احدث المواضيع

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

ندوة الأخلاق والسياسة بمراكش: إعادة بناء الفكر الأخلاقي وتقويم السياسة

ع. العزيز بومسهولي

  وع. الصمد الكباص

         واصل مركز الأبحاث حول التحولات المعاصرة وشعبة الفلسفة بكلية الآداب مراكش إشعاعهما الفكري بتنظيمهما لندوة فكرية تمحورت حول موضوع "الأخلاق والسياسة" بتعاون مع كلية الحقوق بمراكش. وتكمن أهمية هذه الندوة- التي تندرج في إطار الملتقى الثالث لفضاءات ابن رشد، التي دأب مركز التحولات وشعبة الفلسفة على تنظيمها سنويا احتفاء بالفيلسوف العقلاني ابن رشد، واستلهاما لتراثه- تكمن في طرح إشكال لا تخفى راهنيته الفكرية والواقعية. إذ إنه يمس مسألة التنظيمات الاجتماعية والسياسية في علاقتها بالإنسان، وذلك بالنظر لمجموع المشاكل التي يواجهها العالم المعاصر والتي تطرحها عليه صراعاته السياسية والعلمية ومستجداته التكنولوجية والتحولات المتسارعة. وقد ساهمت في هذه الندوة الهامة نخبة من المفكرين والباحثين والمهتمين من ذوي الاختصاصات المختلفة، خاصة الفلسفة والفكر السياسي على مدار يومي 25 و26 يناير 2001، تباحثوا خلال ست جلسات علمية دقيقة، مختلف الجوانب النظرية والعلمية المرتبطة بسؤال الأخلاق والسياسة.

        في الجلسة الأولى التي تمحورت حول الأخلاق والسياسة في فضاء الفكر العربي والإسلامي، وترأسها الدكتور أحمد شحلان وساهم فيها كل من الدكاترة سالم يفوت، محمد الأمراني، عبد العالي العمراني جمال، والأستاذ أحمد المحرزي، انصب الاهتمام على التناول العربي والإسلامي لهذه الإشكالية، حيث حرص الأستاذ سالم يفوت على إبراز كيف أن نظرية الإمامة والخلافة لدى الفقهاء والمتكلمين وخصوصا ابن حزم الظاهري، وضعت لتكون مجرد غطاء فقهي نظري للالتزام السياسي ولا صلة لها بالحقيقة، ويظهر ذلك بجلاء في بث ابن حزم في مسألة المفاضلة بين الصحابة والتي كان فيها أمويا محضا ومعاديا للشيعة، ليخلص إلى أن الموقف السياسي هو الذي كان متحكما في ابن حزم وليس الموقف المبدئي. فقد أكد سالم يفوت أن ابن زم يبين بالملموس أن السياسة لا أخلاق فيها. أما الدكتور محمد الأمراني فتناول مسألة الأخلاق والسياسة من خلال مفهومي العدل والاعتدال، حيث اعتبر أن العدل ينطوي على قيم المساواة وإحقاق الحق، ومن ثم فهو يتضمن مفهوم الاعتدال كما هو مستخلص من الثوابت النصية التي تعطي لهذا المفهوم معنى الوسطية. ففضيلة الاعتدال موقف مطابق لصحيح الشرع المنقول والاجتهادات الموافقة للفطرة الإنسانية، وقد خلص الباحث إلى أن الاعتدال يترجم التمازج المؤسس في البنية الإسلامية بين الأخلاق والسياسة.

        ومن جهته تناول الدكتور عبد العالي العمراني جمال بالدرس والتحليل، مسألة الأخلاق والسياسة في الفصل الخامس من كتاب إحصاء العلوم لأبي نصر الفارابي الذي يحدد خاصية كل من علمي السياسة والأخلاق، حيث وجد أن الفارابي يربط بين العلوم الثلاثة: الفقه وعلم الكلام والفلسفة العلمية، مبينا أ الأخلاق لا تقف عند حدود الغايات حيث أن السعادة لا يمكن أن تكون إلا في مرحلة الحياة الأخرى التي تعني بلغة الفيلسوف الحياة النظرية التي تميز المدينة الفاضلة.

        أما مداخلة الأستاذ أحمد المحرزي العلوي، فقد تركزت على العلاقة بين الفلاسفة الفقهاء كما أكد ذلك عنوان موضوعه، لكنه تحدث بلغة وعظية خطابية تتضمن كثيرا من الأحكام المسبقة والمتسرعة عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الفرد والجماعة والدولة، معتبرا أن كل حضارة لا تنهض إلا بسلطة الأخلاق، وتسقط بزوالها، من خلال المقارنة التي عقدها بين المنظور الفقهي للأخلاق والمنظور الفلسفي، ليخلص إلى أن المدينة المعاصرة أقصت الأخلاق نهائيا واعتبرتها أوهاما، وأن العلم سخر لنشر الإلحاد والفساد.

        أما الجلسة الثانية المعنونة بحدائق ابن رشد، فقد ساهم فيها كل من الدكاترة أحمد شحلان، عبد السلام بن ميس والأستاذ (غي مارتيني) وقد ترأسها الدكتور سالم يفوت.

        تناول د. أحمد شحلان كتاب نيقوما خيا الضائع: تلخيص ابن رشد، من خلال الترجمة العربية التي تعد بمثابة تكملة للجانب الضائع من النص العربي للكتاب.

        أما عبد السلام بن ميس، فقد حاول في مداخلته المعنونة بـ"الرشدانية اللاتينية بين الميتافيزيقا والسياسة" الكشف عن أثر فكر ابن رشد السياسي القروسطوي، حيث اعتبر أن التمييز الذي استلهمته الرشدانية اللاتينية بين الشريعة والحكمة يعتبر أساس العلمانية التي انتشرت في أوربا، وقد خلص الباحث إلى أنه بالإمكان اعتبار الحركات الداعية إلى حقوق الإنسان والتسامح نتيجة للرشدانية اللاتينية بعد نقلها إلى السياسة. لكن العالم العربي والإسلامي لم يستطع استثمارها سياسيا أو فكريا.

        وبدوره أكد غي مارتينه أنه إذا كانت اليونان لم تفصل بين السياسة والأخلاق، وإذا كان ابن رشد لاحظ نفس الشيء، فإننا اليوم نلاحظ أن الحق أصبح مفصولا عن السياسة، كما تحدث عن بعض آراء ابن رشد في الحرب والسلام والمرأة، معتبرا أنها تمثل إجابة عما يعرفه العالم العربي اليوم من أزمات.

        أما الجلسة الثالثة التي امتدت إلى صباح اليوم الثاني، فقد تمحورت حول "التنظير للأخلاق والسياسة"، وترأسها الدكتور محمد الأمراني رئيس شعبة الفلسفة بآداب مراكش، وساهم فيها كل من الأساتذة: ثريا بركان، عبد العزيز بومسهولي، عبد الصمد الكباص، عبد الحي أزرقان ورشيد العلمي الإدريسي.

        فقد تناولت ذ.ثريا بركان إشكالية الأخلاق والسياسة عند اسبينوزا مبرزة أهم مواقف الفيلسوف من هذا الإشكال، فاعتبرت أن إنسان سبينوزا لا ينفصل عن قوانين الطبيعة، وهذه الأخيرة ليست خيرا ولا شرا، لأن القيم إنتاج ذهني تابع للمنظور البشري، مبينة أن هدف كتاب الإيطيقا ليس هو الوعظ أو الإرشاد.

        أما الأستاذان عبد العزيز بومسهولي وعبد الصمد الكباص فقد قدما عرضا مشتركا حول الأسس الفلسفية لأطروحة نهاية الأخلاق، تناولا فيها المرجعية الفلسفية لهذه الأطروحة كما تتجلى عند كل من سبينوزا وليبنز وهيغل وكوجيف وهيبوليت، معتبرين أن النهاية لا تعني في هذا المقام الأفول الجنائزي وإنما التحقق الكامل للمبدأ والغاية الذي يستند إلى مبدأ العلة ومفهوم الزمان الذي يبلغ منتهاه في مرحلة الروح المطلق، حيث تتحقق الغاية والخير الأسمى. وقد تساءل الباحثان عن الأساس الأنثربولوجي لهذه الأطروحة وعن ما إذا كانت الكونية التي يقترحها عصرنا بداية لسيرورة نهاية الأخلاق.

        في حين تحدث الدكتور رشيد العلمي الإدريسي في مداخلته المعنونة ب"الأخلاق والسياسة بين التعالي والمحايثة" عن البنية المتحكمة في الفكر السياسي المتمثلة في الصراع الدائر بين الحكم الديمقراطي والحكم الاستبدادي، مبرزا الخلاف الفكري المتعلق بكيفية إنتاج القيم وعلاقتها بالسلطة، ومن ينتجها، حيث عرض لفرضية التعالي التي تقول بتعالي الأخلاق عن السياسة والمتمثلة في فكر أفلاطون ولفرضية المحايثة التي تربط بين القيم والسلطة، وتتمثل في الفكر السفسطائي الذي كان سباقا للتنبه إلى أن القيم هي دائما في صالح السلط، معرجا على العلاقة الإشكالية المطروحة في إطار الحداثة بين الأخلاق والاقتصاد الرأسمالي الذي أقضى إلى انقسامات خطيرة في المجتمع، وقد خلص إلى أن الإشكال قد يجد حلا في الربط الجدلي بين الفرضيتين التي يمكن أن نستلهمهما من خلال نظرية ميكيافلي وهابرماس.

        أما الأستاذ عبد الحي أزرقان، فقد تحدث في موضوع: "البحث في معنى فصل الأخلاق عن السياسة عند المحدثين" معتبرا أنه بإمكاننا القول إن الأخلاق تمثل مجالا مكملا للفعل السياسي، وإنهما معا مؤسسان للعلاقة داخل المجتمع، حيث أن الأخلاق ترتكز على التوافق بين الذات والمحيط الاجتماعي.

الجلسة الرابعة تمحورت حول أخلاق المسؤولين والسياسة ترأسها الدكتور عبد المجيد الكوهن، وساهم فيها كل من طاهر البحبوحي ومحسن الأحمدي وندير مومي.

        بالنسبة لمداخلة الطاهر البحبوحي المعنونة بـ"أفكار حول ميكيافلية اليوم" فقد انصبت على إعادة الاعتبار لنظرية ميكيافيلي وتخليصها من الشوائب الإيديولوجية التي علقت بها تاريخيا، حيث أن ميكيافيلي قام بدوره باستخلاص قوانين السياسة من الواقع السياسي الفعلي كما يمارس تاريخيا، وأنه نقل التجربة العينية التي رآها إلى الحقل النظري. واعتبر أن وجهة نظر ميكيافلي تندرج في ما يمكن تسميته باقتصاد العنف وتدبير الحيلة، حيث أنه يقول بأن اللجوء إلى العنف يجب أن يكون في حدوده الدنيا ومن أجل غاية أسمى.

        وبدوره تحدث محسن الأحمدي عن الأخلاق والسياسة عند ماكس فيبر مستلهما الاختلاف الذي قرره السوسيولوجي الألماني بين رجل القناعة ورجل المسؤولية، محددا الملامح العامة التي تطبع وجهة نظر فيبر للأشكال المذكورة.

        وإذا كانت المداخلات السابقة قد اكتست صبغة نظرية، فإن الأستاذ الركراكي البلغيثي قد فضل تناول إشكالية السياسة والأخلاق في العمل الجماعي والبرلماني بالمغرب، وقد بين مجموع النواقص والسلبيات التي عرفها الحقل السياسي بالمغرب والمتمثلة في إفساد العملية الانتخابية وتكريس الذهنية المخزنية، وإعاقة الإصلاح الدستوري.

        أما الأستاذ مومي ندير، فقد ركز في مداخلته على تناول العلاقة بين الأخلاق والسياسة من خلال الفعل التواصلي لدى هابرماس، منطلقا من التساؤل الآتي: هل يمكن تأسيس أخلاق للتواصل السياسي؟ ومن خلال عرضه لأهم تفاصيل نظرية هابرماس في الفعل التواصلي، استخلص الباحث أنه يستحيل تحقيق ذلك.

        أما الجلسة الخامسة فقد تركزت أشغالها حول الأخلاق والسياسة بين التوازن والاختلال ترأسها ذ.محمد الأمراني وساهم فيها كل من الدكتور عبد المجيد الكوهن رئيس مركز التحولات ومحمد الجواري ورشيد الهدى. انطلق الأستاذ عبد المجيد الكوهن في مداخلته المعنونة ب"الرأسمالية والأخلاق من طرح إشكالية العلاقة بين الأخلاق والأجر" من خلال وجهة نظر كارل ماركس الذي يقول بأن الأجر لا ينبغي أن ينزل تحت حده الأدنى بسبب الأخلاق، وهذا يعني أن المجتمع يجب أن يقيم حاجزا يحول دون استغلال الطبقة العاملة، ثم تساءل عن مصدر الأخلاق، مبينا أن كارل ماركس يعتبرها جزءا من البنية الفوقية وأنها نتيجة للعلاقات التي تنعقد بين البشر، ففي الوقت الذي تتغير فيه هذه العلاقات يتحتم أن تتغير الأخلاق بدورها، وعرج على مختلف المراحل التي عرفها تطور الرأسمالية مشددا على مجموع التناقضات التي أفرزتها، مؤكدا على دلالة انعقاد لقاءين متعارضين في نفس الوقت إبان يناير 2001: الأول بدافوس وهَمَّ الأغنياء، والثاني بالبرازيل وهَمَّ أنصار الأولوية الاجتماعية، معتبرا أن الرأسمالية حاليا هي في لحظة تتحول فيها إلى لارأسمالية وذلك ومن خلال التركز الذي يمثل تجسيدا لصيرورة الانتقال من الملكية الخاصة إلى المشاركة في رأسمال مشترك، وطرح في خاتمة مداخلته البعد الأخلاقي للاستنزاف الرأسمالي للطبيعة، التي تنتقم لذاتها (ما يعرف بغضب الطبيعة).

        ومن جهته اختار الأستاذ محمد الجواي تقديم عرض لنظرية العدالة عند جون رولز الأمريكي الذي استطاع حسب المتدخل أن يجعل من مفهوم العدالة أساسا للفكر السياسي من حيث هي نقطة الالتقاء بين الأخلاق والسياسة، مبينا أن رولز يعتبر أن العدالة تتحقق عندما تعطى الأسبقية للحقوق السياسية على حقوق المنفعة.

        أما الأستاذ رشيد الهدى فقد تنول في مداخلته المعنونة بالأخلاق والمعمار، الأبعاد الأخلاقية لإنجاز تصاميم المعمار والمخاطر التي تنطوي عليها كل عملية تلغي البعد الأخلاقي من حسابها.

        وفي الجلسة الختامية التي خصصت للأخلاق والسياسة في مرآة التحليل النفسي والتي ترأسها الأستاذ سعيد آيت تباصير، اتفق كل من الدكتور محمد الزيتوني، أخصائي العلاج النفسي، الدكتور جناح توفيق المختص في التحليل النفسي للأفراد والجماعات. واعتبر الزيتوني أن الأخلاق تمثل مقاومة جوهرية تتسامى بالكائن لتجعل منه كائنا إنسانيا في المجتمع الإنساني الذي ليس هو بمثابة قطيع وإنما هو مسار للفردانية، نحن بحاجة للإيطيقا بقدر دوام الحياة، وهذا ما أكده الدكتور جناح باعتباره التحليل النفسي أساسا أخلاقيا للثقافة، وخلص إلى أن التحليل النفسي هو معرفة باللامعرفة، أي بالجانب المجهول من حياتنا، لذا فهو يبني تاريخا جديدا متواريا.

        ويجب أن نشير إلى أن هذه الندوة تخللتها نقاشات عميقة ودقيقة، تدخل فيها أساتذة مختصون في الفلسفة والعلوم الإنسانية والسياسية، وساهم فيها أيضا طلبة كليات الآداب والحقوق والعلوم واختتمت أشغالها بقراءة التقرير الختامي الذي أنجزه الدكتور عبد الواحد بن ياسر وأعلن فيه كل من منسق الندوة الأستاذ مصطفى لعريصة، ورئيس المركز عبد المجيد الكوهن عن البرنامج العام لمركز التحولات وموضوع الملتقى الرابع لفضاء ابن رشد الذي سيخصص لسؤال "المعرفة والحقيقة".

هناك تعليق واحد:

  1. نشكر الإخوة على الإهتمام الجاد بموضوع "جدلية الأخلاق و السياسة" و هو موضوع محايث للوجود الإنساني. أطلب من الإخوة المشرفين على الموقع تزويدي بمواضيع هده الندوة إذا كان ذلك في اتطاعتهم .(philosociologie@yahoo.fr) شكرا

    ردحذف