضاء على فكرة الكثرة والتنوع والاختلاف؟ يقول ادغار موران: "ثمة وحدة إنسانية وثمة تنوع إنساني ، هناك وحدة داخل التنوع الإنساني وثمة تنوع داخل الوحدة الإنسانية" وهو ما يعني أن ما يجمعنا يفرقنا فنحن مثلا توائم باللغة ومتفرقون بالألسن ونحن متشابهون بالثقافة ومختلفون بالثقافات. وبالتالي هناك توتر قائم في صلب الإنساني بين الوحدة والكثرة ألا يمكن الحديث أيضا عن توتر قائم في صلب الانية وتوتر بين الانية والغيرية هل يمكن الحديث عن جدلية الوحدة والكثرة في إطار العلاقة بين الانية والغيرية؟
احدث المواضيع
الاثنين، 23 نوفمبر 2009
الدرس: الإنساني بين الوحدة والكثرة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق