احدث المواضيع

الاثنين، 14 ديسمبر 2009

قضية العقلنة في الإسلام

  محمد ألوزاد

  تثير العقلنة التي عرفها الإسلام خلال العصر الوسيط الدهشة وبالتالي التأمل.

        فالقرآن بدأ منذ فجر الدعوة مجادلا للخصوم والمتشككين. ولم يكد ينتصف القرن الثاني الهجري حتى بدأ استعمال العق في مسائل النقل يروج وينتشر. كما بدأ في نفس الفترة البناء التشريعي، وعرف هذا البناء ريادة واضحة لأهل الرأي والقياس. وفي نفس الفترة أيضا برزت ملامح العقلنة على مستوى المؤسسات المقتبسة أو المستحدثة: الدواوين/الجيش/دار السكة/تخطيط المدن والمعمار. ستعقب ذلك كله خلال القرن الثالث والرابع حركة علمية وفلسفية كما تأسست دار الحكمة وعدد هام من البيمارستانات وانتشرت المناظرات ومجالس الأدب والغناء. وتطورت فنون العيش وأساليب الترفيه... أي تقريبا سائر ما اصطلح على تسميته (بالحضارة الإسلامية) أو (التمدن الإسلامي). يجوز أيضا أن نسميها حضارة العقل مقابل حضارة "النوس" اليونانية.

        لكن ما النفع لهذه العقلنة؟

        لا يمكن للمؤرخ أن ينكر الضرورات المادية والسياسية: فشعب خرج من الصحاري القفار ليؤسس إمبراطورية تنافس الإمبراطورية البيزنطية التي هزمها والفارسية التي قضى عليها وأبادها لابد أن يكون لهذه الضرورات وزنها في تفكيره وترسم سائر أشكال العقلنة التي عرفها.

        إن الوقائع العباسية تملك امتيازا في هذا الشأن.

        فالزخم الذي عرفته الحركة الاعتزالية وحركة الترجمة والنشاط الأدبي-التجديدي، كلها وغيرها لا تجد تفسيرها إلا في هذه الوقائع العباسية. والمعروف أن الوقائع الأموية رغم أهميتها ظلت وقائع عربية محلية رغم توسعاتها الهائلة لمجالها الجغرافي الطبيعي والبشري (تناقض ساهم في سقوطها) بينما عرف الواقع السياسي العباسي طفرة نحو (الروح الإمبراطورية) التي تملك أبعادا عالمية (العالم الوسيط على ضفاف البحر الأبيض المتوسط) مما سمح بظهور "آلية الدمج". دمج سائر المكونات البشرية والثقافية المتنوعة وخلق سلطة فوقية قادرة على مواجهة أزمة هذا الدمج: حينما كان الاسكندر يسعى إلى توحيد الإمبراطورية، كان يفعل ذلك عبر محاولة التوفيق بين الأديان الوثنية من خلال توحيد رموزها: آلهتها ومعابدها وكهنتها... وحينما حاول الرومان ذلك كان عبر توحيد التشريعات والأنظمة والمؤسسات. ويحاول العباسيون ذلك عبر التوفيق بين الثقافات.

        إن اليونان قبل أن يصبحوا (تراثا) مترجما كانوا قد أصبحوا في شخص أتباع الكنيسة الأرتوذوكسية وأهالي حران والاسكندرية وأنطاكية وجنديسابور... وغيرها من المستوطنات ذات الملامح اليونانية رعايا الخليفة العباسي. بل إن الجزر اليونانية نفسها والإيطالية أصبحت في التخوم العباسية. ولم تعد "بيزنطية" نفسها سوى مدينة محاصرة .

        غير أنه كيفما كانت أهمية الوقائع عموما فإن دورها يظل محدودا. فالعقلنة في الإسلام تنبع من (النص) وهي في الجوهر عقلنة (النص). من الأهمية أن نتساءل لنجيب يوما ما - لماذا لم يعرف الإسلام عقلنة نابعة من الأزمات التي عرفتها مؤسساته وأوضاعه السياسية والاقتصادية؟ تنبع العقلنة من (النصوص) ليس فقط لأن هذه النصوص انتقلت إلى مناخ جديد ذي مرجعية زمانية ومكانية وأنتربولوجية مغايرة. بل أيضا حملت معها أينما اتجهت بذور خطاب عقلي بما تتضمنه من آليات الجدل والإقناع / الأمر والنهي / الإعلام والإخبار.

        إن النص لا يثير المحاكمات العقلية فقط، لا يوجه النظر العقلي ولكن يستفزه كذلك. فهو قد يصمت عن الإجابات أو قد يقدم إجابات غير واضحة منطقيا، أو يوحي بإجابات متعددة تفتقد الترجيح. كل ذلك يجعل النص يشرئب بذاته نحو تأسيس امتداداته. إنه يريد أن يلتحم بالعقل وليس له بديل آخر لإنجاز الامتداد ومده بالحياة. إنه يصنع المقدمات والأولويات (في الإجابة أو عدمها) التي تفتقر إلى الطاقة الذهنية لتحويلها إلى (تفسيرات وتأويلات). كما في النص أيضا تطلع نحو (الكونية). والتعميم في الخطاب والتشريع إشارتها الواضحة - ولا شك أن ذلك كان أساس اللقاء الصريح والضخم بتراث يوناني (مزعج) ولكنه وحده يعقلن هذه الكونية دون أن يوجهها في اتجاه (ديني) نبوي مغاير.

        طبعا لم يكن متصورا أن يكون للنص هذا "الوزن النظري والعلمي" وأن تكون لحاجته للعقلنة هذا الدور لولا أنه اكتسب (سلطة) تدريجية فرضها أتباع الدين الجديد بداية بأساليب عسكرية وسياسية لترسيخ بعد ذلك في التربية والتعليم والتقاليد والمشاعر. وأصبح "كل شيء قابل للتبديل والتغيير عدا النص، وكل شيء قابل للنقاش والتعديل عدا النص". كما اتسع مدار النص الذي يتمتع بهذه السلطة وتقنن وتمتع بترسيم نهائي لحدوده بعد اكتمال مدونات الحديث الكبرى.

        تاريخ عقلنة النص في الإسلام هو تاريخ عدد من المحاولات: بعضها مارس نشاطه بصورة مشروعة (دائمة أو مؤقتة). لكن بعضها اعتبر بدعة ولم يتمتع بهذه المشروعية على وجه العموم. لكننا إذا استثنينا أحوال التعلق بالنص (الذي قد يوصي أيضا بما يتعارض مع الإيمان الصحيح) فإن سائر مظاهر العقلنة العقائدية في الإسلام وصمت كلها بالبدعة أو بلفظة تفيد نفس المعنى، كيفما كان الحجم الحقيقي للمصادر التي ورد فيها هذا الوصف.

        فالبدعة إما أنها تأويل معين للنص أو أنها قول على هامش النص.. وفي الحالتين لابد أن يظهر تعارض في الدلالة والتنافر في المعنى الذي قد يصل إلى حدود التقابل (أو يراه الخصوم كذلك) فتبدو البدعة ميلادا غير مشروع لتفاعل غير طبيعي بين العقل والنص. إن ظلال النص ولويناته والتباساته تقدم عادة بيئة مناسبة لمثل هذا التفاعل الغير الطبيعي الذي تنفر منه اللغة الطبيعية أو سياق المتن. وبمعنى ما، النص في الإسلام يفرز البدع، وعادة ما تنتصر (بدع) على حساب (بدع) أخرى. فتسحب منها صفة المشروعية وتبيد كتبها وآثارها وأتباعها.

        يمكن أن نلاحظ ذلك في التاريخ السني، حيث شمل مفهوم البدع كل الفرق والملل والنحل التي (خالفت) أهل السنة وهي كما أجملها ابن حزم في الفصل كما يلي:

        - إنكار وجود الله (كالدهرية)؛

        - من قال بتعدد الآلهة (كالمانوية)، أو القائلون بقدم العالم (الفلاسفة)؛

        - منكرو النبوة (البراهة وأبي بكر الرازي الطبيب)؛

        - منكرو النبوة المحمدية (اليهودية والنصرانية)؛

        - المخالفون في الأصول في الإسلام (المعتزلة-الخوارج-الشيعة)؛

        وفي المؤلفات السنية ترد أحكام متشددة على أهل البدع: النقل/الاستنابة/التعزيز/الإقصاء/النبذ. غير أن "الواقع" أشد قسوة. وهو ما يفسر الاندثار الفعلي لعدد من الحركات الكلامية والفقهية في الإسلام السني.

        يمكننا أن نورد أمثلة لها دلالاتها في تاريخ الغرب الإسلامي.

1- ينقل لنا ابن الفرضي حوارا بين المحدث الأندلسي بقي بن مخلد وخليل بن عبد الله الملك (أحد المعتزلة القلائل في الأندلس) بن كليب.

        قال فيه هذا المعتزلي عن الميزان: إنه عدل الله، "ونفى أن تكون له كفتان"، وعن الصراط إنه "الإسلام". أما القرآن "فلجلج ولم يقل شيئا، كأنه ذهب إلى أنه مخلوق"، وفي القدر قال: "إن الخير من عند الله والشر من عند الرجل"...

        بعدها قال بقي بن مخلد: "والله لولا حالة لأشرت بسفك دمك، ولكن قم فلا أراك في مجلسي بعد هذا الوقت" [ابن الفرضي، تاريخه علماء الأندلس، القسم الأول، ص140...]. والملاحظ أن هذا الفقيه المحدث كان هو نفسه متهم بالبدعة من طرف مالكية الأندلس، ولولا حماية الأمير عبد الرحمن الثاني (273-238هـ) لما سمح بنشر علم الحديث.

2- تحت تأثير الفقهاء المالكية سينشر عبد الرحمن الناصر الأموي منشورا يدين الحركة المسرية بالبدعة. وسيتولى القضاة لاحقا يتتبع هذه الحركة وإحراق كتبها التي تحمل أفكارا كلامية وفلسفية وصوفية تنسب لمحمد بن مسرة القرطبي (وسيرد هذه الحركة ضمن لائحة أهل البدع في كتاب ابن العربي: العواصم من القواصم). وقد نجحت هذه الحملة التي استمرت دون انقطاع في استئصال هذه الحركة.

        ويبدو مما ذكره ابن الفرضي وابن حزم أن وصف هذه الحركة بالبدعة يعود لأسباب أهمها:

        - تأويل القرآن تأويلا باطنيا.

        - القول برأي المعتزلة في الاستطاعة.

        - القول بلا نهائية الصفات الإلاهية.

        - القول بفلسفة أمبذوقلية منحولة تتبنى نظرية الفيض وقدم العالم.

        - ممارسة الجماعة المسرية لطقوس صوفية لا تملك سندا شرعيا.

        والملاحظ أنه في الحالات الثلاث: بقي بن مخلد وخليل بن كليب ومحمد بن مسرة. فكاد ينحصر معنى البدعة في كل مخالفة ولو جزئية للمذهب المالكي. فأتباع هذا المذهب في الأندلس منذ واقعة الربط -حرصا على نفوذهم- قاموا بكل الوسائل لتمثل التحولات الفقهية والكلامية والفلسفية التي تفد على الأندلس من المشرق.

3- تضمن المشروع المرابطي بزعامة الفقيه السلمي عبد الله بن ياسين محاربة البدع التي كانت تعني في المقدمة العقائد الشعبية والخارجية التي تتبناها الدويلات المنتشرة في الشمال الإفريقي (والمصادر السنية لا تبرئ هذا الفقيه نفسه من ممارسة عدد من البدع التشريعية). غير أن حالة "البورغواطين" تعد حالة متميزة. فقد خرب المرابطون بلادهم وقضوا على دولتهم في سهول الشاطئ الغربي بقسوة ووحشية. وأكمل الموحدون بعد ذلك المهمة. فقاموا بتهجير السكان وتشتيتهم واستوطنوا في أرضهم قبائل وافدة.

        ورغم ما بذله المؤرخون فلا نملك إلى اليوم ما ينير حقيقة المذهب البورغواطي. فهل هم كما تذكر المصادر السنية أتباع دين (مغاير)؟ أم أنهم مجرد طائفة كلامية منشقة (شيعية) أو (خارجية)؟

        وكيفما كان الأمر فإن الحكم بتبديعهم منح الشرعية للفاجعة. وسيعرف المشرق مثل هذه الحالات التي أبادت فيها الفتاوي الشرعية "أقليات" (طوائف) بربرية شاذة.

4- يقدم الصراع المرابطي / الموحدي نموذجا آخر أشد خطورة، لأنه يتم على أرضية سنية مشتركة -فالخلاف السياسي- القبلي تبنى شعار (البدعة) ومنحها دورا في هذا الصراع الدموي.

        يقدم المهدي بن تومرت في مجموعة أعز ما يطلب عددا من البدع المرابطية تبيح في نظره قتالهم وسبي أموالهم ونسائهم (أي معاملتهم معاملة الكفار).

        - تبرج النساء وسفورهن.

        - القول بالتجسيم.

        - فرض المكوس غير الشرعية.

        - التمسك بالفروع دون الأصول.

        وكما ستبين المصادر السنية المتأخرة فإن بدع (المهدي بن تومرت) نفسه تفوق (ما نسبه) للمرابطين خاصة قوله بعصمة الإمام والمهدوية لكن (النجاحات العسكرية التي حققتها قيادة عبد المومن الموحدي الكومي بعد فترة الإنكاسات منح لفتاوى المهدي المرابطي صفة (المرجعية الشريعية) خلال مراحل تصفية دولتهم.

        من خلال ما اعتبر بدعا في هذه الحالات (وغيرها) يمكن أن نخلص إلى أن المعيار الواقعي للبدعة ليس تماما المعيار النظري الذي تقدمه كتب الفرق. فالمخالفة في حد ذاتها هي التي تجعل القول أو الفعل يكتسب هذه الصفة ويساهم الشيوع والذيوع ومراكز القوى،. وغيرها من العوامل، في هذا الاكتساب.

        لكن المخالفة أو المعارضة (التي لم تكن حقا مسلما بها من طرف الغالب إلا في حدود تسامح نسبي غير واضح) لا تخص التعارضات التي تنفجر بين "العقلنة" والنزعة النصية، بل إنها قد تتعلق أيضا بمواقف عقلانية متباينة.

        ويقدم لنا الفرابي رسما لمثل هذه الحالات:

        فحينما بين في كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة ما يجب الإقرار به في الله وصفاته والخلق ومراتبه والنبوة والسعادة الأخروية والإمامة والرئاسة الفاضلة، اعتبر كل المخالفين لهذه الآراء إما أنهم يعتقدون بآراء المدن الجاهلة (والألفاظ الجاهلية لها دلالة ومرجعية قوية في الإسلام خلال صراعه المستميت مع الديانة العربية الوثنية في الجزيرة العربية)، أو أنهم يصنفون ضمن الأقلية داخل المدينة الفاضلة (ويسميهم الفرابي بالنوابت) وعلى رئيس المدينة الفاضلة أن يعمل على القضاء عليهم.

        هذا الرسم لن يجد -كالرسم السني- طريقه إلى الواقع العملي. ذلك أن تأسيس المدينة التي تمتلك فيها الفلسفة السلطة علم لا أفق له في الإسلام. وهو علم استهوى أبا الوليد وهو يشرح كتاب الجمهورية للأفلاطون: فكان يتصور أنه يرسم غير هذا الشرح الإطار السياسي لفتاويه في فصل المقال ومناهج الأدلة حيث خلص إلى أن الواجب الشرعي ردع المؤولين لظاهرة الشريعة من المتكلمين. وخلافا للعقلنة الفلسفية التي مرت خارج التاريخ السياسي نسبيا، فإن العقلنة الكلامية لم تنفصل عن هذا التاريخ. وسلوكها في فترات (النفوذ) تجاه المخالفين لم يتميز عن سلوك النزعات النقلية (وقضية خلق القرآن تمثل نموذجا معروفا).

* * *

        إذا كانت العقلنة في الإسلام قضية "النص" والتباساته، وكانت أيضا قضية الصراع النظري والعملي حول دلالة هذا النص، فإنها أيضا قضية الإخفاق في تغيير موقع النص وهيمنته. ولذلك نعتبر العقلنة في الإسلام تعني المحاولات التي لم تستطع أن تحقق أهدافها على المستوى العقائدي والتشريعي. نلاحظ هذا الإخفاق في مسار الحركة الاعتزالية منذ زمن المتوكل، ونلاحظه في مسار الحركة الفلسفية التي لم تحظ عقائدها بأية مشروعية.

        إلى ماذا يعزى هذا الإخفاق؟ هل يعزى لنجاح الخصوم أم يعزى لقصور هذه المحاولات الكلامية والفلسفية؟

        إن قراءة أعمال المعتزلة والفلاسفة المتوفرة اليوم تكشف عن نقائص نظرية ساهمت بدون شك في إخفاقها العلمي. فجدل الأشعري والغزالي وابن تيمية لم يكن مجرد (حادثة عابرة) أو علامة على تحامل موجه. بل إنه جدل كاشف كشف هذه الثغرات النظرية وحولها إلى مناسبة في صالح خصوم هذه العقلنة.

        أهم هذه النقائص أو الثغرات وأخطرها أن هذه المحاولات لم تقدم ضمانة للنص، أي ما يضمن صدقه المطلق - فليس من الممكن تصور أي تغيير في موقع النص في صلب أي دين أو أية ايدلوجيا دون هذا المقابل الذي لم تنجح العقلنة في الإسلام في تقديمه.

        لنتأمل ذلك في ثنايا المذهب الاعتزالي. فما ألفه المعتزلة حول أولوية العقل على النقل يسير في اتجاه يهدد النص. فابن الراوندي المعتزلي سابقا والزنديق كما يوصف في المصادر الإسلامية سينفذ إلى هذه الحقيقة حينما قال: إن النبوة إن أتتنا بما يوافق ما جاء به العقل فنحن في غنى عنها وإن جاءت بما يخالف العقل فنحن ملزمون برفضها.

        غير أن المواجهة الاعتزالية للنص تتضح في عقائدهم:

        إن قول المعتزلة بخلق القرآن قصد تنزيه الله عن شرائط الكلام الإنساني صدم في العمق الوسط الإسلامي السني وفاجأه لأنه أثار التشكك في الهوية الإلاهية للقرآن. هذه الهوية التي حركت الثقاة والأتقياء لجمعه وحفظه وتدارسه وتعليمه، وجعل الفقهاء يقضون الأعمار في تفسيره واستخلاص الأحكام من آياته.

        إن القول الاعتزالي أصبح يضع القرآن في منزلة المخلوقات ويعرضه لكل نقائص المخلوقات. فغياب الصفة الإلاهية لا يعوضها المعتزلة بما يحافظ على منزلة النص وأساس صدقه ويقينه الديني المطلق (وذلك هو الذي منح لابن حنبل في سلاسل المأمون تلك الهالة التاريخية). وفي مسألة القدر صاغ المعتزلة حججا متعددة أهمها أنه إذا لم يصح القول بقدرة الإنسان على خلق أفعاله بطل الوعد والوعيد والأمر والنهي... وهذا الاحتجاج يربط صدق ما ورد في النص بصدق قضية فلسفية قابلة للتشكيك. بل إن التسليم بها يخلق تعارضا آخر مع عدد من الآيات والأحاديث التي تصرح بالمشيئة المطلقة.

        وفي مسائل الصفات أصرت المعتزلة على التنزيه المطلق للذات الإلاهية وتأويل كل ما يوحي بالشبيه أو التجسيم. ولكنهم صدموا الإيمان العام عندما نفوا عددا من معاني الآيات والأحاديث الصريحة التي تتحدث عن لقاء الإنسان بربه. فثارت فتن في بغداد حول الرؤية التي نفاها المعتزلة. فنزل الحنابل إلى الساحة ينتصرون للنص ويعلنون على منبرهم أن الله كما وصف نفسه بدون كيف، فهو ينزل ويستوي ويتكلم كما ورد في النص.

        سيقدم المعتزلة أيضا نظريات (فلسفية) مغايرة تماما لسياق النقل على أساس أنها تدعمه وتؤيده فأثاروا الشك في قصور "النص" عن دعم ذاته. ولم يبرروا كيف يمكن أن يفتقر "القول الإلاهي" إلى "القول الإنساني". ومن هذه النظريات: القول بالمنزلة بين المنزلتين -نظرية الكون- نظرية الأحوال... لاشك أن جدل الأشعري كان له دور في نصرة أهل السلف الذين لم يتعودوا على هذا النمط من الجدل الكلامي، كما أن لموقف المتوكل دور سياسي في هذه النصرة. ولكن نفور الفقهاء وجمهورهم من المعتزلة هو الذي يفسر انقراضهم التدريجي والنهائي. فارتسمت منذ الزمن السلجوقي معالم أول إخفاق وأخطره للعقلنة في الإسلام.

        سنجد في المحاولة الفلسفية أيضا ما ينسجم مع هذا الاتجاه وما سينتهي إلى نفس النهاية. فإذا استثنينا أبا بكر الرازي الطبيب -الذي نفى النبوة بدعوى أن الله لا يجوز عليه أن يبعث ما يثير الفتن والحروب والتقاتل، باعتباره أرحم بهم وأعرف بمصالحهم- فإن الفارابي سيحاول في نظرية النبوة رفع هذه القطيعة وتحقيق لقاء بين النبي والفيلسوف، لقاء يعتمد على وحدة (المنبع) الذي هو (العقل الفعال) على المستوى السيكولوجي والمعرفي، وعلى وحدة (السلطة) في قمة الهرم السياسي.

        لكن هذا اللقاء الذي حل محل قطيعة الرازي لم يكن لقاءا متوازنا. فما يتلقاه النبي عبر القوة المتخيلة هو في أفضل الحالات مجرد مثالات لما يتلقاه "الفيلسوف عبر القوة الناطقة" (أي المعقولات الخالصة). والخطاب النبوي يعتمد أقيسة شعرية وخطابية وجدلية في التاريخ الإنساني.

        ومن حيث (موضوع الخطاب) تتوجه الحكمة (للخاصة) أو لخاصة الخاصة بينما (الملة) تتوجه للعامة الذي يفتقرون إلى الفطرة لاكتساب العلوم الفلسفية الموصلة وحدها إلى السعادة الحقيقية.

        كل ذلك يجعل هذا اللقاء الذي رسمه الفارابي (وانتشر عبر مؤلفاته التي ذاع صيتها في المشرق والمغرب) غير قابل لأن يمتلك شروعية دينية في الوسط الإسلامي السني.

        إن ابن تيمية نجح في تقديم الصيغة التي فهمت بها هذه الثنائية الفارابية في هذا الوسط حيث أدرج الفارابي ضمن "أهل الوهم والتخييل" الذين يقولون "إن الأبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر وعن الجنة والنار بل وعن الملائكة بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه، لكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله جسم عظيم وأن الأبدان تعاد، وأن لهم نعيما محسوسا وعقابا محسوسا وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر [ابن تيمية -موافقة صحيح المعقول لصريح المنقول -ج- دار الكتب العلمية – بيروت، 1985، ص33...].

ورغم أن فلاسفة الإسلام بعد الفارابي تلافوا التصريح بنظريته في النبوة إلا أنهم بصفة عامة لم يتخلصوا من آثارها في أعمالهم.

        فقد سلم ابن رشد بمراتب الأقيسة، كما سلم بأن النبوة لا يقوم صدقها على ما يتم على يد الرسول من خوارق ومعجزات وإنما على قيمة التعاليم التي يبشر بها. كما سلم أن للشريعة ظاهر ومؤول. فالظاهر فرض الجمهور والمؤول "هو فرض العلماء" ولا "يحل للعلماء أن يفصحوا بتأويله للجمهور" [ابن رشد/مناهج الأدلة/ ت محمود قاسم/ط2/مكتب الأنجلو المصرية 1964 ص133...]فصفة الجسمية مثلا يجب "أن يجرى فيها على منهاج الشرع فلا يصرح فيها بنفي ولا إثبات" لأن الجمهور "يرون أن الموجود هو المتخيل والمحسوس، وأن ما ليس بمتخيل ولا بمحسوس فهو عدم..." [ابن رشد/نفس المصدر – ص171...].

        قد لا يتوقف التساؤل عند هذا الموقف من النص، لأنه ينقلنا إلى ما يعلل هذا الموقف نفسه؟ هل يتعلق الأمر بإلزامات الجدالات الكلامية؟ أم أنه نشأ عن إكراهات التراث اليوناني؟ أم أنه يتعلق بفكر المعارضة الذي ظل يغلب على أتباع هذه الحركة؟ أم يتعلق بتطلعات ما يسميه البعض بذور بورجوازية ناشئة في المدن الإسلامية (بورجوازية الصنائع والحرف والتبادل التجاري) في مقابل "أرستقراطية الأراضي"، والقيادات السياسية والعسكرية؟.

        البحث التاريخي في حدود علمنا لا يقدم جوابا حاسما تؤيده الوثائق. لكن كل جواب ممكن لابد أن يحمل بالتأكيد كل عناصر هذه الإجابات.

        غير أنه يمكن أن تضاف إلى هذا الموقف من النص جملة أخرى من العوامل الكامنة في هذه العقلنة نفسها، في مرجعيتها وفي مدى التزامها بشرائط اليقين التي حاكمت خصومها على أساسها وفي مدى توفرها على وعي ذاتي بكيانها ومدى نجاحها في تقديم مذاهب متكاملة، وفي مدى حرصها على خلق تراث ثقافي وتلامذة يحققون لها الاستمرارية.

        كل ذلك طبعا لا يبرئ خصوم (العقلنة) - وقد أشرنا إلى الأساليب العنيفة المتداولة في تصفية ما يمكن أن يعتبر بدعة. لكننا سنضيف مثالين: مثال القاضي سحنون في القيروان الذي تجند لمحاربة المتكلمين والمعتزلة خاصة بكل أصناف المتابعات والزجر والتأديب وذلك بتفويض من الأغالبة الذين سايروا الانقلاب السلفي في بغداد.

        والمثال الآخر: تقرب المنصور ابن أبي عامر للفقهاء بإعلان حملة على الفلسفة وكتبها وممارسيها فتجرأ على إحراق وتدمير ما تحتويه الخزانة المروانية / الضخمة / بقرطبة من علومها. فأصابت الفلسفة في الإسلام أعظم فاجعة (وقد رددتها مصادر العصر بحسرة).

        فبعد أن فقدت العقلنة مواقعها (التي أصبحت متواضعة جدا مع بداية القرن الخامس الهجري) هيمنت ثلاث لحظات رئيسية: لحظة الأشعري-لحظة الغزالي-لحظة ابن تيمية.

        لا يمكن الخلط بين هذه اللحظات. فرغم أرضيتها السنية المشتركة ومرحلتها التاريخية، إلا أنها منذ القرن الثامن للهجرة أصبحت تمثل ثلاث تيارات متعاصرة ومتمايزة ومتناقشة.

1- إن لحظة الأشعري تمثل لحظة تبلورت فيها لأول مرة في الإسلام أطروحة "القول بحدود العقل وهي أطروحة تضافر أئمة الأشاعر على نسج بنيتها النظرية وهي تبنى عندهم على أسس ثلاث:

        نسبية القيم – نفي العلية – إنكار وجود الكليات – وهي أسس يحتج بها لتجريد العقل من كل إمكانية للحكم اليقين المطلق، أي جعله قاصرا دون امتلاك الحقيقة بنفسه دون ورود النقل. كما أن هذه الأسس تضع حدودا لما يمكن للعقل القيام به في فهم النقل. فلا يمكن لدليله مهما كانت قوته أن تبطل أو يُشكك فيما هو صريح بالنص: فالنص إذا كان يتضمن أمورا يتقبلها العقل ويسلم بها فإنه بالضرورة يتضمن ما يعلو على العقل وما يمتنع عليه.

        في صلب هذا التيار ستظهر محاولة حديثة للعقلنة فيما سيعرف بسلفية محمد عبده وتلامذته. وإخفاق هذه المحاولة كان سريعا. لأنها نظريا حاولت إيجاد لقاء متعذر مع عقلنة المعتزلة والفلاسفة في الإسلام ومع العقلنة التنويرية التي عرفها الغرب (دون أن تمتلك الجرأة لمراجعة أسسها الذاتية).

        ولذلك تمثل انشقاقا محدودا ذا طابع عملي (الإصلاح السياسي والاجتماعي). وفي هذا الميدان أيضا يبدو أن الوقائع تجاوزت هذه السلفية - الأشعرية ووضعتها في مأزق.

2- لحظة ابن تيمية لحظة أفرزها التراث السلفي-الحنبلي، وهي لحظة يمكن وصفها "بلحظة النقل" بامتياز. فالنقل في نظرها (الذي يشمل أساسا نصوص القرآن والسنة) لا يفتقر إلى أية عقلنة، فهو يتضمن كل ما يتعلق بالعقائد والتشريعات، أي كل ما له صلة بحياة الناس، أفرادا أو جماعات، في جزئياتها وكلياتها، كما أن النقل عبر عن ذلك بوضوح ودون أي لبس أو إلغاز. وفهم النقل لا يتجاوز الدلالة اللغوية وما هو متعارف عليه في بلاغة العرب الذين نزل بلغتهم. كما أن أقوال النظار والصوفية وغيرهم فيما خالفوا فيه (دلالة) النص باطلة وتصنف في دائرة البدع التي يتوجب مقاومتها واستاتبة أصحابها وقتالهم.

        ورغم أن حجم الطائفة الحنبلية التي تمسكت بهذا الموقف وتعصبت له في العراق والشام كان محدودا بالقياس للتيار الأشعري، إلا أنها منذ القرن الثامن عشر الميلادي بدأ نفوذها يتزايد بعد الثورة الوهابية التي تزعمتها في الجزيرة العربية ونتيجة للثورة البترولية التي اكتشفت في المنطقة.

        وبالتأكيد فإن هذا التيار في سائر مظاهره وتفاعلاته المعاصرة: الرسمية والشعبية الثقافية والسياسية هو الذي تعتمده وسائل الإعلام الغربية في رسم صورة نموذجية للإسلام المعادي لأية عقلنة والذي ينحو منحى انغلاقيا يرفض كل محاولات التجديد والتحديث.

        ورغم ذلك فمن الأهمية أن نتساءل عن سر هذا النجاح الذي يحققه اليوم هذا التيار النقلي وهب هو تكريس لرفض العقلنة في الإسلام بعد إخفاتها التاريخي؟ أم أنه ظاهرة مؤقتة يفرزها الواقع الإسلامي اليوم ومصيرها إلى الزوال الحتمي.

3- لحظة الغزالي وهي لحظة يمكن أن ندعوها بحظة القول "بتجاوز العقل" - وهي بهذا المعنى لحظة (التصوف) الذي منحه الغزالي والقشيري مشروعية في العالم السني مقابل الانفصال عن تصوف ذي النون المصري والحلاج وابن عربي... أي مقابل التخلص من التصريحات الصوفية الفلسفية المناهضة للعقائد السنية ومنها: الحلولية/وحدة الوجود/وحدة الأديان/الولاية المطلقة.

        لذلك تمت منذ القرن الثامن الهجري مراجعة مؤلفات ابن عربي (التي عرفت إقبالا لا نظير له) وتصفيتها من هذه الشوائب وتوقفت الانطلاقة الفلسفية للتصوف في الإسلام التي فاقت جرأتها وتأويلاتها للنص ما قدمته المحاولات الكلامية والفلسفية. وأصبح التصوف في العالم السني مجرد طوائف وتنظيمات وزوايا وأضرحة ذات أعراف وطقوس عملية متنوعة، لكنه يتسم بالعقم النظري، كما أن شيوخه وقفوا دوما دون مرتبة الفقهاء وعلماء الشريعة وخضعوا لمراقبتهم.

        إن هذا العقم النظري صاحبه التزام بمبادئ تعضد موقف أهل الشريعة وتناهض كل محاولة للعقلنة والتحديث، منها اعتبار الدين ليس أفكارا وتأملات بل هو تجربة عملية تعني أساسا ممارسة كل أشكال العبادات: الفرض والنافل والواجب والمستحب. وهي ممارسة تحمل طابعا دائما وآنيا تصاحبها كل أشكال الفكر ومحاسبة النفس وتصحيح الأعمال وجعل الموت والحياة الأخروية هاجسا دائما لا تضعفه الحياة الدنيوية ومشاغلها وهمومها. يضاف إلى هذا كله التسليم المطلق بالمشيئة الإلاهية والإقرار العميق بالخوارق وفضائل أهل الولاية وكراماتهم بما لا يتناقض مع النبوة ومعجزاتها.

        إن الآثار المدمرة لهذه اللحظة في المجتمعات الإسلامية أصبحت في مرتبة الحقائق التاريخية والسوسيولوجية. وقد حاولت السلفية الأشعرية وكذا السلفية الحنبلية مقاومة هذه الشبكات الصوفية التي أسست بؤرا وخلايا في الأنسجة الباطنية للمجتمعات الإسلامية في القرى والحواضر ووظفت بنجاح مفاهيمها في الثقافات المحلية وعبر العلاقات القبلية والأسرية. لكن حدود ما تحقق ظل متواضعا رغم أن إكراهات التحديث دعمت هذه المقاومة وأضعفت من نفوذ الطرقية والطائفية في المدن والمؤسسات الحديثة.

* * *

        إن هذه اللحظات التي تهيمن اليوم على الوسط الإسلامي السني ليس مجرد لحظات نظرية مجردة بل إن مواقعها حاضرة على صعيد التشريع والمؤسسات التربوية والقضائية والإعلامية. كما أنها لا تزال ترسم وعي فئات اجتماعية واسعة في البوادي والحواضر وفي بلدان المهجر. ويمكن أن نتساءل: كيف استمر هذا الحضور القوي رغم ما عرف بصدمة الغرب؟ وبصورة ملموسة كيف استمرت هذه اللحظات التي ترفض العقلنة وتحريك النص عن مواقعه وسيادته رغم أن العالم الإسلامي استيقظ يوما وهو يشاهد تخلف أوضاعه وانحطاطه؟ وفي وقت تقلص فيه ظل الشيخ والفقيه والأمير أمام أرباب الصناعة وممثلي الشركات وأفراد البعثات ورجال الصحافة؟

        يبدو أن تساؤل "زعماء الإصلاح" كان مضللا: كيف نجحت أمم تتبنى ديانة مسيحية ضالة (ديانة الأسرار والاستبداد الكنسي) في بناء هذه الحضارة (العقلية) الظافرة بينما تحولت مجتمعات (دين العقل) إلى نموذج محزن للجمود والضعف؟

        في هذا التساؤل تحريف واضح لقضية العقلنة في الإسلام. فهي ليست قضية إخفاق ديني تاريخي لتيارات كلامية وفلسفية بل هي مجرد قضية ممارسات اجتماعية فاسدة يتعين تصحيحها والدعوة لإصلاحها (إنها قضية البدع).

        وهذا الفهم يجرنا إلى دائرة مغلقة لأنه يتمسك بنفس الآليات والمفاهيم التي تمرست عليها بالتوارث والإجادة التيارات النقلية المهيمنة. وقد دلت الوقائع على أن هذه التيارات لا يضيرها نقد أخلاقي إصلاحي سطحي (جمود الفقهاء/التواكلية...)، فهي تحتمل بعضه على مضض (في انتظار أيام أفضل) لكنها سرعان ما تنتفض حينما يتقاطع الإصلاح بمواقعها التقليدية في التشريع والمؤسسات. فالبدعة عندئذ في (الإصلاح) نفسه وليست في الواقع المتخلف. هل الواقع الإسلامي أصبح اليوم في مقام الواقع الأنتروبولوجي المتحجر الذي يفضل أصحابه قتل أنفسهم على تغيير تراثهم؟ وهل النص الديني الإسلامي كما يزعم النقليون لا يسمح باستئناف عقلنة جديدة وتصحيح مسار أصبح في ذمة التاريخ؟

        لا شك أن لهيمنة هذه التيارات ولهذا التحجر صلة بالأزمات الاقتصادية والسياسية التي تراكمت منذ الزمن العثماني. ولا شك أيضا أن كل المجتمعات الإسلامية عرفت نخبا مختلفة التكوين والمقاصد تتبنى بمناهج مختلفة الدعوة لتحديث وعقلنة المجتمع الإسلامي.

        لكن يبدو أن ما هو جوهري تحقق حتى في المجتمعات التي نجحت نسبيا في عقلنة نظامها على النمط الغربي. ذلك أن العقلنة الفلسفية التي أدت دورها في الغرب (وأصبحت من مكوناته التاريخية) لم تجد موقعها بعد في الواقع الإسلامي. فكل ما تم تقديمه خاصة في المحيط العربي-الإسلامي (الذي يعتبر النواة الصلبة في هذا الواقع...) لم يتجاوز الدائرة التاريخية المغلقة التي لمحنا إليها. فالعقلنة حينما تستجيب لحاجة النص تعمل على إقصاءه والتيار النقلي حينما يتجاهل هذه الحاجة أو يضعها في حدود ضيقة يحول النص إلى أداة لتجميد العقل وتجريده من طاقته الأصلية على الجدال والحوار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق