العصور الوسطى
أما السيادة في فترة العصور الوسطى فإن أهم ما تتصف به هو سيطرة المفاهيم المسيحية باعتبارها نظاما مميزا عن الدولة والصراع القائم بين السلطة الدينية والزمنية وتفشي نظام الإقطاع. وقد ولدت فكرة السيادة الحديثة من رحم هذه الظروف وشهدت تحولا في مفهومها، فقد كان تقديس الحكام معروفا في العصور القديمة وامتد إلى بداية العصور الوسطى، حيث استمد الحكام مكانتهم من ترويجهم لفكرة أنهم ظل الله على الأرض وأنهم يستمدون سلطتهم من الله مباشرة وليس من الشعب، وكان لذلك أثر مباشر في جعل سلطان الحاكم مطلقا وبلا حدود أو ضوابط. وبدأ تغير مفهوم السلطة بعد أن شهد هذا العصر مواجهة كبيرة بين السلطة الزمنية ممثلة في الإمبراطورية وسلطة الكنيسة ممثلة في البابا، وعلى الرغم من ظهور القاعدة الكنسية الشهيرة (ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، إلا أن هذا المفهوم لم يمنع التصادم بين هاتين القوتين المتصارعتين نظرا لعدم وضوح الاختصاصات والحدود بينهما في ذلك الوقت، وهكذا فإن هذا العصر شهد بذور فكرة فصل السلطتين ثم لاحقا الفصل بين السلطات السيادية.. التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وشهدت فكرة السيادة تحولا على يد القديس (توما الأكويني) الذي قاد الحركة الفقهية المسيحية أثناء التحولات التاريخية لفكرة السيادة في العصور الوسطى، وكانت لأفكاره أثر بالغ في تطور مفهوم السيادة من الوجهتين القانونية والفلسفية، حيث اصطبغت السلطة بصبغة مسيحية وحررتها من رواسب فكر العصر القديم، وذلك بإهدار فكرة السلطان المطلق والتزام الحاكم بالقواعد العليا للقانون الإلهي، وهي وإن بدت الآن فكرة مطلقة وغير ديمقراطية فإنها في حينه كانت تحديا للسلطة المطلقة للملوك وكانت فكرة انتقالية نحو تأسيس السيادة على الإرادة الشعبية.
الدولة الإسلامية.. ومفهوم السيادة
وبالمقابل وفي الوقت الذي كانت فيه أوربا ترزح تحت ظلم العصور الوسطى المشبعة بالسلطان الكلي للدولة والسلطة المطلقة للحاكم دون حدود أو قيود، ولدت في الجزيرة العربية أول دولة متعددة الأديان والعرقيات والثقافات تكفل المواطنة المتساوية للنساء والعبيد والمسلمين من غير العرب والعرب من غير المسلمين بعدل وفق دستور المدينة، وذلك بعد هجرة الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم– من مكة إلى المدينة عام 622م. وظلت هذه الدولة قوية فتية في عهد الخلفاء الراشدين والتابعين من بعدهم، حيث اكتملت منها جميع عناصر "الدولة القانونية" بالمفهوم العصري والتي تعتمد على وجود دستور وتدرج في القواعد.
وبدأت السيادة في ظل الدولة الإسلامية بصبغة دينية باسم الخلافة، ثم اتجهت اتجاها زمنيا في عهد بني أمية، وعادت لتصطبغ بصبغة الحق الإلهي في العهد العباسي ومفهوم السيادة في النظرية الإسلامية حيث قامت الدولة على أسس ثابتة في القرآن الكريم والسنة. وقد اعترفت دولة الإسلام مبكرا بوجود إرادة عامة غير إرادة الأفراد، لكن بعض حكام المسلمين خاصة في عهد بني أمية انحرفوا عن هذا المفهوم حيث تم تحويل الخلافة إلى ملك وراثي عضوض.
العصر الحديث.. مفهوم جديد
فإذا ما انتقلنا للسيادة في العصر الحديث أو ما يطلق عليه البعض عصر النهضة في القرن الخامس عشر نجد الدولة الحديثة قد قامت على أنقاض النظام الإقطاعي، حيث أدى ضعف السلطة البابوية إلى إبراز فكرة السيادة وإعطائها مفهوما جديدا.
فمع بداية القرن السادس عشر وصلت فكرة الدولة كفكرة قانونية إلى مستوى مقبول من النضج بعد أن ساهمت في ذلك عوامل سياسية واجتماعية مختلفة واستطاعت أن تتحرر من رواسب العهد الإقطاعي وأصبحت السيادة ميزة أساسية للدولة وجزءا من شخصيتها. وأخذت فكرة السيادة المطلقة في الزوال لتحل محلها السيادة المقيدة التي استعرضها الفقيه "جان بودان" 1576م منذ أن كانت فكرة قليلة الشيوع والاستعمال إلى أن أخذت نصيبها من الشهرة والتقدير. وعلى الرغم مما أصاب هذه الفكرة من تطور على يد "بودان" فإنها لم تسلم من النقد، فقد دافع عن سيادة الدولة ومجد سلطانها حتى تسمو على الأفراد وتعلو على القانون، وبالتالي فلم يصل بالسيادة إلى الحد الديمقراطي المطلوب حيث استمرت مظهرا من مظاهر السلطة المطلقة.
وبفضل "جروشيوس" الذي اعتبر بحق أبا القانون الدولي الغربي وصاحب مدرسة القانون الطبيعي، تطورت فكرة السيادة باتجاه مفهوم جديد يأخذ في اعتباره تطور المجتمع الدولي، حيث استطاع أن يخلص السيادة من التصاقها بالحاكم وأن يحررها من رواسب الإطلاقية وأخضعها لمبادئ جديدة هي مبادئ القانون الطبيعي إضافة إلى القانون الإلهي.
وفي القرن الثامن عشر نادي المفكر "جان جاك روسو" في كتابه الشهير "العقد الاجتماعي" بالإرادة العامة للشعب، وبالتالي شهدت السيادة قيدا جديدا يجد أصالته في منبع جديد أشد التصاقا بالشخصية الإنسانية وبالحرية. وانتقلت السيادة من مصادرها الإلهية إلى مصادر اجتماعية أساسها الإرادة العامة للشعب والأمة، وهذه الإرادة هي التي تراقب الحاكم تمهيدا لإعلان مسئوليته في حالة خرقه للعقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين.
مما سبق نستطيع أن نحدد مضمون السيادة آخذين في الاعتبار الظروف التاريخية التي نشأت فيها هذه الفكرة والغرض الذي نشأت لتحقيقه.
خريطة المفهوم
يعرف "جان بودان" السيادة في مؤلفه المعنون "ستة كتب عن الجمهورية" الذي نشره 1576م بأنها سلطة عليا على المواطنين والرعايا، وفي تحليله لهذه السلطة العليا يرى بودان أنها أولا: سلطة دائمة.. بمعنى أنها تدوم مدى الحياة وبذلك تتميز عن أي منحة للسلطة تكون مقصورة على فترة زمنية محدودة.. وتأسيسا على ذلك لا يمكن أن توصف السلطة المطلقة المؤقتة بالسيادة. ولهذا السبب يفرق بودان بين "السيد Souverain " والحاكم الذي تكون سلطته مؤقتة ولذلك فلا يمكن وصفه بأنه صاحب سيادة وإنما هو مجرد أمين عليها فقط. ثانيا: إن هذه السلطة لا يمكن تفويضها أو التصرف فيها، كما لا تخضع للتقادم. ثالثا: وهي سلطة مطلقة لا تخضع للقانون لأن صاحب هذه السلطة هو الذي يضع القانون ولا يمكن أن يقيد نفسه، كما لا يمكن أن يكون مسئولا مسئولية قانونية أمام أحد.
والخاصية الأساسية لهذه السيادة أو السلطة المطلقة في نظر بودان تكمن في وضع القوانين "سلطة التشريع". وبذلك نجد أن بودان وضع ثلاثة حدود للسيادة، وهي:
أولا القانون الطبيعي: فصاحب السيادة يتقيد بالقانون الطبيعي وبقواعده ويجب عليه أن يتقيد بالمعاهدات والاتفاقيات التي يعقدها، ولكن من الذي يلزم صاحب السيادة باحترام القانون الطبيعي. هنا نجد بودان في موقف محرج يجعل نظريته في موقف متناقض ومع ذلك لا يعترف بأي جهة تفرض احترام القانون الطبيعي علي صاحب السيادة، وإلا كانت هذه الجهة حسب النظرية صاحبة السيادة الحقيقية.
ثانيا القوانين الدستورية الأساسية: ويخص بودان بالذكر قوانين وراثة العرش التي كان يرى أن الملك لا يستطيع أن يغيرها لأنه كان يؤمن بالدستور، وبأن التغيير في قوانين وراثة العرش يؤدي لإحداث القلاقل والاضطرابات؛ وهو ما يترتب عليه حدوث انقسامات في الدولة.
ثالثا الملكية الخاصة: كان جان بودان يؤمن بأن الملكية الخاصة قاعدة أساسية من قواعد القانون الطبيعي ولكنه أفرد لها بحثا خاصا، وكان يقول بأن السيد (صاحب السيادة) لا يستطيع أن ينتزع الملكية الخاصة من أي فرد في الدولة كما اعتقد بوجود حدود تتعلق بسلطة فرض الضريبة.
وبذلك يظهر التناقض في نظرية بودان بوضوح فهو في الوقت الذي يؤكد أن السلطة العليا لا حد لها في الدولة نراه يذكر أن هناك عدة عوامل محددة لها. هذه العوامل في الواقع تصيب النظرية بالصدع لأنها توجد بجانب السلطة العليا سلطات أعلى منها، كما أنه لا يستطيع أن يجد من يقوم بفرض وتنفيذ هذه الاستثناءات. ونجده لهذا السبب يضطر إلى الإيمان بحق الثورة في حالة التعدي علي أي من القيود الثلاثة التي حددها.
وإذا كان بودان قد عالج السيادة من زاوية الشئون الداخلية وعلاقة الدولة بالمواطنين، فقد عالجها هوجو جروشيوس من زاوية الشئون الخارجية وعلاقة الدولة بغيرها من الدول. فسر جروشيوس السيادة بأنها السلطة السياسية العليا التي تتركز في الشخص الذي لا تتمكن أي إرادة إنسانية من نقض أعماله. وبالرغم من هذا التعريف فقد نقضه جروشيوس نفسه عندما أباح الحد من هذه السلطة وتقسيمها في بعض الدول الأوربية. ويرجع هذا التناقض إلى رغبته في إنهاء الحروب التي كان يشعلها الأمراء ضد بعضهم البعض، فقد حاول أن يحد من سلطات الهيئات التي لها حق إعلان الحرب وعارض مبدأ السيادة الشعبية؛ لأنه رأى أنها تتعارض مع المحافظة على الأمن والنظام، واعتبرها المسئولة عن الاضطرابات والخلافات التي سادت في العصر الذي عاش فيه. ومن ناحية أخرى رأى جروشيوس أن للشعب حق اختيار نوع الحكم الذي يعيش في ظله، ومتى تم هذا الاختيار فيجب على الشعب أن يخضع لهذا النظام ويطبع الأوامر التي تصدر عنه. وأنكر جروشيوس على الشعب حقه في معارضة ومقاومة حاكميه، وتتميز أفكار جروشيوس في الدفاع عن الملكية المطلقة والسيادة على أراضي الدولة والمساواة بين الدول.
واتبع "هوبز" طريق "بودان" في إطلاقه للسلطة صاحبة السيادة، إلا أنه كان منطقيا أكثر فلم يأت بمضمون السيادة من الخارج وإنما حاول استخلاصه من هدف الدولة ذاته. فقد كانت حالة الفطرة في نظره تقوم على الفوضى وسيطرة الأقوياء، ولهذا السبب وبدافع خوف الإنسان من غيره، وبغريزة حب البقاء، اضطر الإنسان إلى الاتفاق مع غيره من أبناء جنسه على أن يعيشوا معا تحت إمرة واحد منهم وكان ضروريا أن يحتاج هؤلاء الأفراد أساسا آخر بالإضافة إلى العقد لكي يجعل اتفاقهم دائما مستمرا هذا الأساس هو سلطة مشتركة تلزمهم وتوجه أعمالهم للصالح المشترك بينهم، والوسيلة الوحيدة لإقامة هذه السلطة هي أن ينزل هؤلاء الأفراد إلى واحد منهم عن كل سلطاتهم وحقوقهم الطبيعية، فإذا ما تم ذلك فإن الشخص الذي اتحد فيه المجموع يكون صاحب السيادة ويكون بقية الأفراد رعايا له.
وما دام الأفراد قد نزلوا عن كل حقوقهم دون أن يلزموا الحاكم بشيء فإن سلطانه عليهم يكون مطلقا لا حدود له، ومهما أتى من تصرفات أو أفعال فلن يحق للأفراد أن يثوروا عليه أو أن يخالفوا أمره، وإلا عُدوا خارجين عن العقد ناكثين للعهد. ويهاجم "هوبز" الرأي القائل بأن الأفراد لم ينزلوا بالعقد الذي أقاموا به السلطة إلا عن جزء من حقوقهم واحتفظوا لأنفسهم بالجزء الباقي فالتنازل الجزئي في رأيه غير ممكن وإلا أبقينا على الحياة البدائية التي تسودها الفوضى والحروب بين الأفراد.
ونتيجة لذلك فإن السلطة عند "هوبز" تكون دائما مطلقة ويذهب "هوبز" في فكرة السلطان المطلق إلى حد القول بأن الدولة مالكة لجميع الأموال بحجة أن الأفراد قد نزلوا للحاكم الذي اختاروه عن جميع حقوقهم، وبالتالي لا تكون لهم على الأموال حقوق وإنما مجرد امتيازات يقررها الحاكم ويسحبها كما يشاء. وأخيرا فإن "هوبز" يرى أن الحاكم غير مقيد بأي قانون لأنه هو الذي يضعه ويعد له ويلغيه حسب هواه، وهو الذي يحدد معنى العدالة. وهكذا يبدو رأي كل من "بودان" و"هوبز" واضحا، فما دام الشعب قد تخلى كلية عن سلطته لكي ينقلها إلى الملك فإن هذا الملك لم يعد جزءا ضمن الشعب وإنما انفصل عنه وأصبح مستقلا عنه بل وساميا عليه وأصبح هو صاحب السيادة الذي يحكم من فوق المجتمع السياسي كله، فعندما يقول بودان "إن الأمير صاحب السيادة هو صورة الله في الأرض" فإن هذا التعبير يجب أن يفهم بكل ما يعنيه، فهو يعني أن صاحب السيادة يسود الشعب كما يسود الله الكون.
لكن مضمون السيادة تغير مع كتابات "جان جاك روسو" الذي يقول: إن العقد الاجتماعي يعطي المجتمع السياسي سلطة مطلقة على كل أعضائه، وهذه السلطة المطلقة التي تتولاها إرادة عامة تحمل اسم السيادة "والسيادة التي ليست سوى ممارسة الإرادة العامة لا يمكن أبدا التصرف فيها، وصاحب السيادة الذي هو كائن جماعي لا يمكن لأحد أن يمثله أو ينوب عنه سوى نفسه"، ويضيف روسو إلى ذلك أن "السلطة العليا لا يمكن تقييدها؛ ذلك أن تقييد السلطة العليا معناه تحطيمها"، وأن "السلطة صاحبة السيادة ليست في حاجة إلى ضمانات بالنسبة لرعاياها".
ويفسر "روسو" فكرة العقد الاجتماعي بقوله: إن الالتزام الاجتماعي والخضوع للسلطة لا يمكن أن يكون أساسها القوة، ذلك أن تأسيس السلطة على القوة وحدها يعني إنكار فكرة الحق كلية وينتهي "روسو" إلى أن كل جماعة سياسية لا يمكن تصور وجودها إلا باتفاق الأفراد فيما بينهم على الحياة في جماعة، وهذا الاتفاق أو العقد الاجتماعي لن يكون سليما ومشروعا في نظر روسو إلا إذا صدر من إجماع الإرادات الحرة. فالسيادة إذن ليست شيئا آخر سوى الإرادة العامة للمجتمع الذي أنشأه العقد الاجتماعي، والقانون هو التعبير عن هذه الإرادة العامة ليست هي الإرادة الإجماعية لكل المواطنين ولكنها إرادة الأغلبية، وهذا الخضوع لرأي الأغلبية هو أيضا أحد الشروط الضرورية للعقد الاجتماعي؛ لأن اشتراط الإجماع لكي يصبح القانون ملزما للجميع سوف يكون معناه الحكم على المجتمع بالعجز. ومن المعروف أن روسو كان يؤمن بالديمقراطية المباشرة لذلك السبب، أي لكي يمارس الشعب سيادته بشكل مباشر.
مفاهيم مشابهة
اختلط مفهوم السيادة بغيره من المفاهيم المشابهة مثل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، ويرجع هذا الخلط إلى أن السيادة تحتوي على هذه المفاهيم، ولكن كلا منها لا يعبر عن السيادة بل يعد مظهرا من مظاهرها، وفي كثير من كتب القانون تتداول كلمتا السيادة والسلطة كما لو كانتا ذواتي مدلول واحد غير أنه من المهم أن نفرق بين السيادة والسلطة.
يعتبر مفهوم السيادة أشمل من السلطة؛ فالسلطة" هي ممارسة السيادة (يطلق البعض على السيادة صفة السلطة العليا) أو أن حق السيادة هو مصدر حق السلطة، وكلمة "سيادة" اصطلاح قانوني يترجم كلمة فرنسية مشتقة من أصل لاتيني تعبر عن صفة لمن له السلطة لا يستمدها من غير ذاته ولا يشاركه فيها غيره، ولم تدخل هذه الكلمة لغة القانون إلا في القرن السادس عشر.
أما السلطة فهي "القدرة على فرض إرادة أخرى"، وتمثل الدولة السلطة القهرية التي تعلو على سلطة أي جماعة أخرى في المجتمع، والفرض يتم بإحدى وسيلتين، فهو إما أن يتم بوسائل القهر والعسف، وإما أن يتم بوسائل الإقناع الحر وضرب المثل وتقديم النموذج، وتزداد قوة السلطة دائما ويزداد استقرارها كلما زاد قبولها اختياريا عن طواعية. وقد تعددت أنواع السلطات فهناك السلطة التشريعية والسلطة الشخصية والسلطة التفويضية والسلطة السياسية والسلطة العامة والسلطة التنفيذية، ولا تزال السلطة السياسية هي أهم أنواع السلطة الحديثة.
وهناك أمران آخران يجب التفرقة بينهما وهما من يملك السلطة العامة ومن يباشرها. وفي ظل نظام الحق الإلهي كان الملك هو الذي يملك السلطة وهو الذي يباشرها في نفس الوقت، بينما في ظل نظام سيادة الأمة الذي يملك السلطة العامة أي السيادة هي الأمة، ولكنها لا تستطيع بصفة عامة أن تباشرها بنفسها، ولذلك وجدت هيئات أخرى في ظل النظام النيابي تقوم نيابة عنها بمباشرتها وهذه الهيئات هي البرلمان لوضع القواعد العامة والسلطة التنفيذية لإدارة شئون البلاد والمحاكم للفصل في المنازعات، ولكن هذه الهيئات لا تعتبر في ظل نظام سيادة الأمة مالكة للسلطات التي تباشرها، كما الحال بالنسبة للملك وهو يباشر السلطة في ظل الحق الإلهي، وإنما هذه الهيئات تباشر هذه السلطات أي نتائج فكرة السيادة العامة المملوكة للأمة، في حدود ما نصت عليه الدساتير والقوانين. ولذلك فإن خضوع هذه الهيئات في مباشرتها للسلطة والاختصاصات الممنوحة لها للرقابة القضائية أمر لا يتنافى مع فكرة السيادة العامة بل يستلزمه مبدأ سيادة الأمة ما دامت هذه الهيئات التي تباشر السلطة نيابة عنها، فضلا عن التأكد من أنها لم تخرج عما منحه إياها صاحب السيادة من اختصاصات بالنص الصريح، ولكن هذه الحقيقة قد غابت عن البعض فظن أن هذه الهيئات تعتبر صاحبة سيادة بل وصفوها بأنها سيد Souverain ولذلك رأوا عدم خضوع أعمالها للرقابة القضائية بحجة السيادة العامة.
وقد ميز جانب من الفقه بين ممارسة السيادة وتملكها قانونا، واعتبر أن السيادة الفعلية لمن يمارسها حتى ولو لم يملكها كما هو الحال في وضع المحتل، أما السيادة القانونية فستظل لصاحب الإقليم، وقد حاول الفقه الدولي ورواد المفكرين وضع مواصفات لبيان ماهية السيادة نتيجة لهذا الخلط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق