احدث المواضيع

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

من تدريس الفلسفة إلى التمرس على التفلسف

محمد الأمراني

تتخذ هاته المداخلة من المؤسسات التعليمية المغربية مجالا لدراستها، كما أنها تتبنى رؤية مفادها: أن الدرس الفلسفي الذي يتلقاه التلميذ أو الطالب - بدءا من السنتين الأخيرتين من التعليم الثانوي التأهيلي وما بعده من الأسلاك الجامعية - تتحدد مقاصده في تمكين المتلقي (التلميذ/الطالب) من التحقق بأساليب الفكر النقدي العقلاني، والتخلق بفضائل حرية التعبير وجرأة التفكير، والتعلق بقيم الهوية الوطنية.

وهي مقاصد لا تؤتي ثمارها ما لم يكن المتلقي قد تلقى منذ نعومة أظافره في المؤسسات التعليمية- ناهيك عن المحيط الأسري والمجتمعي- تربية تنمي فيه قدرات الاعتماد على النفس واستعدادات التعلم الذاتي فتغني شخصيته وتفتحها، هذا النوع من التربية والتكوين هو ما نسميه بالتمرس على التفلسف، وهي مرحلة بقدر ما تكون سابقة للدرس الفلسفي - بالمعنى الاصطلاحي - ومهيئة له، بقدر ما تكون محايثة له ومتوجة لمسيرته.

والتمرس على التفلسف بهذا المعنى يفترض وجوبا تحويل الممارسة الفلسفية إلى ثقافة مدرسية ومجتمعية معممة. ومن هذا المنطلق فإن حديثنا يتمحور على محورين رئيسيين هما:

أولا: في التجربة الفلسفية.

ثانيا : من تدريس الفلسفة إلى التمرس على التفلسف .

أولا: في التجربة الفلسفية:

لئن ارتبط اسم الفلسفة والفيلسوف بمحبة الحكمة ومحب الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، فما ذاك إلا لأن التجربة الفلسفية بمثابة حنين يمكن صاحبها وهو يترقى في مدارج الحكمة النظرية والعملية من أن يحيا في معارجها حقيقة الوجود في وجوده الذاتي، ويعانق دلالة التوازن والانسجام في شخصه، فيتذوق سر المعنى في ملابسة ظواهر المبنى، جاعلا من السؤال والتساؤل مطيته الكبرى وعلامته العظمى، فكلما ازداد وعيا ازداد تساؤلا وكلما ازداد تساؤلا ازداد وعيا، فارتبط السؤال الفلسفي بإيقاظ الوعي ويقظته. ومن هنا فإن إيقاظ الوعي هو الهدف الأسمى من الدرس الفلسفي والثمرة المرجوة من التمرس الفلسفي..

ولما لم يكن كل كلام مسبوقا بماذا..؟ أو لماذا..؟ أو كيف..؟ هو سؤال فلسفي، فقد أضحى لزاما على الدرس الفلسفي توضيح طبيعة السؤال الفلسفي من حيث هو قلق وجودي(1) يخرج الإنسان من دوامة الرتابة ويعتقه من بلادة الوعي وغفلة الاندهاش، ويرمي به في بحران الإمكان وغربة الليل الفلسفي بحثا عن فجر الوعي وإشراقة الحكمة.

والمشكلة الرئيسية بالنسبة لمدرس الفلسفة تتمثل أساسا في كيفية جعل المتلقي يعاني التساؤل الفلسفي، ويدرك المنهجية التي تسائل بها الفلسفة العالم. ولما كان هذا النوع من الإدراك يفترض قابلية لدى المتلقي تتجذر في حياته وتنمو تبعا لنوعية التمرس الذي نشأ عليه، أضحى التساؤل عن سن النضج الملائم لتلقي الدرس الفلسفي ومعاناة التجربة الفلسفية سؤالا تربويا وجيها، يخرجنا من أفق إشكالية تلقين الدرس الفلسفي إلى أفق أرحب وأوسع هو أفق إشكالية التمرس على التفلسف.

ثانيا: من تدريس الفلسفة إلى التمرس على التفلسف:

إن التساؤل عن سن النضج الفلسفي قاربه الفلاسفة مقاربات وإن بدت مختلفة في مرجعياتها ودلالتها السياسية، إلا أنها في جوهرها وعمقها متكاملة. حيث لم يتصور أن يكون سن النضج ذاك منعزلا عن سياق حياة المرء، بل هو فقط علامة مضيئة وبداية ذروة في المنحنى البياني لحياة الشخص.

وعلى ذلك فإن سن النضج هذا يتوقف أساسا على نوعية التربية التي أنشئ عليها المرء، وهيئ لأجلها،(2) ولذا كنا نجد المؤسسات التعليمية بالغرب – فرنسا مثلا – وإن اعتبرت أن مستوى الأقسام النهائية من التعليم الثانوي التأهيلي وما بعده من الأسلاك الجامعية هي المرحلة التعليمية الموافقة لسن النضج الملائم لبداية درس الفلسفة، إلا أنها ومن منطلق إيمانها الراسخ بأن الدرس الفلسفي هو مجال التفكير الذاتي بامتياز، وأفق تجسيد الحرية العقلية والتأمل النقدي، وأنه لا يمكن لأي متعلم إنجاز أي مسألة وتطويرها بمجرد تكرار المعارف صار تدريس الفلسفة لديهم يعتمد على مبدأين اثنين–مع توفير البنية التحتية اللازمة لذلك– هما:

1 ـ جعل الفلسفة ذات طابع شعبي:أي الترويج لشعبية الفلسفة لما لها– كما يقول در يدا – من ارتباط قوي بالديموقراطية والعقلانية(3)وهما لازمان من لوازم العصر.

2 ـ تحويل الممارسة الفلسفية إلى ثقافة مدرسية معممة:

لما كانت الفلسفة تفكيرا ذاتيا حرا بامتياز وجب أن تكون المؤسسة التعليمية قادرة بجميع أطوارها على ترسيخ هذه الفضيلة ليستأنس التلميذ/الطالب على التمرس الفلسفي، ومن هنا تعلمه المؤسسة كيفية اكتساب الاستعدادات للتعلم، وتقوم المؤسسة حينئذ من خلال جميع مكوناتها التربوية والتعليمية بتحويل المعارف الفلسفية الخاصة (الديمقراطية، المواطنة، العقلانية، الواجب، الحرية، المسؤولية...) إلى ثقافة مدرسية بدءا من المراحل الابتدائية إلى ما فوقها.

والمنظومة التعليمية بالمغرب إذ تحذو شكليا حذو المؤسسة التعليمية الغربية – الفرنسية خاصة– فإنها بدورها ربطت بداية الدرس الفلسفي بنهاية المرحلة الثانوية الأهلية، فهل أعدت العدة لإنجاح تجربة تدريس الفلسفة بالمؤسسة التعليمية المغربية؟

في تقديري المتواضع لمقاربة هذا التساؤل نضعه في السياق العام لوضعية المؤسسة التعليمية المغربية، فنتجاوز مؤقتا – عند تحليلنا لخطاب الدرس الفلسفي – البحث في الكيفيات الشكلية والبنائية التي صيغت بها - المقررات في السنتين الثانية والثالثة من التعليم الثانوي التأهيلي أو تلك المتعلقة بالتعليم الجامعي- والحصص الزمانية المخصصة لذلك، وطرق التقويم الجاري بها العمل، لأن أسئلة تدريس الفلسفة في جوهرها غير مفصولة عن أسئلة التعليم والبحث بالمؤسسات التعليمية، وهاته موصولة بتوجهات المجتمع ككل وتطلعاته الكبرى.

ومن هنا ترتبط مشكلة الدرس الفلسفي في المؤسسة التعليمية المغربية بمشكلة أعمق وأشمل هي في تقديرنا مشكلة التمرس على التفلسف كفكر وسلوك داخل المؤسسة التعليمية. وهذا ما قصدناه – كما سلف ذكره – عند عنونتنا لهاته المقالة بـ: " من تدريس الفلسفة إلى التمرس على التفلسف ".

ولقد كان وراء توجهنا هذا جملة معطيات تراكمت لدينا عبر ممارستنا المتواضعة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر ثلاثة معطيات سقناها من مجال طلاب الجامعة، وهي معضدة لما في التعليم ككل، على أنه قبل بسطها أود التأكيد على ملاحظة علمية مفادها أن هاته المعطيات أخذت في حسبانها الغالبية العظمى من الطلبة – وأنا أصر هنا على كلمة الأغلبية العظمى -، لأن حديثنا يعتمد على معطيات إحصائية تدخل في اعتبارها الأغلبية لا الأقلية، فمن المعلوم أن من جعل الناس سواء ليس لعقله دواء. فإذا كان للأقلية ظروف ذاتية وموضوعية خاصة بهم تخرجهم من هاته المعطيات، فإن وضع الأغلبية يدل على وجود معطيات موضوعية سائدة تشكل الظاهرة وبالتالي تحتم علينا الوقوف عليها لاستفسارها وتفسيرها، وهاته المعطيات الثلاثة كالآتي:

المعطى الأول: تقلص نسبة المتخرجين بالنظر لاتساع قاعدة المسجلين.

فمثلا الطلبة المسجلون بشعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بكلية الآداب جامعة القاضي عياض – مراكش، المتخرجون منهم في سنوات الإجازة نسبتهم قليلة جدا بالنظر لتسجيلاتهم الأولى، فمثلا المسجلون سنة 1999 والبالغ عددهم 262 طالبا المتخرجون منهم في سنة 2003 نسبتهم لا تتعدى24% والمسجلون سنة 2000 والبالغ عددهم395طالبا المتخرجون منهم في سنة 2004  نسبتهم14%.

المعطى الثاني: تغليب الحفظ والحافظة لدى الطالب على ما سواها من الاستعدادات الفكرية الأخرى.

فالطلبة وخاصة في السنتين الأوليتين من دراستهم يبدون رغبة ملحة وأكيدة ويشعرون بارتياح إذا ما تلقوا جميع دروسهم من ألفها إلى بائيها على شكل إملاءات، وهي العادة التي ترسخت لديهم في تعليمهم الثانوي وما قبله وسادت على ما سواها بشكل كلي ومطلق، مما ترتب على هذا الإفراط اعتماد الطلبة الكلي على قدراتهم في الحفظ والحافظة لاستيعاب الدرس الفلسفي – وما سواه– وذلك على حساب تهميش استعدادات فكرية ونفسانية أخرى، عودوا وتعودوا على التقليل من استعمالها في جميع دراساتهم، وانعكس هذا المعطى بالدرجة الأولى في ثلاثة مستويات مترابطة.

المستوى(1): ميل الطلبة إلى الحفظ والاجترار بالدرجة الأولى وذلك نتيجة حتمية لما عودوا عليه منذ نعومة أظافرهم في التعليم الابتدائي وما بعده.

المستوى(2): هو نتيجة طبيعية للمستوى الأول، حيث أن استجابة الطلبة تكون إيجابية إزاء الامتحانات ذات الأسئلة المباشرة التي عودوا عليها لاعتماد إنجازها على الحفظ والتكرار، خلاف الامتحانات التي تهدف إلى اختبار ذاتية الطالب وشخصيته، ناهيك عما تسببه الامتحانات المباشرة في المؤسسات التعليمية من انتشار حالات الغش، حتى صارت مضرب الأمثال بين تلامذة الإعدادي والابتدائي كقولهم:" من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه"، الاعتماد على النفس أضحى لدى غالبية التلاميذ في ظل ما عودوا عليه في تعليمهم رمزا للتقهقر والتراجع!!.

المستوى(3): هو نتيجة تلقائية للمستويين الأولين وتتمثل بالخصوص في نفور الطلبة من الامتحانات الشفوية وتفضيلهم الامتحانات الكتابية؛ ومرد ذلك أن الطالب منذ نعومة أظافره لم يتلق في المؤسسة التعليمية تربية تنمي مبادراته الذاتية وتكوين شخصيته، وتماشيا مع تنمية قوة الحفظ والحافظة لديه على حساب استعدادات أخرى أضحى الطالب يفضل الانكفاء على الورقة.

المعطى الثالث: عزوف الطالب عن البحث في المراجع والاعتماد الكلي على الحفظ في الكراسة.

العزوف على القراءة والبحث جزء من أزمة التعليم ككل، وتزداد حدة عندما يتعود عليها التلميذ؛ فيظهر نفورا غريبا من المراجع و المصادر.

ففي اجتماع منسقي المسالك مع ممثلي الطلبة في كلية الآداب – مراكش في شهر مارس 2004، أدلى أحد ممثلي الطلبة بما يفيد أن الطلبة يتذمرون من لوائح المراجع و المصادر – مهما كان عددها- ويفضلون فقط الاقتصار على حفظ درس على أن يكون مختصرا، ولا قابلية لهم للمزيد عنه..!.

هاته المعطيات كنماذج واقعية تكشف مع غيرها مدى العوائق التي يصطدم بها تدريس الفلسفة بمؤسساتنا التعليمية ثانوية كانت أو جامعية، وبالتالي توضح غياب مشروع مجتمعي قادر على توجيه سياسة تربوية واضحة المعالم.

فكيف السبيل لتجاوز ذلك لصالح تدريس الفلسفة ؟

هل يكفي لذلك تكوين الشخص المدرس والمؤطر حتى يتمتعا بخاصيتي الوضوح في التبليغ والعمق في التفكير والدقة في التعبير، دون وثوقية مذهبية أو دعائية إيديولوجية ؟؟ .

وهل يكفي مع ذلك وضع برنامج دراسي يراعي الترابط بين مقررات السنوات الدراسية، وتحكمه إشكاليات مركزية، وتوجهه رؤية شمولية تتجنب تجميع المعلومات وتراكمها، وتبتعد عن الرؤية التلفيقية ؟؟ .

هل يكفي هذا وذاك لنجاعة تدريس الفلسفة ؟؟

نعـم ولا!

نعم لتهييئ المدرس/الملقن/المنسق، وبناء برنامج/مقرر متكامل، إنها خطوات إيجابية ولكنها لا تكفي.

لا، لأن الفلسفة ليست معرفة جاهزة للتلقين، بل هي ممارسة نقدية لأسس كل معرفة.

نظرية أو عملية، ولأنها ممارسة نقدية فهي فعل تواصلي بقدر ما يفترض شروطا ومكونات في المرسل/ الملقن،  وفي الرسالة ومضمونها، يفترض شروطا في المتلقي/ المرسل إليه دون إخلال بقناة الاتصال أو التشويش عليها.

ومعلوم في نظريات التواصل أن ما يشوش الاتصال هو انتفاء الحد الأدنى مما يفترض أن يكون مجالا مشتركا بين المرسل / الملقن والمرسل إليه / المتلقي وهذا المجال المشترك ( كفايات لغوية وقيم مشتركة...) له تجليات مجتمعية تتكون نتيجة ترسيخ ثقافي وتوجيه تربوي ، وتكون مرهونة بالسياق التاريخي الخاص والعام .

وحيث أن الممارسة الفلسفية هي بالدرجة الأولى محاولات امتلاك مهارات عقلية لاستفسار المعارف وتقليب الأمور على مختلف وجوهها بكل حرية، فإن تعلم الفلسفة يتم من خلال ممارستها أو كما يقول كانط KANT:" لا يمكننا أن نتعلم أية فلسفة.. بل يمكننا فقط تعلم التفلسف(4)"

فعل التفلسف يفترض أولا وقبل كل شيء تنمية ذاتية المتلقي وتفتحها لاكتساب الكفايات اللازمة بشكل منتظم، فالبدايات الأولى لتدريس الفلسفة تفترض مسبقا وجود أرضية قوامها التعود على الاعتماد على النفس والمبادرة الذاتية كتجسيد للحرية العقلية لدى المتلقي، إذ كلما اكتسب المتلقي مؤهلات للتفكير الذاتي يسهل على الملقن/المرسل/المدرس للدرس الفلسفي إدراج الوقائع والتساؤلات انطلاقا من التمثلات التي لدى المتلقي/التلميذ/الطالب. وهكذا يمكن لمتلقي الدرس الفلسفي من طرق باب الاستشكال والاستدلال والمكالمة والحوار.

وعلى هذا فإن الحل الأنجح والتقويم الأمثل لإنجاح عملية تدريس الفلسفة بالمؤسسات التعليمية المغربية لا يتوقف فقط على تكوين الملقن/المدرس ولا على تشذيب وتنقيح الرسالة ومضمونها/ البرامج، وإنما يتوقف أساسا على مدى التعلم الذاتي الذي اكتسبه المتلقي/التلميذ/الطالب في المؤسسات التعليمية منذ نعومة أظافره.

ففاعلية الدرس الفلسفي واكتساب مهارات التفلسف يتوقفان بالدرجة الأولى على نوع التربية التي تلقاها المتلقي/التلميذ/الطالب–منذ التعليم الأولي الابتدائي والإعدادي والثانوي– بخصوص مدى انفتاح شخصيته وتحررها، وحرصها على المبادرة الذاتية أو بعبارة أخرى يتوقفان على مدى تحويل الممارسة الفلسفية (الحرية والعقلانية والتعايش) إلى ثقافة مدرسية معممة، أليس لكل امرء من دهره إلا ما تعود؟

وههنا لا بد من وقفة نتساءل من خلالها، هل تمكنت المؤسسة التعليمية المغربية في ضوء الميثاق الوطني ومبادئ الإصلاح التربوي من تنمية شخصية التلميذ وتحقيق ذاتيته، وتشجيع مبادراته، والسهر على نموه متكاملا، وتعويده الاستئناس بروح نقدية تساهم على المدى البعيد في تطوير المجتمع.

الجواب في واقع الأمر هو: نعم ولا!

نعم، إذا وقفنا على المكتوب في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (يناير 2000)، وعلى وثيقة الإطار لمراجعة المناهج التربوية وبرامج تكوين الأطر (مارس 2000).

أولا، إذا انطلقنا من الواقع المعاش والملموس.

ذلك أن الإصلاح التربوي للمؤسسات التعليمية (أولي ابتدائي وثانوي إعدادي وثانوي تأهيلي، وجامعي بمختلف مسالكه) هو إصلاح شكلي سطحي يقتصر على الواجهة دون العمق والمضمون والجوهر. ولا شك أن الاقتصار على إصلاح براق للبنية الفوقية ممثلة في الميثاق والتوصيات والشعارات، دون العمل الفعلي والجاد على إصلاح البنيات التحتية (التأطير، التجهيز، التحفيز، آليات فعلية للتطبيق...) يجعل تجاوز الأزمة التعليمية بالمؤسسات المغربية أمرا صعبا إن لم يكن محالا.

ولنعط مثالا واحدا متعلقا بموضوعنا. فنتساءل هل تمكنت المؤسسات التعليمية المغربية في إطار الإصلاح التربوي من وضع –و لا أقول ترسيخ– آليات وإمكانيات لتكوين ذاتية المتلقي وتفتيح شخصيته وتعويده على المبادرة الحرة منذ مراحل تعلمه الابتدائي؟؟.

لنقرأ الميثاق الوطني للتربية والتعليم فيما يخص التنظيم التربوي أو البيداغوجي فنراه يقرر جملة من الأهداف الإيجابية جدا ولكن للأسف الشديد في غياب الآليات التفعيلية يجعل التعليم يكرس عكس مارسم له.

فعلى مستوى التعليم الابتدائي والإعدادي مثلا– وما يقال عليهما يقال على المستويات التعليمية الأخرى جميعا –بدل ترسيخ الكفايات التعبيرية والاستراتيجية لدى المتلقي في نهاية هاته المرحلة، نجد فقط ترسيخ ظاهرة الحفظ والتكرار والحشد والحشو لديه، بدل تشجيع المبادرة الحرة والجرأة الفكرية و العمل على شحذ الشخصية وإذكاء قدرات عقلية إلى جانب الحافظة. ومعلوم أن هاته الخصائص هي اللبنات الأولى للفكر النقدي الحر والأرضية المهيئة لإمكانية التمرس على التفلسف وبالتالي التلقي الإيجابي للدرس الفلسفي، وفي تغييبها وقبرها – كما هو في الواقع المعاش – ينحرف التعليم بالمؤسسات التعليمية المغربية –بجميع مستوياتها– عما رسم وروج له في الإصلاح وذلك نظرا لغياب الآليات الفعالة والإجراءات الواقعية اللازمة لذلك.

ولنقف على مستوى التعليم الابتدائي على سبيل المثال لا الحصر لنبين ما ذكرنا وذلك من خلال المفارقات التاليـة:

أولا: تعميم التمدرس على حساب التكوين!

لاشك أن تعميم التمدرس لا يساعد على محاربة الأمية فقط، ولكنه كذلك الخطوة الأولى والصائبة في طريق التنمية، ونجاحها الفعلي متوقف على مدى البنية التحتية المتوفرة من تجهيز وتأطير وفي غيابها الكلي أو الجزئي تنقلب الآية. والملاحظ في مؤسستنا التعليمية أن تعميم التمدرس يؤخذ كشعار منفصل عن الواقع، فيكون الهاجس الأساسي للخريطة المدرسية هو الكم الإحصائي لا الكيف التكويني. ومعنى هذا أن تعميم التمدرس مع ضعف البنية التحتية (التجهيزات والموارد البشرية...) يكون على حساب تكوين التلميذ/المتلقي، وعندها سنحرف بمبدأ تعميم التمدرس عن مقاصده؛ فنعمل على تخريج أميين لا يملكون سوى فك رموز الحروف بالكاد، وماعدا ذلك فلا حول لهم ولا قوة. فأين هذا مما يقرره الميثاق في المواد: 78.71.68.66.65.61.

ثانيا: الدعوة لتكوين شخصية التلميذ / المتلقى مع آليات كبتية!

من المعلوم أن تكوين شخصية التلميذ / المتلقي والعمل على تفتحها تقتضي اهتماما متزايدا وعناية فائقة من طرف المربي/ الملقن – الذي من المفروض أن يكون قد هيئ لذلك تهييئا قويما – مع توفير مجال يخول تحقيق المهمة، وإلى جانب ذلك لابد من وضع آليات إيجابية تساعد على تفتح الشخصية وأهمها آليتين اثنين:

أ‌- أن يكون القسم مجالا رحبا يسهل عملية التواصل بين المربي/الملقن والتلميذ/ المتلقن.

ب‌-  أن تكون حصص التفتح الفني والنشاط الرياضي لها النصيب الأوفر وعبرها نمرر ما نريد توصيله للمتلقي. 

      على أن المطلع على واقع الممارسة التعليمية يجد أن مبدأ تكوين الشخصية الذي يدعو له الميثاق يصطدم بآليات كبتية تعيق العملية التربوية، ونجملها في آليتين سلبيتين كابتتين- نقابل بهما الآليتين الإيجابيتين السالفتين- هما:

أ‌-             إن الغالبية العظمى من أقسام مؤسستنا التعليمية – بدءا من التعليم الابتدائي إلى مسالك الجامعة مرورا بالثانوي الإعدادي والتأهيلي– لا تساعد أبدا على عملية التواصل والتبليغ بين الملقن / والمتلقن، ناهيك عن عملية التربية والتوجيه والمراقبة، وذلك للاكتظاظ المفرط الذي تعرفه الأقسام دوما نظرا لضعف البنية التحتية.

ب‌-        إذا قارنا بين الحصص التي يتلقاها التلميذ، نجد أن نسبة الحصص لمواد الحفظ والتكرار تفوق نسبة حصص التفتح الفني والنشاط الرياضي، وما يزيد الطين بلة أن جميع المواد توضع في سلة واحدة وتسلم لمدرس واحد يقوم بها، ففي التعليم الابتدائي يوكل بأستاذ اللغة العربية –مثلا– تدريس مواد العربية والتربية الإسلامية والإجتماعيات والنشاط العلمي إلى جانب مواد التفتح الفني والنشاط الرياضي. والرياضة– عفوا اللعب!– يمارسها التلميذ في أجواء ومجالات لا تمت للرياضة بصلة، فما هي الكفايات التي سيكتسبها التلميذ في مثل هاته الأوضاع؟ أستاذ للتعليم الابتدائي كلف بكل شيء النتيجة أنه لن يفي بأي شيء مهما ضحى .

أليس من الأجدى لتحقيق شعار الميثاق الوطني بخصوص تكوين شخصية التلميذ              (را:المجال الثاني من الميثاق الوطني للتربية والتكوين)، إعادة النظر في نسب الحصص وتغليب حصص التربية الفنية على غيرها لدورها الخطير في التربية الجمالية التي تعمل فعلا على تفتح الشخصية، خلاف ما هو عليه الآن في ظل الميثاق باسم تجديد البرامج والمناهج حيث أن الغلاف الزمني المخصص لمادة التربية الفنية في التعليم الابتدائي (بدءا من السنة 4إلى6) لا تتعدى نسبتها 3% من مجموع المواد في حين أن تحقق التلميذ/ الملتقي وتخلقه بكفايات الميثاق تقتضي رفع النسبة المئوية لهاته المادة وتنويعها لتشمل:الرسم والتشكيل والتلوين والموسيقى والمسرح الخ...– كمواد أساسية لا كمكملة للأنشطة –، وفي نفس الوقت نضمن في هاته التربية المضامين الثقافية للمواد الأخرى التي سنقلص نسبتها عندما ترفع نسبة التربية الفنية أو الجمالية.

وغني عن البيان أن الأمر بهذا الشكل يقضي تخفيف العبء عن أساتذة التعليم الابتدائي عما هو الحال عليه حاليا، فتخصص لمادة التربية الفنية أساتذة خاصين بها، ونفس الأمر نفعل بمادة الرياضة البدنية، وبذلك يبقى الأساتذة الآخرون متفرغين للمواد التي كانوا يدرسونها، وبهذا يمكن للعملية التربوية أن تؤتي أكلها.

وإذ كنا نلاحظ ضعف نسبة التربية الفنية بالتعليم الابتدائي فهي – وهذا أدهى وأمر– غائبة كلية عن معظم مؤسسات التعليم الثانوي بشقيه (الإعدادي والتأهيلي).

في ضوء كل هذه السلبيات وغيرها– لا ريب أن الإجراءات السائدة والآليات المعمول بها داخل المؤسسات التربوية والتعليمية بجميع أسلاكها، تجعل الميثاق كمبدإ وشعار في واد والتطبيق العملي الفعلي له في واد آخر، ولا سبيل لتجاوز مفارقة الشعار والتطبيق إلا بإصلاح جذري للبنيات التحتية (التجهيزات والموارد البشرية ضمن خطة دائمة) والتهييىء للتغيير الفعلي والجاد لعقليات وسلوكيات هيأة التعليم والتأطير والمراقبة التربوية.        

ثالثا: تغيير الكتاب المدرسي باسم الإصلاح، وتأجيل العمل الفعلي والجاد لتغيير عقليات وسلوكيات هيئة  التعليم و التأطير والمراقبة.

رغم طموح الميثاق إلى تخفيض عدد الساعات الدراسية الأسبوعية بالنسبة للتلاميذ خصوصا في التعليــــم الابتدائي والإعدادي (المادة 109 ومن الميثاق)، ولكن الملاحظ أن الحصص بالتعليم الابتدائي بقيت كما هي عليه – وبالشكل الذي بينا عيوبه سلفا – مما ترتب عنه إثقال كاهل التلميذ من جهة والمدرس من جهة أخرى، مما لا يساعد على التهيؤ لتغيير عقليات وسلوكيات هيأة التعليم والتأطير والمراقبة التربوية، وهذا من شأنه الإبقاء على المظاهر السلبية في الممارسات التربوية، ونرصد بعضها في نقطتين مترابطتين:

1 ـ تكديس المواد واكتظاظ الأقسام مفسد للعملية التربوية:

اكتظاظ الأقسام من جهة – في جميع مستويات التعليم – وكثرة المواد المدرسة من طرف أستاذ التعليم الابتدائي الواحد، والرتابة والشكلانية في نمطية المراقبة التربوية والتسيير الإداري من جهة أخرى ساهم – إلى جانب مظاهر سلبية أخرى – في تكريس ظاهرة التكرار والاستعراض والحفظ والترهيب في العملية التربوية.

فمن المستحيل علميا وتربويا تحقق التلميذ / الملتقي:- في أي مستوى كان- بالكفايات التواصلية أو غيرها من الكفايات التي رسمها الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مجال مكتظ ومشحون.

2 ـ تأجيل تفعيل وتعميم المادتين 136 و137 من الميثاق يساهم في رتابة العملية التربوية ويزيد من  سلبياتها :

إذا كان المرء إحقاقا للحق لابد له أن يشيد بالمجهودات التربوية والعلمية التي قامت بها لجن إعداد الكتاب المدرسي في جميع مستويات التعليم، إلا أن العوائق السالفة الذكر جعلت تعامل هيأة التعليم مع هذا الكتاب، بعيدة جدا عما خطط لها.

فما زلنا نشاهد وبكثرة أساتذة للتعليم الابتدائي يدفعون التلاميذ لنقل الدروس من الكتاب المدرسي لغاية عبثية تحمل معها إرهاصات لتشويه الخط لدى التلميذ. وفي التعليم الإعدادي ما زلنا نشاهد وبكثرة أساتذة يملون ملخصات الدروس رغم توفرها بالكتاب المدرسي الذي يملكه كل تلميذ، لا لشيء سوى لتكريس ظاهرة التقبل والحفظ بدل الفهم والمشاركة، وفي أحسن الأحوال يكلف تلامذة الثانوي بإعداد ملفات يعتمدون فيها على سحب نسخ من الأنترنيت أو الحاسوب أو تصوير مقالات من هنا وهناك مع عناية مفرطة بالتزويق وخاصة في مرحلة الإعدادي، دون أن يفحصها معهم الأساتذة – في أغلب الأحول– لمعرفة درجة اطلاعهم ومعرفتهم بمضامينها. 

كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجوب تعجيل وتفعيل وتعميم المادة 136 من الميثاق الوطني بخصوص التكوين المستمر لهيئة التربية والتكوين، والمادة137من الميثاق الوطني بخصوص التقويم والترقية.

أما الامتحانات التي هي إحدى الآليات لتقويم التلميذ/المتلقي، فهي تنحو في الأغلب الأعم نحو تقويم الذاكرة فقط مما يكرس ظاهرة الحفظ والغش معا(5)على أنه لا بد من التنويه هنا بقراري وزارة التربية الوطنية رقم 2068.01 و2069.01 (23 نوفمبر2001) بشأن تنظيم الامتحانات لنيل شهادة الدروس الابتدائية وشهادة السلك الإعدادي، فقد حاول هذان القراران عن طريق رفع معاملات بعض المواد التقليل من الإفراط في الحفظ إلى حد ما.

على أن قرار وزارة التربية الوطنية رقم 2070.01 (23 نوفمبر2001) بشأن تنظيم امتحانات نيل شهادة الباكلوريا، نجده بخصوص السنة الختامية وعلى مستوى المراقبة المستمرة التي تحسب نسبتها25%، نجده حدد معامل التربية البدنية في (4) فهو أعلى معامل بالنسبة لسائر المواد الأساسية كالفلسفة واللغات حيث معاملاتها لا تتجاوز (3) وذلك في سائر الشعب عدا الشعب العلمية والرياضية حيث تكون معاملات المواد الأساسية تفوق معامل التربية البدنية (را:الجريدة الرسمية عدد 4985/11 مارس 2002)، مما يدفعنا لمزيد من التساؤل!

لقد حاولنا، في إطار البحث عن عوائق الدرس الفلسفي والممارسة الفلسفية داخل المؤسسة التعليمية المغربية، إثارة بعض المظاهر السلبية التي تعشعش في مؤسساتنا التعليمية لكونها تكرس تمزق شخصية التلميذ / المتلقي وقتل روح المبادرة الحرة لديه، وهكذا نكون قد أتممنا الدائرة وصرنا عودا على بدء.

وههنا لابد من التأكيد على أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ليس محاولة لإصلاح التعليم فقط، ولكنه كذلك وبمقتضى تعبيره عن إرادة الأمة هو دعوة لمواصلة الإصلاح وتجديده وتطويره. وبذلك فإن الميثاق – كما قلنا سلفا – يبقى بحاجة ملحة ودائمة للتعجيل بتفعيله وتطبيقه وتطويره لهدم الهوة الفاصلة بين ما هو إيجابي في الميثاق الوطني كاختيار ومبدأ وشعار، وما هو سلبي في البنيات التحتية للتعليم وفي بعض سلوكيات وعقليات هيئة التعليم والتأطير والمراقبة التربوية كواقع.

ومن بين الآليات المهمة لتلك المقاربة والتي تلامس واقع التلميذ / المتلقي، والتي وقف عندها الميثاق الوطني آلية مجلس التدبير كما نصت عليه المادتين 148، 149 منه.

إن تأكيد الميثاق في المادة (149ب)على أن يضم مجلس تدبير المؤسسة " المدرسين وآباء التلاميذ وشركاء المدرسة " لهو دعوة صريحة لوجوب تغيير عقليات وسلوكيات هيأة التعليم والتأطير والمراقبة، على أن ما ينقص هاته المادة (149) هو التعجيل بالتطبيق والتفعيل بإصدار نصوص تنظيمية وتطبيقية لجمعية آباء وأولياء التلاميذ بشكل يساير روح الميثاق ويخرج هاته الجمعية مما هي عليه الآن من تعتيم ورتابة وشكلانية وسطحية وتسيب وسوء تدبير وضبابية في تأسيسها واجتماعاتها والإعلان عنهما داخل المؤسسات التعليمية.

أما وأن الميثاق جعل جمعية آباء وأولياء التلاميذ عنصرا فعالا في مجلس تدبير المؤسسة(6)، فلم يبق والحالة هاته سوى تفعيلها وشرعنتها خاصة وأنها لا تطرح مشكلا ماليا عكس ما تتطلبه الإصلاحات الأخرى. إن آلية جمعية آباء وأولياء التلاميذ مهمة جدا إن أحسن تدبيرها، يكفي الإشارة هنا، إلى أن هيئة التأطير والمراقبة التربوية لا يمكنها بحكم مسطرة عملها أن تقف على المشاكل التعليمية والتربوية التي يعاني منها التلميذ / المتلقي داخل قسمه خلال سنته الدراسية وفي علاقته مع هيأة تعليمه، بينما الآباء بما يبوح لهم أبناؤهم يكونون لسان صدق للتعبير عن تساؤلات التلاميذ وانطباعاتهم(7) فيتم بذلك التعاون بين مكونات مجلس تدبير المؤسسة لصالح المؤسسة.

لقد كان الهدف من مداخلتنا هاته هو الوقوف على جذور العوائق القائمة أمام الدرس الفلسفي بالمؤسسات التعليمية، من أجل الدعوة إلى وجوب ترسيخ تربية تمكن التلميذ / المتلقي تدريجيا من تكوين شخصية قابلة لتحمل المسؤولية ومتشبعة بالجرأة الأدبية وقادرة على التعلم الذاتي ومستأنسة بالميولات العقلانية النقدية، فهاته الخصائص التربوية هي المكونات الأساسية والتمرسات الأولية للتفلسف، والضامنة الفعلية لإنجاح الدرس الفلسفي فيما سيتلقاه التلميذ / المتلقي لاحقا في نهاية الثانوي التأهيلي ومسالك الجامعة.

ولا ريب أن هاته المواصفات التربوية هي الكفايات اللازمة تربويا ومجتمعيا لتحقيق ما تتطلع إليه المملكة المغربية المعاصرة من مشروع حداثي ذي تدبير عقلاني وتسيير ديمقراطي.

ومن هنا فالميثاق الوطني للتربية والتكوين – كما أشرنا سلفا – هو خطوة لها ما بعدها من حيث كونها خطوة أولية إيجابية على طريق إصلاح التربية والتعليم في بلادنا، ودعوة فلسفية دائمة لتعزيز هذا القطاع بكل ما من شأنه ترسيخ المطابقة بين النظر والتطبيق والشعار والممارسة – في اتجاه تحقيق شعار: التعليم النافع والشغل المنتج.

الهوامش:

1- إن القلق L'angoisse تجربة ميتا فيزيقية-نفسانية-وجودية-أخلاقية ترمي بالإنسان في بحران الإمكان والعدم، وتوقظ فيه الوعي بالتناهي، والقلق غير الخوف la peur المرتبط كحالة نفسانية بالمتحقق والمتعين والمحدد  (را: هيدجرما الميتافيزيقا؟ تعريب فؤاد كامل ط 2 القاهر1974، ص 110 – 124.

A.lalande; vocabulaire technique et critique de la philosophie. 

عبد الرحمان بدوي: الزمان الوجودي، ط 2، القاهرة 1955، ص 170– 175).

ويعرف أحمد ضياء الدين الكمشخاوني النقشبندي – في كتابه"جامع الأصول"، ط القاهرة 1328 هـ ص 357 – " القلق " بأنه " تحريك الشوق صاحبه بإسقاط صبره، وصورته في البدايات: تحريك النفس إلى طلب الموعود، والسآمة عما سواه في الوجود. وفي الأبواب: قلق يضيق الخلق فيبغض إلى صاحبه الحياة، ويحبب إليه الموت. وفي المعاملات: توحش عما سوى الحق، وأنس بالوحدة والتخلي عن الخلق. وفي الأخلاق: الإنخلاع عن الصبر والطاقة؛ لما يجد من التوقان للحق ولقائه. وفي الأصول: اضطراب في القرار إلى المقصود عن كل ما ينظر في السير إليه أو يقتضي الصدود. وفي الأدوية: قلق يغالب العقل، ويساور النقل ودرجته في الولايات؛ قلق يصفي الوقت، وينفي النعت. وفي الحقائق: قلق ينفي الرسوم البقايا ولا يرضى بالمطايا والصفايا . وفي النهايات: قلق لا يبقي شيئا ولا يذر، ويغني عن كل عين و أثر ..."( أورد هذا النص عبد الرحمن بدوي في كتابه الإنسانية والوجودية في الفكر العربي: مصر 1974 ص83، 84؛ وقام بشرحه ومقارنته بالفلسفة الوجودية في نفس الكتاب ص84، 85؛ وقارن عبد الرحمن بدوي : الزمان الوجودي ص177 ) .

2-   يؤكد أفلاطون في " الكتاب السابع" من الجمهورية على ما " للتهذيب الحقيقي من الشأو الخطير" في ممارسة الفلسفة، ويرتب العلوم اللازمة لتوجيه النفس نحو هذا الهدف.

3 - C.F: Derrida(J): Points de Suspension,Galilée,1992 P342.                                            

4- KANT,E: critique de la raison pure, trad par saygues et quadrige  PUF 3 ème edt ,paris 1990 p561.

5- و بالمناسبة لا يسع المرء سوى التنبيه على آفة خطيرة بدأت تنخر الجسم التربوي وهي آفة الدروس الخصوصية            (الساعات الإضافية) التي إلى جانب استنزافها للتلاميذ سواء بالابتدائي أو الثانوي، استغلت أبشع استغلال في تقويم التلاميذ، وانعكست سلبا على مردودية العملية التعليمية ومستواها داخل القسم. وأظن أن هاته الظاهرة بدأت تتسع رقعتها لدرجة أنه في إحدى المقابلات التلفزيونية (محطة M2) مع الأستاذ عبد الله ساعف – عندما كان وزيرا للتربية والتعليم – طرحت عليه إحدى المشاهدات مشكلة الدروس الخصوصية (الساعات الإضافية) هاته وما يترتب عليها من سلبيات وإكراهات، ولكن الأستاذ عبد الله ساعف الوزير السابق وهو يجيب على تساؤلات المتتبعين للبرنامج لم يقف عند هذا التساؤل!.

6- لقد نوه جلالة الملك محمد السادس– في خطابه السامي عند افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية الثالثة المتعلقة بالتعليم (8/10/1999) – بدور " الأباء والأمهات ومسؤولية الأسر في المشاركة بالمراقبة والتتبع والحرص على المستوى المطلوب".

7- ولا ننسى أن الميثاق فتح باب تمثيلية المتعلمين داخل مجلس المؤسسة كلما توفرت الشروط لذلك (را: المادة 149                 ب الفقرة 6).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق