أحمد العلمي
يجمع العديد من الباحثين في مجال الفلسفة العربية والغربية أن فلسفة سبينوزا قد سارت على النهج الرشدي. بل هناك من ادعى أن فلسفة سبينوزا تدين في مبناها ومعناها بالشيء الكثير لابن رشد. واعتقد آخرون أن الفكر المادي قد حقق في فلسفة ابن رشد شوطا أساسيا عندما أبعد عن الطبيعة كل تصور غيبي وديني، وأكد، من جهة أخرى، على الوجود المادي للعالم وعلى أنه، كما يقول سبينوزا، سبب ذاته.
يبدو لنا أن الأمر على خلاف ذلك. لقد شكلت فلسفة سبينوزا ردا قويا على الفلسفة الرشدية وعلى توجهاتها الوجودية. وقد تجسد هذا الرد على أكثر من مستوى، وعلى أكثر من مفهوم. سنقتصر في هذا المقال على دراسة وتحليل مفهوم العناية. فكيف عالجه كل من ابن رشد وسبينوزا؟
* * *
لقد تطرق ابن رشد إلى مفهوم العناية خصوصا ي كتاب الكشف عن مناهج الأدلة بصدد دلائل وجود الله. وعلى خلاف المتكلمين الذين يقدمون أدلة فزيائية على وجود الله، وعلى خلاف ابن سينا الذي يقدم دليلا وجوديا على وجود واجب الوجود، يقدم ابن رشد دليلين جديدين حسب اعتقاده: دليل العناية ودليل الاختراع. لن نتطرق هنا، بطبيعة الحال، إلا إلى دليل العناية، مادام هو الذي يهمنا بالأساس. مثلما أننا لن نتطرق إلى مآخذ ابن رشد على دلائل المتكلمين وابن سينا وحججهم؛ إن ذلك سيقودنا إلى موضوع آخر خارج ما نود مناقشته في هذا العمل. لنكتفي إذن بعرض مقومات وأبعاد هذا الدليل، دليل العناية.
إن دليل العناية يثبت، حسب ابن رشد، وجود الخالق الحكيم، إذ هو "طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها"(1). ويقوم هذا الدليل على أصلين أساسيين. "أحدهما: أن جميع الموجودات التي هاهنا موافقة لوجود الإنسان، والأصل الثاني: أن هذه الموافقة هي ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد، إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق"(2). تعني الموافقة هنا كون الموجودات صالحة لحياة الإنسان ولاستمراره في الوجود. ثم يستمر ابن رشد في إقامة الحجة على تناسق وتماسك دليله على وجود الله. "فأما كونها [الموجودات] موافقة لوجود الإنسان فيحصل اليقين بذلك باعتبار موافقة الليل والنهار، والشمس والقمر، لوجود الإنسان. وكذلك موافقة الأزمنة الأربعة له، والمكان الذي هو فيه أيضا وهو الأرض، وأيضا موافقة كثير من الحيوان له، والنبات والجماد، وجزئيات كثيرة مثل الأمطار، والأنهار، والبحار. وبالجملة الأرض والماء والنار والهواء"(3). يقوم دليل العناية إذن على مفهوم الموافقة التي تحصل بين هذه العناصر الطبيعية الأربعة والإنسان. فالطبيعة بأجمعها، بعناصرها الأربعة، توافق الإنسان، وتساهم في استمراره في الوجود، بل وفي سعادته ورقيه. يصبح الإنسان إذن مركزا متميزا وسط الكون، وسط الطبيعة. وتصبح الطبيعة بكل عناصرها ومكوناتها خادمة طيعة للإنسان. بل إن الحيوانات نفسها لا تأخذ معنى في هذا الوجود إلا لأنها تخدم مصلحة الإنسان، وتقدم نفسها هبة لحياته. فقيمة الطبيعة لا تكمن في ذاتها، ولا في كيفية تكوينها، وإنما في مدى موافقتها للإنسان. بل إن الإنسان نفسه يشهد بهذه المصلحة التي يجنيها من الطبيعة. إنه يرى أن توالي الليل والنهار وتعاقبهما إنما هو من أجل سعادته، من أجل عمله وراحته. مثلما أنه يعاين بنفسه أو وجود الحيوانات على اختلافها إنما هو من أجل إطعامه ومن أجل استمراره في الحياة وفي الوجود.
غير أن هذه الموافقة لا تحصل بين الطبيعة وجسم الإنسان فحسب، بل إنها تحصل أيضا بين أعضاء الجسم الإنساني نفسه. يقول ابن رشد: "وكذلك أيضا تظهر العناية في أعضاء البدن، وأعضاء الحيوان، أعني كونها موافقة لحياته ووجوده"(4). عندما نتأمل الجسم الإنساني فإننا نعاين انسجاما وتوافقا بين كل أعضائه. فالأجهزة المختلفة التي تكون الجسم الإنساني تدل على كونها مسخرة من أجل حياته ووجوده. فالجهاز التنفسي يفيد الإنسان في اكتساب الهواء الصالح له. والأمر نفسه بالنسبة للأجهزة الأخرى. فكل جهاز عضوي إلا وله مصلحة جلية وواضحة، وهي منفعة الإنسان. يصبح وجود الإنسان إذن مركزا، ليس داخل الكون فحسب، بل وداخل جسمه نفسه. فمثلما أن كل عناصر الطبيعة وكل مظاهرها توافق الإنسان، فإن كل أعضاء الإنسان هي من أجل وجوده وحياته. يصبح الكون بمجمله خاليا من العبث، خال من الاعتباط والاتفاق. فكل موجود إلا وله هدف وغاية، هي الإنسان. يتربع الإنسان في هذا التصور في وسط الكون ويصبح سلطانه وقمة هرمه.
غير أن هدف ابن رشد من كل ذلك ليس هو إثبات كون الإنسان مركزا للكون، ليس هو الدفاع عن بعد إنساني للكون، وإنما هو الإقرار بكون هذه المركزية، وهذه الموافقة الحاصلة بين الطبيعة والإنسان، لا تأتي من الإنسان، وليست من قبل بخت واعتباط، وإنما من فاعل مدبر وحكيم. ولأن هناك فاعلا ساهرا على الوجود، أصبحت الطبيعة بكل عناصرها تخدم مصالح الإنسان وتوافق حاجياته الضرورية. إذ كيف يمكن أن يحصل هذا التوافق بدون فاعل مدبر؟ وكيف يمكن أن تكون هذه الأعضاء التي تكون الجسم الإنساني خادمة لحياة الإنسان، وساهرة، ليل نهار، على استمراره في الحياة دون وجود فاعل مدبر وحكيم؟ لو كانت هناك طبيعة بدون فاعل، لَعَمَّتِ الفوضى ولما أمكن للإنسان أن يجد بيئة صالحة لحياته، ولما امتلك جسما ونفسا يضمنان له الحياة والديمومة. هكذا يبدو أن دليل العناية يقود ابن رشد مباشرة إلى الإقرار بوجود فاعل مدبر وحكيم، وهو الله.
* * *
لنرى الآن مبادئ وأسس هذا الدليل الذي اعتبره ابن رشد والباحثون في فلسفته من مفاخر كتاب الكشف عن مناهج الأدلة. والواقع أن هذا الدليل يقوم على مبدإ أساسي، وهو مبدأ الغائية. فالعلة الغائية هي التي تؤسس هذا الدليل وهي التي عول عليها ابن رشد لإقامة مشروعه. لنرى الآن أصل هذا المفهوم.
من المعروف أن العلة الغائية هي علة أرسطية، إذ أن أرسطو هو الذي أحدثها بعدما كانت غائية في تاريخ الفلسفة. وقد جعلها إحدى أسلحته التي استعملها لتقويض التوجه الفلسفي المادي-الطبيعي لدى الفلاسفة الماقبل سقراطيين.
لقد انطلقت الفلسفة مع الفلسفة الماقبل سقراطية بريئة وحرة طليقة ومتحررة من كل مبدإ غائي. وقد تمثلت هذه البراءة اللاغائية بشكل قوي عند الفيلسوف الماقبل سقراطي، هيراقليطس. لقد أعطى هيراقليطس للفلسفة حقها واستحقاقها عندما تصور الوجود عبارة عن صيرورة دائمة بدون غاية وبدون هدف. إن الوجود هو السيلان الأعظم الذي يسري بدون انقطاع وبدون توقف، لا هدف له ولا غاية من غير السيلان المستمر وغير المنقطع. ولم يكن هذا التصور حصرا على هيراقليطس وحده، بل إن أغلب الفلاسفة الماقبل سقراطيين قد تصوروا الطبيعة وقوانينها بدون اللجوء إلى أي مبدإ غائي. غير أن هيراقليطس قد أعطى لهذا الغياب إيقاعا إثباتيا ونبرة إيجابية. لقد دفع بحق بالتصور العفوي التلقائي واللاغائي للوجود وللطبيعة إلى أقصى مداه. إلا أن انتفاء الغاية والتوجه الغائي للطبيعة لا يعني حضور العبث والبخت، كما قد نتوهم؛ إن انتفاء الغاية هو الذي يعطي للوجود قوة ذاتية وتلقائية، عفوية وبريئة.
غير أن الفلسفة سرعان ما سقطت في متاهات العلة الغائية محققة بذلك ارتكاسا. وقد جسدت الفلسفة الأرسطي هذا الارتكاس وهذا السقوط. بل إنها اعتبرت إحداث العلة الغائية في البحث الفلسفي امتيازا ودفعا بالفلسفة إلى الأمام. "أسف أرسطو على غياب مبدإ الحركة عند الفلاسفة القدماء؛ وقال لا يمكننا تصور التغير انطلاقا من الوجود. والحال أننا قد وجدنا هذا المبدأ عند هيراقليطس في حركة الصيرورة. غير أن لأرسطو يشير إلى الهدف، إلى الغاية كمبدإ أكثر عمقا؛ والخير هو الأمر الذي يكون غاية ذاته. إن الغاية هي المبدأ الذي يظل ثابتا في ذاته من أجل ذاته، والذي يتحدد انطلاقا من ذاته؛ إن الغاية بهذا الشكل هي الحق الذي يكون بكل صدق وبساطة لأجل نفسه، والذي بمقتضاه تكون كل الأشياء الأخرى موجودة"(5). يعيب أرسطو على الفلسفة الماقبل سقراطية غياب مبدإ العلة الغائية. غير أن انتقاده كان موجها بالأساس ضد هيراقليطس، "الأمر الذي دفعه إلى المساجلة بقوة ضد هيراقليطس"، وهو الذي دفع بالصيرورة التلقائية والبريئة إلى أقصى مداها. لا وجود عند هيراقليطس "إلا للحركة بدون عود وبدون غاية"(6). لقد أصبحت الفلسفة مع أرسطو رهينة مبدإ غائي. فحركة الوجود لا يمكنها أن تكون حركة تلقائية واعتباطية. إنها لا تتحدد ولا تتأسس إلا بفضل غاية تسير نحوها. من هنا قال أرسطو بالعلة الغائية، التي هي أم العلل. فليست العلة المادية ولا حتى العلة الصورية ولا حتى العلة الفاعلة إلا من أجل العلة الغائية.
هكذا نرى أن الفلسفة لم تنفلت من قبضة الفكر الغائي. فإذا كان هذا المبدأ يشكل ضعف الفلسفة والتفكير الفلسفي، فذلك لأن حركة الوجود تصبح مقلوبة. إذ أن الغاية تصبح هي المبدإ، تصبح هي نقطة بداية الصيرورة. ستجد الصيرورة هدفها وسبب حركتها لا في نفسها، وإنما في غايتها. وبذلك يصبح الوجود رهين مبدإ يفوقه ويتعالى عليه. فالغاية تتعالى على الوجود، مادامت هي التي تحركه وتمنحه معنى.
غير أن هيمنة الفكر الغائي على مبحث الوجود لم تكن بدون عواقب ونتائج على مباحث أخرى. إذ أن نظرية المعرفة نفسها قد عانت من وقع وهيمنة التصور الغائي. فأصبحت المعرفة لا تقوم لها قائمة إلا عند إدراكها للعلة الغائية. فالأشياء التي تتمثل أمام الفهم والإدراك لا تملك معنى ولا تكتسي قيمة إلا بقدر كشفها عن غايتها وعن هدفها، بحيث أصبحت المعرفة التي لا تُدرِك الغاية هي معرفة ناقصة ومبتورة. إن إدراك معنى الأشياء هو إدراك لعللها الغائية. فالغاية تقبع وراء كل عمل وكل فعل. ومن لا غاية له لا فعل له. يتحدد الفعل في حد ذاته ويأخذ معنى عندما تظهر غايته. تؤسس العلة الغائية إذن عملية المعرفة، إذ أنها هي التي تمنح للذهن فرصة تحصيل معرفة كاملة وتامة تتعلق بالفعل.
* * *
من المعروف أن ابن رشد قد كان شارحا لأرسطو. غير أن ذلك لا يكفي لإنصاف أبي الوليد ابن رشد. إن قوة ابن رشد الفلسفية لم تقتصر على الشرح والتفسير؛ إذ لم تقتصر على شرح كتب المعلم الأول وعلى تفسيرها للخواص. بل إن عمل ابن رشد الفلسفي يتجسد بالأساس في كونه أعطى تمديدا لفلسفة المعلم الأول، أي أنه ساهم في تطويرها وفي إعطائها نفسا جديدا حتى تنسجم مع الإشكالات الجديدة التي أخذت تواجه الفلسفة مع توالي الزمن. وسيتجلى هذا التطوير لفلسفة المعلم الأول في أكثر من مفهوم وفي أكثر من مناسبة. وها نحن نرى تجسيدا لذلك في مفهوم العناية وعلاقته بالعلة الغائية. من الواضح والجلي أن دليل العناية إنما يجد أصله ومنبعه في أساس العلة الغائية التي أحدثها أرسطو. ودليل العناية لا ينهض ولا ينتصب إلا بحضور العلة الغائية. إنه يعني أن هناك غاية هي التي سخرت هذا الكون لصالح الإنسان. يقول ابن رشد مشيرا إلى الصلة القوية الحاصلة بين دليل العناية والعلة الغائية: "فمن تتبع معنى الحكمة في وجود موجود -أعني معرفة السبب الذي من أجله خلق؛ والغاية المقصودة به- كان وقوفه على دليل العناية أتم"(7). معرفة الغاية والقصد هي التي تُمكِّنُ من معرفة دليل العناية معرفة تامة وكاملة. إن العلة الغائية هي أساس وركيزة دليل ابن رشد. كل علة تقودنا إلى علة أولى ومبدإ أول. "إن العلل الفاعلية ترتقي إلى فاعل أول. والصورية، إلى صورة أولى. والمادية إلى مادة أولى. والغائية إلى غاية أولى. ويبقى بعد هذا، بيان أن هذه العلل الأربع الأخيرة ترتقي إلى علة أولى"(8). لذلك فإن العلة الغائية التي هي وراء كل كائن وكل موجود إنما هي تعود إلى الله الذي هو علة العلل. لا تحضر العلة إلا لتقودنا إلى مبدإ أول وعلة أولى. وذلك هو مبتغى ابن رشد، ومقصده النهائي من وراء دليل العناية(9).
يعني ذلك أن ابن رشد يعتبر الفلسفة، الحكمة، هي أساس إثبات وجود الله والبرهنة عليه. فالفلسفة إذن تقدم أمام الدين الدليل المقنع والبرهاني من أجل إثبات علة العلل وهو الله. يندرج موقف ابن رشد هذا ضمن مواقفه الشهيرة بصدد علاقة الفلسفة بالدين. إن الفلسفة هي أخت الدين، فليس هناك أي تناقض أو صراع بينهما، وإنما هناك تكامل وتناسق وانسجام. تُقَدِّمُ الفلسفة أمام الدين الوسائل المنطقية للبرهنة على مبادئه. وهذا التناسق والانسجام الحاصل بين الفلسفة والدين بصدد دليل العناية يشهد به الدين نفسه. إذ أن هذا الدليل، بل وهذه العلة الغائية التي أحدثها أرسطو، موجودان بصريح العبارة في القرآن نفسه. وفعلا، فقد اعتبر ابن رشد دليله هذا مستقرئ من القرآن نفسه. "الطريق الذي نبه الكتاب العزيز عليها، ودعا الكل من بابها. إذا استقرئ الكتاب العزيز وُجِدَتْ تنحصر في جنسين أحدهما: طريق الوقوف على العناية بالإنسان(...) والطريقة الثانية: ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء الموجودات(...)"(10). بل إن ابن رشد سيعتمد نفس الدليل من أجل إثبات كون الأجرام السماوية حية لها اختيار وإرادة وأن كل ذلك يأتيها من فاعل مدبر لها. ويقول في كتاب تهافت التهافت: "وقد نبه الكتاب العزيز على العناية لتسخير جميع السموات له في غير ما آية، مثل قوله سبحانه: ﴿سخر لكم الليل والنهار﴾ (...) فإذا تأمل الإنسان هذه الأجسام العظيمة الحية الناطقة، المختارة، المحيطة بنا، ونظر إلى أصل ثالث، وهو أن عنايتها بما ههنا، هي غير محتاجة إليها في وجودها، علم أنها مأمورة بهذه الحركات، ومسخرة لما دونها من الحيوانات والنبات والجمادات، أو الآمر لها غيرها، وهو غير جسم ضرورة، لأنه لو كان جسما، لكان واحدا منها. وكل واحد منها مسخر لما دونه ههنا، من الموجودات، وخادم لما ليس يحتاج إلى خدمته في وجوده. أنه لولا مكان هذا الآمر لما اعتنت بما ههنا على الدوام والاتصال؛ لأنها مريدة، ولا منفعة لها خاصة في هذا الفعل. فإذن إنما يتحرك من قبل الأمر والتكليف للجرم لحفظ ما ههنا وإقامة وجوده. والآمر هو الله سبحانه وهذا كله معنى قوله تعالى ﴿أتينا طائعين﴾"(11) ثم بعد ذلك شرع ابن رشد في تقديم مجمل الآيات التي تقر بدليل العناية أو تشير إلى مفهوم الغاية. "فأما الآيات التي تتضمن دلالة العناية فقط، يقول ابن رشد، فمثل قوله تعالى ﴿ألم يجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا﴾ (سورة الأعراف، 184) إلى قوله تعالى ﴿وجنات ألفافا﴾ (سورة النبأ، 6) ومثل قوله ﴿تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا﴾ (سورة الفرقان، 61) ومثل قوله تعالى ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾ (سورة عبس، 24) الآية. ومثل هذا كثير في القرآن"(12). تتوافق إذن الحكمة والشريعة في نفس الغاية، بل وفي نفس المنهج، ونفس الطريقة. إنهما يشتركان معا في نفس التصور الغائي؛ إذ غاية الأرض والماء والهواء والنار إنما هي إسعاد الإنسان؛ مثلما أن غاية أعضاء البدن إنما هي الحفاظ على حياة الإنسان. وهذه الغاية تدل بطبيعة الحال على وجود صانع مدبر وحكيم.
ذلك هو تصور ابن رشد لمفهوم العناية وتلك هي أسسه وأهدافه الدينية والفلسفية. لنرى الآن كيف عالج سبينوزا نفس المفهوم حتى نرى إن كان قد سار حقا على الطريق الرشدي.
* * *
تطرق سبينوزا إلى مفهوم العناية وعالجه في الرسالة القصيرة. هل هذا يعني أنه كان سائرا على الخط الرشدي؟ هل كان بالفعل رشديا في توجهه الفلسفي كما اعتقد بعض الباحثين؟
لنرجع إلى الرسالة القصيرة ولنرى النص الذي ورد فيه مفهوم العناية. يقول سبينوزا: "ليست العناية بالنسبة لنا شيئا سوى هذا الجهد الذي من خلاله تسعى كل الطبيعة وكل الأشياء الجزئية للحفاظ على الوجود. إذ أنه من البديهي أن لا شيء يسعى بطبيعته إلى تحطيم ذاته، وإنما العكس. كل الأشياء تنطوي في ذاتها على سعي للبقاء، بل وعلى السعي نحو الأفضل. وبناء على هذا التعريف، يمكننا التمييز بين عناية شاملة وعناية جزئية. والعناية الشاملة هي تلك العناية التي من خلالها يكون كل شيء منتجا وباقيا كجزء من الكل، والعناية الجزئية هي ذلك الجهد الذي لكل شيء للبقاء لا كجزء من الكل، وإنما للبقاء من حيث هو ذاته كلٌ"(13). يستعمل سبينوزا إذن مفهوم العناية، لكنه لا يعطيها ذلك الطابع الذي رأيناه عند ابن رشد. لم تعد العناية هي مجموع الخيرات الطبيعية التي يسخرها الله للإنسان، وإنما أصبحت تعني التعبير عن طبيعة الشيء وماهيته. إن العناية هي قوة الوجود التي للشيء. إنها تعبر عن قدرته الكامنة في ماهيته من أجل الوجود ومن أجل البقاء في الوجود. غير أن هذه العناية تشمل الإنسان، أي الأشياء الجزئية، وتشمل الله، أي الطبيعة. لم تعد العناية تفيد، كما هو الحال عند ابن رشد، تفضُّلاً وهِبَةً من الله للإنسان، هِبَةٌ لو تأملها الإنسان لأدرك علتها ومبدأ حصولها. إنها تعني قوة تشمل الطبيعة بكل أجزاءها. فكل فرد من أفراد الطبيعة يشارك في الوجود الذي للجهور، لله، ويسعى للبقاء في الوجود. وهذا السعي وهذا الجهد هو التعبير الفعلي عن العناية في التصور السبينوزي. "إن التقابل القديم بين العناية الإلهية والحرية الإنسانية ينصهر إذن في إطار وحدة، في اللحظة التي نُخَلِّصُ هذين المفهومين من معنييهما الخيالي والسلبي، ونكف عن اعتبار العناية الإلهية قوة خارج الوجود، والحرية الإنسانية قوة مستقلة عن الوجود. فالفعل الذي بمقتضاه يوجدنا الله في داخل طبيعتنا هو فعل موجود داخل فعلنا نفسه، وفعلنا بالتالي يملك في ذاته خاصية الفعل الذي منه ينحدر: إننا نتمسك بالله بقدر تمسكنا بذواتنا، والعكس. إننا نتمسك بذواتنا بقدر ما نتمسك بالله"(14). يفترض مفهوم العناية في الفلسفة السبينوزية وحدة بين طبيعة الإنسان وطبيعة الجوهر المطلق اللامتناهي، ألا وهو الله. فلم يعد هناك تقابل بينهما وإنما هناك تكامل. فكل واحدة منهما تنطوي على الأخرى، وكل واحدة تفسر الأخرى. مثلما أن الفعل الإلهي، من خلال تحديد سبينوزا للعناية، لم يعد أمرا غريبا عن الطبيعة، لم يعد فعل إله متعال، ينعم بالخيرات على الإنسان حتى يتم الاعتراف بوجوده وتقديم الشكر على فعله. إننا هنا، في الفلسفة السبينوزية، أمام تصور أونطولوجي محض، تصور يقوم على المحايثة المطلقة للوجود الإلهي وللفعل الإلهي.
هكذا نرى أن تحديد العناية في الرسالة القصيرة جاء خال من كل بعد لاهوتي، ومن كل بعد إنساني تشبيهي كما هو الحال عند ابن رشد. مثلما أن التصور السبينوزي هنا يقوم على نقيض أسس مفهوم ابن رشد. عندما قال ابن رشد بالعناية فإنه قد افترض أنها فعل آت من إله متعال. لذلك لا يستطيع الإنسان إدراك وجود الله إلا من خلال دليل بعدي كما رأينا. فأفعال الله المحققة لعنايته هي التي تقدم للإنسان عبرة على وجود الله، بل وعلى كماله. أما هنا مع سبينوزا فإننا نجد أنفسنا أمام تصور محايث للطبيعة الإلهية. إن العناية تشمل الطبيعة، الله، وتشمل أجزاءها، الإنسان مثلا. لم تعد العناية دالة على فعل متعال، وإنما أصبحت التعبير عن فعل محايث للطبيعة، لمجموع الطبيعة.
تندرج الرسالة القصيرة ضمن أقدم ما وصلنا عن سبينوزا. وبالتالي فهي من أعمال مرحلة الشباب، ومع ذلك لم يسر سبينوزا في الخط الرشدي، ولم تستهوه التصورات اللاهوتية والتشبيهية لمفهوم العناية كما وردت عند ابن رشد. لقد خط لنفسه، منذ مرحلة شبابه، مسارا جديدا وفتح بابا لم يطرقه ابن رشد، ولم يخطر بباله، بل إنه عمل على تفاديه لما يجر عليه وعلى تصوره من مخاطر.
غير أن هذا التوجه الجديد في الرسالة القصيرة لتعريف مفهوم العناية لم يكن ليفي بطموحات سبينوزا في الظفر بتصور مطابق عن الطبيعة وعن الإنسان. لذلك فإنه قد سعى في أعماله اللاحقة إلى التخلي عن مفهوم العناية ذاته لما فيه من اللبس والغموض. وعليه فقد قطع كل صلة، لا مع مضامين المفاهيم التقليدية، التي روج بعضها ابن رشد فحسب، بل ومع حدود هذه المفاهيم ذاتها. سيجد هذا المشروع المتمثل في الحملة على المفاهيم التقليدية تجسيدا في كتاب سبينوزا الأساسي، كتاب الإيتيقا.
* * *
عندما ندرس كتاب الإيتيقا نلحظ موقفا مناهضا للفلسفة الرشدية. وقد تجلى هذا الموقف النقدي بالأساس في نقض أركان العناية كما ورد عند ابن رشد. يعني ذلك أن سبينوزا سيعمل على تقويض مفهوم الغائية الذي عول عليه ابن رشد في بناء مفهوم العناية.
لقد حمل سبينوزا في كتاب الإيتيقا على التصور الغائي واعتبره هو أصل كل الأحكام المسبقة التي يسقط الذهن ضحيتها. "تتوقف كل الأحكام المسبقة التي ألتزم الإشارة إليها هنا، يقول سبينوزا، على حكم مسبق واحد، وهو: أن الناس يفترضون عادة أن كل الأشياء الطبيعية تفعل، مثلهم، من أجل غاية، بل والأكثر من ذلك يقرون بأن الله ذاته يوجه كل شيء من أجل غاية ما، لأنهم يقولون إن الله قد فعل كل شيء لصالح الإنسان، وأنه قد خلق الإنسان بدوره ليعبده"(15). يتولد هذا الوهم الغائي حسب سبينوزا من الجهل، من كون الناس يجهلون العلل الحقيقية للأشياء. "كل الناس يولدون جاهلين بعلل الأشياء، وأنهم كلهم يرغبون في البحث عما يكون نافعا لهم، ويكونون على وعي بذلك". إن هذا الجهل المقرون برغبة الإنسان الملحة في البحث عن النافع، هو الذي يولد الاعتقاد الدفين لدى الإنسان أنه حر في اختياراته. فجهله بعلل أفعاله ومبادئها يترك مكانا للوهم القائل بالحرية. غير أن هذا الجهل يؤدي إلى نتيجة أخرى، نتيجة تهمنا هنا في دراستنا لمفهوم العناية. تتعلق هذه النتيجة باعتقاد الإنسان في وجود غايات وأهداف وراء كل الأشياء: "إن الناس يمارسون أفعالا، دائما من أجل غاية، أي من أجل النافع الذي يرغبون فيه؛ من هنا ينتج أنهم لا يعملون أبدا على معرفة سوى العلل الغائية للأشياء المنجزة، وأنهم يهدؤون بمجرد ما يعرفونها، إذ لم يعد لديهم أي سبب للشك. وإذا لم يستطيعوا معرفة هذه العلل من طرف الغير، فلا يبقى لهم سوى الرجوع إلى ذواتهم والتفكير في الغايات التي تجبرهم عادة على القيام بأفعال مماثلة، والحكم بالضرورة على حالات الآخرين انطلاقا من حالاتهم الخاصة. وعلاوة على ذلك، ماداموا يجدون في ذواتهم وخارجها عددا كبيرا من الوسائل التي تساعدهم على الحصول على ما يكون نافعا لهم، مثلا، كالأعين للرؤية، والأسنان للمضغ، والعشب والحيوانات للغذاء، والشمس للاستضاءة، والبحر لإطعام الأسماك، إلخ.، فينتج عن ذلك أنهم ينظرون إلى كل الأشياء الطبيعية وكأنها وسائل من أجل الحصول على ما ينفعهم"(16). فالجهل بالعلل الحقيقية للأشياء، حسب سبينوزا، هو الذي يدفع إلى الاعتقاد في وجود غايات وراء الأشياء. والاعتقاد في تلك الغايات هو الذي يؤسس دليل العناية. يقول اسبينوزا: "وماداموا يعلمون أن هذه الوسائل قد عثروا عليها، ولم يصنعوها بأنفسهم، فقد استخلصوا من ذلك دافعا للاعتقاد في وجود شخص ما قد صنع هذه الوسائل لاستعمالهم. إذ لم يستطيعوا، بعدما نظروا إلى الأشياء كوسائل، الاعتقاد أن هذه الأشياء قد كونت نفسها بنفسها، بل، من الوسائل التي اعتادوا تحضيرها لأنفسهم، استنتجوا وجود مسير أو مسيرين للطبيعة، يتمتعون بالحرية الإنسانية، وأن هؤلاء المسيرين قد اعتنوا بكل شيء لصالحهم، وأنهم صنعوا كل شيء من أجل استعمالهم. لكن، بما أنهم لم يحصلوا أبدا على معرفة بطبع هذه الموجودات، فإنهم حكموا عليها انطلاقا من طبعهم الخاص، وسلموا أن الآلهة تضع كل شيء لصالح استعمال الناس، كي يتعلقوا بها وكي تحظى منهم بأكبر تقديس". من الأكيد أن سبينوزا هنا يشير إلى ما سماه ابن رشد بدليل العناية. فالجهل بالعلل الحقيقية للأشياء، والارتماء في أحضان الفكر الغائي، حسب سبينوزا، هو الذي يؤسس دليل العناية. غير أن كون هذا الدليل قد انطلق من مسلمات باطلة، أي الجهل بالعلل الحقيقية للأشياء، سيؤدي إلى نتائج باطلة أيضا. بل إن القائل بدليل العناية يصل إلى أوهام وهذيانات تسيء إلى الطبيعة وإلى المعرفة اليقينية: "غير أنهم أثناء محاولتهم إثبات أن الطبيعة لا تقوم بشيء بدون جدوى (أي لا يكون لصالح الإنسان)، لم يثبتوا على ما يبدو سوى أن الطبيعة والآلهة تسقط كالناس ضحية الهذيان. انظروا، أرجوكم، إلى أي شيء ينتهي هذا أخيرا!"(17).
غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن هؤلاء الفلاسفة الذين سقطوا ضحية الوهم الغائي لم يعملوا سوى على نصرة التصور التشبيهي لله. إذ أن الله سيهدف مثل الإنسان إلى غاية، وسيعمل من أجل هدف. إذ كيف يكون فعله بختا واتفاقا؟ لذلك لم يعمل ابن رشد سوى على جعل الله شبيها بالإنسان، بل إنه مثل الإنسان في تصور غايات للأشياء. إن الهذيان الغائي، حسب سبينوزا، هو أكثر الهذيانات إيغالا في الوهم والبطلان. إنه يقدم عن الطبيعة وعن الله أكثر التصورات بعدا عن الحقيقة وعن اليقين. فمادام الله يسير من أجل غاية فإن فعله لم يكون كاملا ولن يكون تاما إلا بتلك الغاية. ينتهي التصور الغائي في المعرفة إلى نفي الكمال عن الله وعن الطبيعة، وإلى إقامة تصور غامض وملتبس عنهما. لذلك وجب، حسب سبينوزا، إبعاد هذا التصور الغائي الذي يمثل أدنى درجات المعرفة الإنسانية. وبالتالي وجب حسب سبينوزا إقصاء تصور ابن رشد لمفهوم العناية. إنه تصور غامض ملتبس ينتمي إلى المعرفة الباطلة حول طبيعة الله.
* * *
هكذا نرى أن فلسفة سبينوزا تندرج في مناخ مغاير لمناخ فلسفة ابن رشد. لقد أقام فيلسوف قرطبة تصورا غائيا عن الوجود وعن الله. لقد قدمت له الفلسفة الأرسطية المنظور الغائي كأداة وكمنهج فلسفي. غير أن ابن رشد دفع بهذا المفهوم إلى أقصى مداه حين جعله أساسا لقيام المعتقدات الدينية والإيمانية. لقد أعطى للفلسفة الأرسطية حضورا وسط إشكالات جديدة، إشكالات طرحها الدين أمام الفكر الفلسفي. لم يكن انتقاء ابن رشد للفلسفة الأرسطية وليد الصدفة، ولم يكن أمرا اعتباطيا؛ لقد أملته الضرورة الفلسفية، بل والضرورة الدينية. فالعلة الغائية هي القاسم المشترك الذي يجمع الفكر الفلسفي الأرسطي والفكر الديني. إنها من إحداث المعلم الأول، وهي كذلك إحدى أسس الدين. فهي بحق تشمل خاصة الناس وعامتهم، مثلما أنها تجمع الفكر الفلسفي والفكر الديني. وبالتالي حصل، حسب ابن رشد، التواصل المنشود بين الحكمة والشريعة. وأصبح إثبات وجود الله، الذي يشكل أحد أسس الدين والفكر الديني، أمرا ممكنا فلسفيا. وأصبحت الفلسفة توافق الدين وبل وتخدمه، مادامت تقدم بين يديه المفاهيم الفلسفية للبرهنة على معتقداته.
تقوم فلسفة سبينوزا على أسس مخالفة تماما لتلك الأسس التي بنى عليها فيلسوف قرطبة تصوراته، بل إنها جاءت لتعارض تصورات ابن رشد وكل من سار على خطاه. ويجسد مفهوم العناية إحدى أوجه هذا التعارض. لقد أعطى ابن رشد لهذا المفهوم بعدا دينيا بالأساس. بينما اتخذ في كتاب الرسالة القصيرة لسبينوزا بعدا أنطولوجيا. غير أن ذلك لا يكفي لرصد العلاقة بينهما، إذ أن كتاب الإيتيقا سيعمل على هدم أركان هذا المفهوم كما ورد عند ابن رشد. فعندما قوض سبينوزا الدليل الغائي، فإن دليل العناية تهافت من تلقاء ذاته. لا يصبح دليل ابن رشد، الذي جعله من مفاخر كتاب الكشف عن مناهج الأدلة، وعده بعض الباحثين من أهم إسهاماته، سوى وهم وبطلان. إنه ليس إلا تعبيرا عن ذهن لا يرتقي إلى مستوى إدراك العلل الحقيقية للأشياء. إنه وهم يسيء إلى الطبيعة وإلى الله على حد سواء.
كل ذلك يدفعنا إلى الإقرار بأن فلسفة سبينوزا لم تكن، على الأقل بصدد مفهوم العناية، أبدا فلسفة رشدية. صحيح أن سبينوزا لا يصرح باسم ابن رشد، غير أن النصوص التي قدمنا تشير بوضوح وبما فيه الكفاية إلى مواقف فيلسوف قرطبة. إن فلسفة سبينوزا لا تدين في شيء لفلسفة ابن رشد، بل إنها جاءت لتعارض ركائز الفلسفة الرشدية ولتلغي نتائجها.
هوامش:
1) ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة، ص65، المكتبة المحمودية التجارية، مصر، 1935.
2) مناهج، ص65.
3) المناهج، ص65-66. "وقد نبه الكتاب العزيز على العناية بالإنسان لتسخير جميع السموات ل في غير ما آية، مثل قوله سبحانه: ﴿سخر لكم لليل والنهار﴾" (ابن رشد، تهافت التهافت، 317، تحقيق سلميان دنيا).
4) المناهج، ص66.
5) هيغل، دروس في تاريخ الفلسفة، ج. الأول، نشر فران، باريز، 1971، ترجمة Pierre Garniron، ص179.
6) هيغل، دروس في تاريخ الفلسفة، ص180.
7) ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة، ص67.
8) من الجدير بالملاحظة أن طوماس هوبس قد جعل الفكر العلمي، الفكر الذي يجهد في البحث عن العلل التي تقبع وراء الأشياء، من بين أسباب ظهور الدين. "Mais le fait de reconnaître un Dieu éternel infini et tout puissant peut découler plus facilement du désir qu’ont les hommes de connaître les causes des corps naturels, leurs différentes propriétés et leur action, que de la crainte de ce qui leur arriverait dans l’avenir. En effet, celui qui, de quelque effet qu’il voit se produire, passerait par le raisonnement à la cause prochaine et immédiate de celui-ci, et de là à la cause de cette cause, et se plongerait ensuite à fond dans la poursuite des causes ; celui-là arriverait enfin à ceci : qu’il doit y avoir (ainsi que les philosophes paîens eux-mêmes l’ont admis) un premier moteur unique, c’est-à-dire une première et étnelle de toutes choses, qui et ce que l’on entend par le mot Dieu" trad. François tricot, ed. Sirey, 1971, pp. 105-106.
9) تهافت التهافت، ص432-433.
10) ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة، ص65.
11) ابن رشد، تهافت التهافت، ص319-320.
12) ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة، ص67.
13) سبينوزا، الرسالة القصيرة، بصدد الله، والإنسان، والسعادة، عن الترجمة الفرنسية، شارل أبونه، الجزء الأول.
14) فكتور ديلبوس، مشكل الأخلاق في فلسفة سبينوزا، نشر فيلكس ألكان، ص96-97.
15) سبينوزا، الإيتيقا، تذييل الكتاب الأول.
16) المرجع نفسه.
17) المرجع نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق